بتقديم رائع يستعرض حنكة ودهاء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، (طيب الله ثراه)، استهل أمير منطقة القصيم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، مقدمة كتاب (سياسة الملك المؤسس في استصلاح الرجال)؛ الذي هو عبارة عن محتوى ندوة، اقيمت خلال جلسة أمير القصيم، بقصر التوحيد، بمناسبة اليوم الوطني السعودي. جاء الكتاب في ثلاثة فصول، عبر 164 صفحة، احتوت على وثائق ومخطوطات ومصادر ومراجع عربية ومعربة، بمشاركة نخبة من الأكاديميين المختصين ونتاج جهد مشترك مع جامعة القصيم، ومراجعة علمية من أستاذ التاريخ الحديث بقسم التاريخ جامعة القصيم الدكتور خليفة المسعود. تاريخ ونضال ومآثر متفردة في المقدمة التي طرحها أمير القصيم، تعمّق الأمير الدكتور فيصل بن مشعل، في سيرة الملك المؤسس وتاريخه ونضاله ومآثره المتفردة؛ لذلك حرص على استضافة العديد من المؤرخين والمتخصصين في جلسات قصر التوحيد التي تنظمها إمارة القصيم للحديث عن صفات الراحل العظيم وكفاحه في مراحل توحيد المملكة العربية السعودية؛ ليكون قدوة للأجيال بنماذج واضحة وأمثلة جلية ومواقف مشهودة، استخدم فيها بنظرة ثاقبة سياسة إعادة تأهيل الرجال ومنح الفرصة لكل مريدٍ للحق والاعتدال. وأشار أمير القصيم، إلى أن الملك المؤسس تمكَّن عبر تلك السياسة من استصلاح المخالفين والخارجين عن الطريق القويم، ليس بمنع عدائهم فحسب، بل وإعادتهم لجادة الحق وتحويلهم للمسار الإيجابي، بل قرّب أعداء الأمس وصاهرهم وجعلهم بمثابة أسرته في كل شيء. وبيّن أن للتعامل الحكيم الذي انتهجه الملك عبدالعزيز، مع عدد من رجال نجد الذين كانوا ضمن خصومه ومخالفيه أثره في انضمامهم إليه وغرس الولاء في قلوبهم من خلال مضمون مقالته الشهيرة «من يافي مع غيرنا يافي معنا». كما كان لتلك السياسة البارعة تأثيرها الساحر في جذب العديد من الرجال من خارج الجزيرة العربية من مصر والشام والعراق وليبيا وغيرها ممن استبشروا بظهور رجل رأوا فيه قائد المستقبل العربي. صفات قيادية وتجربة تاريخية الفصل الأول للكتاب، حمل عنوان صفات الملك عبدالعزيز، القيادية وأثر عفوه وصفحه في استصلاحه الرجال، لأستاذ التاريخ الحديث المشارك بقسم التاريخ بجامعة القصيم الدكتور محمد السلامة، تناول فيه صفات الملك عبدالعزيز القيادية وأثر عفوه وصفحه في استصلاح الرجال. وبيّن مدى سلامة الصدر وحسن الظن التي كان يتحلى بها، مع ما عُرف عنه من الحزم والحكمة التي جعلته قادراً على تأليف قلوب الرجال وتأثرهم بمنهجه بما حباه المولى -سبحانه وتعالى- من قدرة جعلت من أعداء الأمس أصحاب اليوم، وأحد أركان البناء في تجربة تاريخية، ترويها سياسة الاحتواء واستصلاح الرجال. أرجع هذا الفصل عوامل نجاح الملك المؤسس في توحيد البلاد إلى أمرين؛ الأول صفاته القيادية والثاني الظروف الداخلية والخارجية التي أحاطت بمسيرة التوحيد. أما صفاته القيادية، فقد عُرف عن الملك عبدالعزيز، العديد من الصفات الكريمة التي أهّلته لأن يكون قائداً ملهماً.. كانت تلك الصفات هي الركيزة لبناء شخصيته العبقرية القيادية، ومن أبرز هذه الصفات التديُّن والكرم والشجاعة، وقوة الإرادة والعزيمة الراسخة، وحسن اختيار الرجال، وعمق معرفته بقومه وعلاقته بهم، والصبر والحلم، والعفو والصفح. وأورد الفصل العديد من النماذج والأمثلة والمواقف للملك المؤسس لكل صفة من هذه الصفات. أثر العفو في استصلاح الرجال استعرض الفصل أثر العفو في استصلاح الملك عبدالعزيز للرجال. ومن المواقف التي تدل على عفو الملك عبدالعزيز وبُعد نظره، وما