عدنان الأحمد يفتتح غاليري 'مرسمي' في الرياض برؤية تشكيلية سعودية شابة

  • 6/1/2024
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

"الفن علمني أن أكون إنساناً قبل كل شيء، علمني كيف أحب، وكيف أنام، وكيف أكبر، وكيف أواجه القدر كلما إقترب من بابي، الفن هو إمتداد لهذا الخلق الكبير"، تذكرت مقولة عمر حمدي /مالفا (1951-2015)  هذه وأنا أتابع مجريات الإنجاز الجديد الذي يخطه عدنان الأحمد، هذا الرجل الذي أقول عنه دائماً بأنه مؤسسة ثقافية متنقلة ضمن رجل (وأقولها أيضاً عن بختيار سعيد مدير وصاحب غاليري 7 رنك في السليمانية بكردستان العراق) فما يجمعها الكثير، وما بينهما من المفردات المتقاطعة ما لا تحصى، عدنان الأحمد، هذا الرجل الذي لا يتعب مهما كانت الطرق التي يمضي فيها وعرة، ولا ينكسر مهما كانت هذه الطرق مفروشة بالصعاب، فالذي يعشق الجمال بألوانه، ويكون الفن إمتداده لهذا الخلق الكبير لا يمكن أن ينحني، أو يجلس في منتصف الطريق، لا يمكن أن ينهزم،  فيرسم لنفسه آفاقاً كثيرة، ويحدد أحدها ليشتغل عليه ويمضي إليه.  فمن لا يتذكر دار وغاليري الكلمات بحلب، الذي أطلقه عدنان الأحمد عام 2002، الدار الذي كان له أثره في تنشيط الدورة الدموية للحركة التشكيلية وللفنانين التشكيليين لا بحلب فحسب بل في عموم البلاد، وعلى نحو أخص إطلاقه مشروعه الأجمل "رؤية تشكيلية شابة" والتي بموجبه مهد الطريق لأسماء كانت مغمورة وباتت لها ضوءها، وحين إهتزت البلاد في النصف الأول من عام 2011، حين هز الثور رأسه معلناً إنتقال البلاد من فوق أحد قرنيه إلى الآخر، وأصبحت في مهب السواد، وأصبح الأمن والأمان في حالة غياب، كان من البداهة أن يحمل نفسه وحلمه ويمضي في الشتات، حاله كحال معظم  السوريين وهم يخطون تغريبتهم، فحط به الترحال في اسطنبول ويبدأ في ترجمة الحلم، وإحياء الكلمات كدار نشر وصالة عرض من جديد، رغم صعوبة الحال وما يحيط به من أوجاع، ورغم اللغة الغريبة والمختلفة، إلا أنه استطاع أن يمضي في إحياء مشروعه الأهم "رؤية تشكيلية شابة" ونجح في ذلك وقدم أسماء استطاعت أن تكون لكل منها حيزها من الوسط الجميل، لكل منها عطرها ولونها الذي يميزها عن الآخر، أقول رغم الإختلاف في اللغة، ورغم المكان الذي قد يكون أشبه بمثلث برمودا يبلع كل من يقترب منه ومن حدوده، وأقصد هنا اسطنبول، أقول رغم ذلك فعدنان الأحمد لم يبلع،  ولم ينحن، ولم تجرفه رياح اليأس، فهو يدرك تمامآ بأن إمتلاكه للغة الفن وحدها تكفيه، وهي لغة الخلاص، فكيف إذا كان مدججاً بحلم كبير وبإرادة الرجل العاشق، فهو حتماً سيقهر الظروف كلها مهما كانت درجة قساوتها،ومهما كانت أنيابها بارزة، وفعلها، فهو يتكىء على غابة من الفن والتاريخ والتجربة لا تنسج إلا بمكونات فاعلة،  وفي سنوات قليلة قد تقترب من عقد من الزمان إستطاع أن يضع غاليري الكلمات في مصاف الغاليريات وفي مقدمتها على إمتداد اسطنبول،  والتي يتمنى العرض فيها كل فنان لأنه يعلم بأن ذلك سيضيف من رصيده ، فهذا العرض وحده سيمنحه وساماً سيبقى معلقاً في قبعات تجاربهم وصدور مسيراتهم، ولا يمكن نكران ذلك . عدنان الأحمد، الإنسان الذي قلت عنه سابقاً، في مادة منشورة منذ سنوات بأنه إنسان عملي، إنسان فعل لا إنسان خواء، إنسان الإنجازات الجميلة والكثيرة، فإنجازاته وفعله تسبقه في الحديث عنه، وهي دعاماته في هذا الطريق، في هذه الحياة، ولهذا ما