برلين - كان نادر أسلم، وهو ألماني من أصل مغربي باكستاني، يعتزم التصويت لصالح حزب الخضر في انتخابات البرلمان الأوروبي التي تجرى هذا الأسبوع، لكنه سيغير موقفه ليدعم ميرا 25 وهو حزب يساري ناشئ له موقف مؤيد للفلسطينيين بشكل واضح. وقال أسلم (33 عاما) إن خطابا ألقاه زعيم من حزب الخضر في نوفمبر/تشرين الثاني يؤكد فيه مضاعفة الدعم الألماني لإسرائيل، حتى مع اقتراب عدد القتلى في غزة من 9000، هو ما أنهى تأييده للحزب البيئي، عضو الائتلاف الحاكم في ألمانيا. ويمثل هذا التحول في التأييد، الذي يتردد صداه في أنحاء أوروبا، أحدث تهديد، يأتي هذه المرة من اليسار، للأحزاب السياسية الرئيسية التي يتعرض مشروعها لتعميق التكامل الأوروبي لهجوم بالفعل من اليمين المتطرف. ولا يقتصر هذا الاتجاه على المجتمعات الإسلامية في دول الاتحاد الأوروبي فقط، لكنه يمتد أيضا للناخبين ذوي الميول اليسارية الذين يرون ازدواجية للمعايير فيما يتعلق بإدانة أوروبا لهجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبفشلها في انتقاد حملة إسرائيل العسكرية على غزة التي أودت بحياة أكثر من 36 ألف فلسطيني حتى الآن، بحسب مسؤولي الصحة في غزة. وقالت سميرة أزابار، عالمة الاجتماع بجامعة رادبود في هولندا، "لدينا صعود في أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتطرف، (الأمر الذي سيعيد) تشكيل المشهد السياسي في أوروبا وتوازن قوى العديد من الأحزاب". وأوضحت أن هذا قد يكون له عواقب على موقف الاتحاد الأوروبي بشأن إسرائيل وكذلك الدفع بسياسات تمنح مزيدا من سلطة اتخاذ القرار على المستوى الوطني في كل دولة عضو بالاتحاد. وقد اعترفت إسبانيا وأيرلندا، عضوا الاتحاد الأوروبي، بالدولة الفلسطينية وكذلك اعترفت حكومة سلوفينيا وتنتظر فقط موافقة البرلمان. وبينما ترتفع شعبية اليمين المتطرف في السنوات القليلة الماضية، تظهر الاستطلاعات أن الأقليات تصوت بشكل أكبر لصالح اليسار المتطرف مع انجراف الأحزاب الرئيسية نحو اليمين بشأن قضايا مثل الهجرة والقيم الثقافية. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس الشهر الماضي أن اليمين المتطرف سيحقق أكبر المكاسب في الانتخابات المقرر إجراؤها في الفترة من السادس إلى التاسع من يونيو/حزيران، مع حصول مجموعة اليسار في البرلمان الأوروبي على ستة مقاعد إضافية، على حساب تكتلات الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر وتجديد أوروبا. وفي فرنسا، يركز حزب فرنسا الأبية اليساري حملته على إبراز موقفه المؤيد للفلسطينيين في محاولة لكسب الناخبين المسلمين واليساريين المتطرفين، حسبما قالت بلاندين تشيليني بونت، المؤرخة في جامعة إيكس مرسيليا. ويسعى الحزب إلى فرض حظر على تصدير الأسلحة وفرض عقوبات على إسرائيل والاعتراف بدولة فلسطينية، وعلى عكس مجموعات يسارية أخرى يمتنع الحزب عن وصف حماس بأنها جماعة إرهابية. ويتمتع هذا الحزب بتأييد 44 بالمئة من الناخبين المسلمين في فرنسا، مقارنة بحجم تأييد يبلغ ثمانية بالمئة بين مجمل الناخبين في البلاد. وقال سيباستيان ديلوجو النائب عن حزب فرنسا الأبية "سيقول البعض إننا نُرضي الناخبين لكن من الذي نتحدث عنهم؟ هؤلاء مواطنون في هذا البلد ليس لديهم رؤية عنصرية للمجتمع". ويسعى الحزب الاشتراكي في فرنسا أيضا إلى الاعتراف بدولة فلسطينية، لكنه لا يشارك موقف حزب فرنسا الأبية بشأن حماس. وقال رافاييل جلوكسمان المرشح الاشتراكي البارز لرويترز "حزب فرنسا الأبية له علاقة بالعنف وهي (علاقة) ليست جيدة"، مضيفا أن صعوده في استطلاعات الرأي إلى المركز الثالث بنسبة 14 بالمئة يرجع جزئيا إلى اختياره النأي بنفسه عن حزب فرنسا الأبية. وتتسبب أحزاب ناشئة مؤيدة للفلسطينيين حاليا في ألمانيا في تآكل تأييد كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاجتماعي، وهما من الأحزاب الرئيسية التي تؤكد دعمها القوي لإسرائيل بسبب شعور ألمانيا بمسؤولية تاريخية بشأن المحرقة (الهولوكوست). وإلى جانب حزب ميرا 25 اليساري، يوجد بين الأحزاب الناشئة الأخرى المؤيدة للفلسطينيين ما هو محافظ اجتماعيا مثل (التحالف الديمقراطي من أجل التنوع والتنمية) أو "دافا" وأيضا (حزب القراصنة الألماني) أو "بيج" وحزب (حلف سارة فاغنكنيشت) أو "بي.إس.دبليو" المتشكك في الاتحاد الأوروبي ويرغب في فرض حظر على تصدير الأسلحة لإسرائيل مع الدفع بسياسات مناهضة للهجرة. ومن المرجح أن يعترف أنصار حزب بي.إس.دبليو، الذي تبلغ شعبيته في الاستطلاعات سبعة بالمئة، بالدولة الفلسطينية بمعدل أكبر بنسبة 50 بالمئة مقارنة مع الناخبين الألمان بشكل عام. وفي إسبانيا، حيث تعود التوترات مع إسرائيل إلى عهد الدكتاتور فرانكو، أدى اعتراف الحكومة بالدولة الفلسطينية إلى تعزيز شعبية حزبي الائتلاف الحاكم، الحزب الاشتراكي وحزب سومار اليساري المتطرف. وقال ديفيد هيرنانديث، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، إن "القضية الفلسطينية صارت محورا للنقاش السياسي في إسبانيا". وأشارت أزابار، من جامعة رادبود الهولندية، إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات الاتحاد الأوروبي تكون في كثير من الأحيان أقل بين الأقليات العرقية مقارنة بعامة السكان، لكن حرب غزة قد تكون حافزا هذه المرة. وهناك سجل حافل لتأثير قضايا السياسة الخارجية على إقبال الأقليات العرقية على التصويت. ويقول توفيق أوزجان رئيس حزب دافا، الذي يستهدف جذب الناخبين من أصل تركي في ألمانيا، إنه في عام 2016 خسر الحزب الديمقراطي الاجتماعي في ألمانيا أصوات نحو 100 ألف ناخب تركي بعد الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في الحرب العالمية الأولى. وأضاف أوزجان، وهو عضو سابق في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، أن حزبه عرض إدخال خيار التصويت الاحتجاجي الذي لم يتوفر بعد في أوراق الاقتراع. وقال "الألمان لديهم الفرصة ليقولوا: حسنا، أصوت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا (اليميني المتطرف) احتجاجا. لكن لا يمكن للمسلمين أن يفعلوا ذلك". وأظهر استطلاع أجراه معهد العلوم السياسية في جامعة دويسبورج-إسن في ديسمبر/كانون الأول أن واحدا من كل ثلاثة مسلمين ألمان لا يشعر بأن هناك أي حزب يمثله. ويتردد صدى شعور جديد بأهمية التمثيل السياسي لدى الناخبين الفرنسيين أيضا. ورشح حزب (فرنسا الأبية) المحامية الفرنسية الفلسطينية ريما حسن التي تشارك في الاحتجاجات ولها نشاط على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدم التماسات إلى الاتحاد الأوروبي لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل. وقالت شاما طاهري إيفورا، وهي طاهية فرنسية مغربية عمرها 34 عاما، إنها لم تصوت قط في أي انتخابات أوروبية لكنها ستفعل هذه المرة. وأضافت أن "التصويت لاختيار ريما هو عمل من أجل المقاومة"، وأنها لا تعرف كل بنود برنامج حزب فرنسا الأبية لكن ما تقوله ريما والأعضاء الآخرون في الحزب عن فلسطين هو من العدل.
مشاركة :