لعفوه من أثر في استصلاح الرجال، موقفه من محمد الدباغ الذي كان من المناوئين له، وقد لجأ بأسرته إلى العديد من البلدان حتى استقر بالعراق بعد ضم الملك عبدالعزيز الحجاز، وبعد أن وجّه الملك نداءه إلى رجال الحكومة الهاشمية الذين في الخارج يدعوهم للعودة والعمل تحت لوائه، كتب الدباغ للملك عبدالعزيز يطلب منه السماح له بالعودة، فرحّب الملك بذلك بإرسال سيارات لإحضاره وأسرته، وعندما حضر الدباغ إلى الرياض كان الملك قد غادر للأحساء للمشاركة في الصلاة على الأمير عبدالله بن جلوي، فذهب الدباغ إلى هناك وبقي في ضيافة الملك عدة أيام، ثم استأذن الملك للسفر لزيارة أهله في الحجاز فأذن له، وقبل أن ينصرف قال له الملك عبدالعزيز، أمام الناس «اليوم أصدرت قراراً بتعيينك مديراً عاماً للمعارف في البلاد»، فلم يتمالك الدباغ نفسه أمام هذا الموقف الإنساني النبيل من الملك عبدالعزيز، وجلس بعد أن كان واقفاً، ثم توجه للملك وسلم عليه، واعتذر منه ووعده بأن يحقق الطلب الذي طلبه منه. نماذج من الشخصيات المؤثرة جاء الفصل الثاني للكتاب بعنوان اصطفاء الملك عبدالعزيز للرجال ومتابعته لهم لأستاذ التاريخ الحديث بقسم التاريخ بجامعة القصيم الدكتور أحمد البسام، عرض فيه سيَر بعض الشخصيات المؤثرة، وكيف نجح الملك المؤسس في كسبهم للعمل بإيجابية، تاركاً لهم المجال والعمل بعد استصلاحهم وتمكينهم من إظهار قدراتهم التي منّ بها المولى -سبحانه وتعالى- عليهم. واستعرض الفصل كيف أن الملك المؤسس، كانت لديه عبقرية في اصطفاء الرجال، ولمّا كان عدد هؤلاء الرجال في أنحاء المملكة كافة كثيراً، اقتصر الفصل على الإشارة لرجال منطقة القصيم بعرض نماذج من هؤلاء الرجال الذين اختارهم الملك عبدالعزيز من الأمراء والعلماء والوزراء والدبلوماسيين، ومن الأمراء الأمير عبدالله محمد العقيل أمير قصر ابن عقيل، الذي كان الملك المؤسس يثق في كفاءته ونزاهته فكلفه بجباية الزكاة من قبائل حرب وعتيبة ومطير وبني رشيد عام 1350هـ. ومن العلماء الشيخ عبدالله سليمان سعود محمد بليهد السياري الخالدي، ومن الوزراء الوزير الأول عبدالله حمدان، ومن الدبلوماسيين الشيخ فوزان سابق فوزان الدوسري، وحافظ وهبة. 9 آثار لسياسة المؤسس الفصل الثالث: حمل عنوان آثار استصلاح الملك عبدالعزيز للرجال، لأستاذ التاريخ الحديث المشارك بقسم التاريخ بجامعة القصيم الدكتور سليمان العطني، تحدث فيه عن آثار استصلاح الملك عبدالعزيز للرجال على البلاد وأهاليهم، إذ أصبحوا رجالاً عاملين، قادرين على النجاح والتفوق في أعمالهم التي أوكلت إليهم؛ ما أثّر على أسرهم التي عاشت حياة كريمة، بعد هذا التغيير في وقت كانت قوى الاستعمار تسيطر على كثير من البلاد العربية وتسوم أهلها سوء العذاب. وأورد الفصل تسعة آثار لسياسة الاستصلاح على الملك عبدالعزيز؛ منها: بروز شخصية المؤسس كشخصية واثقة ورصينة أكسبته المواقف صلابة وقوة وقدرة على الثبات في أصعب المواقف، وأسهمت هذه السياسة في بقاء باب المؤسس مفتوحاً لمن أراد النُّصرة والعزة، جعلت هذه السياسة من المؤسس محل ثقة للآخرين، أكسبته مواقف التسامح والعفو والقدرة على الثبات في المواقف والمشكلات الخارجية، بعدما وحد الجبهة الداخلية، وأبرزت هذه السياسة مبادئ الشريعة الإسلامية وقيمها من خلال تطبيقها عملياً، وأصبح الملك عبدالعزيز، يمثّل قدوة في هذا المجال ومدرسة للعفو والصفح يتعلم منها أبناؤه ورجاله، وأثمرت تلك السياسة حبّاً في قلوب معاصريه في حياته وبعد مماته، واستقرار البلاد وأمانها فالجميع بات مدركاً لعظم القيادة.
مشاركة :