إن أحس بأن اسطنبول لم تعد تكفيه، أقصد لم تعد تستوعب حلمه الكبير حتى أسرع إلى مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، لينثر فيها أيضاً رذاذات من ذلك الحلم ليجمع ثمارها فيما بعد، أسرع إلى رياض لتكون جناحه الثاني بعد الكلمات في اسطنبول جناحه الأول، وحينها يبدأ بالتحليق بجناحيه، وبالشكل الذي يليق بطير حر وهو يجوب الأجواء، ملوناً ومجملاً إياها بطموحه الكبير، ومن هنا ولد مشروعه الجديد الذي عنونه بإسم مرسمي وهو إسم موفق جداً، ويوحي بالكثير وإن كنت أرغب بأن يكون الإسم كلمات 2، كلمات التي باتت عنوانه، التي باتت تلازم إسمه أينما حل، وأينما ذكر، أطلقه تحت عنوان جميل وبمفردات تكاد تلخص فكرته بمؤشراتها الكثيرة والدالة على معنى الفن والحياة في دواخله، وبرؤية جديدة تكشف له الطريق إلى الحب والحياة: "مرسمي مكان واحد يجمعنا، مرسمي غاليري للفنون، دعوة للحياة ودعوة للفن، رؤية جديدة للحياة ... وعلى مساحة سبعمائة متر مربع تنطلق غاليري مرسمي" ولتكون  أولى مشاريعه الفنية والتشكيلية بمعرض رؤية تشكيلية سعودية شابة لخمسة فنانين شباب جمعتهم رؤية جديدة للحياة والفن، فنان واحد وأربع فنانات،  ولهذا رفده بعنوان فرعي أسماه 1+4، الفنان هو عبدالله البقمي، والفنانات الأربعة هن : عيدة الزهراني، مشاعل العطاوي، حنان الحازمي، ندى العلي، فنانون يجمعهم روح المواجهة، وروح التجريب، روح المغامرة والمغايرة، فمقولات اللوحة التقليدية وإظهارها بمظهر الجدة لم تعد تجديهم،  فيحلو لهم أن يطرحوا أنفسهم بمصوغات إبداعية تثير الإنتباه ويمكن إدراجها في سياق ما بعد الحداثة، وهذا قد يعيدنا لبعض الوقت إلى إشكالية العلاقة بين الإتجاهات التجريبية المختلفة بوصفها رهاناً فنياً خالصاً، ولكن ما يبذله هؤلاء الفنانون الشباب هو قدوم ذاتية جديدة تشترك جميعها بتكثيف الإدراك والعمل فيما بعد على تغييره بصياغات أسلوبية تبحث بدورها عن نهجها  الخاص، رافضين لجمالية الأنموذج، مؤسسين لقوانين ذاتية، السلطة فيها للخيال وتبني قوانين التجاوز، وقد تكون هذه ردات فعل على مقولات تم إستهلاكها تماماً، واستنفذت مسوغاتها  الإبداعية، وهنا قد تكمن أهمية الحركة الناشئة التي تبهر بنصوصها البصرية والتي تستقطب متلقين ومتابعين عجزت على إستقطابهم الكثير من الحركات الفنية الأخرى. أعود إلى عدنان الأحمد ومشروعه الجديد، الجميل، فزراعة القمح والورود في الصحراء ليست سهلة أبداً، ولهذا فالعبء الذي سيحمله سيكون مضاعفاً بمرات ومرات، وقالوا له بأن المهمة ستكون ثقيلة، فهو أشبه بمن يحرث في الصخر، ولكن ها هو هنا ينجح في الحرث، وفي الزرع أيضاً، وسينجح بكل تأكيد في القطف لأن حرثه سيجدي،  والصعوبات كلها ستقهر أمام تحديه الكبير، فها هو يبدأ بأولى نشاطاته، معلناً عنها، وعن خطه الذي يسير عليه فرؤية تشكيلية سعودية شابة التي يبدأ بها هنا في الرياض هو إمتداد لمشروعه في كلمات حلب حين بدأ برؤية تشكيلية سورية شابة، وفعلها في اسطنبول أيضاً، فخطه يخدم مشروعه الذي يشتغل عليه منذ عقود طويلة، فكما نجح في كل من حلب واسطنبول كذلك سينجح في الرياض، ف "مرسمي" الذي أعلن عنه مؤخراً، والذي سيديره كمدير، هو لصديقيه المعماريين السيد عبدالله الغفيلي والسيد خالد الحسينان، وسيكون بمقدوره أن يقود الدفة إلى منحى التأكيد وما يسعى إليه عن كيفية بناء عالم الجمال الذي سيروي كخطاب حكايته التي تحمل كل عناصر التشويق والتمايز وبالتالي النجاح، سيكون بمقدوره أن يكون قبطاناً ناجحاً فهو صاحب الخطط الاستراتيجية، وبعيداً عن خلط الصكوك، فهو الشخصية التي تنجز الكلام والفعل معاً، الشخصية التي لا تخضع للتعيين، والبعيدة عن التقلبات، وتكتفي بتقديم نفسها للمتلقي كشخصية متواجدة في قلب كل حكاية فنية يكشقها ويقدمها لنا، وهو إنجاز فعل وتجسيد كلام وسيبقى شخصية فاعلة في الحدث بهوية نهضوية، دينامية لا ترفض الصياغات الجديدة، بل يبحث عنها ليضعها في المكان المناسب، المكان الذي سيليق بها حتماً. ما بين 30-05-2024 / 20-06-2024، أي على إمتداد عشرين يوماً، سيبقى غاليري مرسمي مجملاً بمعرض فني، هو باكورته، وإعلانه عن ولادته الجديدة، سيبقى مجملاً بمعرض فني لخمسة فنانين شباب، (فنان واحد وأربعة فنانات)، وسيضم خمسة وعشرين عملاً، أي خمسة أعمال لكل فنان أو فنانة، تحت يافطة عريضة " رؤية تشكيلية سعودية جديدة "، والتي تكاد تكشف لنا خطة الأحمد في تبنيه وتقديمه لأصوات لا تخفي هسيسها الضمني، ولا بعدها عن الرتابة ووطأتها، لأصوات لا تجنح نحو إشكاليات كلاسيكية ذات الطابع العقلاني، بل نحو خلق إشكالياتها الخاصة بها، والتي تحمل كل ذرائعها في تكوين صياغات تشغل بدورها من زمن الخطاب الخاص بهم ومن مساحته حتى يكاد يشكل بحثاً جمالياً له المقاييس الداخلية الخاصة به، إن كان بما تمارسه من وظيفة معرفية وفكرية. أو من وظيفة فنية محدثة لها منظورها الجمالي وما يربطها بنشأتها، فإفتتاحية مرسمي ستكون بخمسة أسماء، خمسة أصوات يجتمعون على مائدة واحدة، يقومون بتمثيل المستحيل والمتخيل، ويمنحون اللامتناهي أشكالاً دون أن تفقد صفتها،  ذلك أنهم يرتادون العتبات في رحابها، ويحتمون بالصمت الصارخ حتى تنتشل الأبعاد جميعاً من عقالها،  فيستدعون النصوص في شكل شظايا، ويبعثرون الألوان الطافحة باللامعنى، لا لتتلاقى الأبعاد وتقتل التشيؤ الذي بات يطال الواقع برمته، بل لإنتشال المفردات من يقظتها، والكائنات من تفسخها وإنحلالها،  هكذا يصبح الفن بين أصابعهم وريشهم إلى إنتشال الموجودات التي تبني عوالمهم،  الموجودات التي تبدو وكأنها خاوية وخالية من كل ما تطفح بالحياة، الموجودات الغارقة في الفوضى وفي العبث واللامعنى، خمسة أصوات يحلقون في سماء واحدة، يتلقفون الجديد من أبعادها المحجبة، ليستعيدوا ما يجب أن يحتفى به وبفاعليته،  فلا يمكن في قراءتنا هذه أن نكشف عن طرائق كل منهم، وما يخصهم، عن الذرى التي طالما حلموا ببلوغها،  وعن الرحاب التي طالما يمضون للإرتقاء إليها، فكل شيء يعنينا هنا، بدءاً من الإيقاعات التي تهب من أغانيهم، أقصد من أعمالهم، وصولاً إلى الممارسة الفنية في حضرة مآزق يجب الحذر منها، وإلا قادتهم إلى يتمهم، فخمسة تجارب سعودية شبابية قد تكون كافية وكفيلة  برسم بانوراما المشهد البصري الشبابي في السعودية، بعيدة عن صخب الحياة العادية وبعيدة عن قضايا المجتمع وقد تكون تلك الطريق المؤدية إلى جمالية المشهد وإبداعيته، خمسة أصوات، خمسة تجارب، تقدم نفسها في معرض مشترك على مساحات غاليري مرسمي والتي تقدر بسبعمائة متر مربع، وتبني حشوداً من  الدلالات لتكون في أوج كثافتها وأوج جريانها،  والحال أنهم يتوسلون المقاصد باللمح والإشارة وبكل ما يحقق تجلياتهم،  إن كان على المستوى الأسلوبي، أو ما يفتح قريحة خيالاتهم نحو تضمين الدفق الدلالي.

مشاركة :