ماجد كيالي يكتب: التأثيرات الخارجية المحددة للحركة الوطنية الفلسطينية

  • 6/13/2024
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لدى تفحّص التجربة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، التي قاربت على ستة عقود، يمكن ملاحظة مسألتين: الأولى، أنّ تلك الحركة غاية في التردّي، والتصدّع، على صعيد الخطابات، والبنى، وأشكال العمل، والعلاقات، والمكانة، وذلك قياساً لدورها الوطني المفترض، والطموحات التي تأسّست عليها، منذ انطلاقها في أواسط الستينيات. والثانية، إنّه بمعزل عن طبيعة التحوّلات العربية والإقليمية والدولية، فإنّ تلك الحركة خسرت كثيراً، في تضحياتها، ومن رصيدها، وإنّها في هذا الوضع لا تستطيع استثمار أي تحوّل إيجابي (إن وُجد)، لصالح شعبها، ليس بسبب موازين القوى والمعطيات الخارجية فقط، التي لا تسمح بذلك، كما نشهد في حرب او في نكبة غزة، منذ قرابة تسعة اشهر، وإنما أيضاً بسبب طريقة عمل القيادة الفلسطينية، وانحسار مكانة الكيانات الجمعية للفلسطينيين، وتشتت الشعب الفلسطيني. وللموضوعية والإنصاف، فقد أسهم في إضعاف تلك الحركة، إلى مشكلاتها وخياراتها الخاطئة، عدد من التغيّرات في المشهد العربي والإقليمي والدولي، يكمن أهمها في الآتي: أولاً: هزيمة حزيران (يونيو 1967)، واحتلال باقي الأرض الفلسطينية في الضفة والقطاع، وأجزاء من سوريا ومصر. صحيح أنّ تلك الحرب أسهمت في دعم الأنظمة لإطلاق الكفاح المسلّح الفلسطيني، وشرعنته، سيما في ما يُعرف بدول الطوق (الأردن ولبنان وسوريا ومصر)، إلاّ أنّ ذلك تمّ لاعتبارات آنية، ومصلحية، تخصّ الأنظمة المعنية، أي للاستهلاك الشعبي، وللتغطية على الهزيمة، إذ بعد ذلك شهدنا التدخّلات لتفكيك تلك الحركة، والوصاية عليها، والتحكّم بمساراتها السياسية والكفاحية، فضلاً عن توريطها بالحرب الأهلية اللبنانية. ثانياً: الغزو الإسرائيلي للبنان (1982)، إذ أدّى إلى إنهاء الكفاح المسلّح في الخارج، الذي شكّل عصب الحركة الوطنية الفلسطينية، ما أثّر سلباً عليها، وحدّ من قدراتها ودورها، بالقياس لفترة ما بعد حرب (1967). وقد انطبق ذلك، في ما بعد، على الداخل، مع اندلاع الحرب الدولية على الإرهاب (أواخر 2001)، بالتزامن مع الانتفاضة الثانية (2000 ـ 2004)، التي غلب عليها نمط العمليات التفجيرية، إذ تبيّن أنّه غير مسموح للفلسطينيين تحقيق أي انجاز بتضحياتهم وبطولاتهم (ينطبق ذلك على الحروب على غزة منذ 2008)، وقد تمّ وصم تلك العمليات بالإرهاب، إلى جانب أنّها سهّلت على إسرائيل القيام بردّات فعل وحشية أدّت إلى تدفيع الفلسطينيين أثماناً باهظة، على كل المستويات. ثالثاً: اختفاء عالم “الحرب الباردة”، بانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي، فبنتيجة ذلك خسرت القضية الفلسطينية، وتراجعت في الأجندة الدولية، ليس لأنّ الاتحاد السوفياتي غيّر شيئاً لصالح الفلسطينيين، أو في معادلات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإنما لأنّ القضية الفلسطينية استُخدمت في صراعات، أو في توظيفات، الحرب الباردة بين القطبين. رابعاً: ظهور الجمهورية الإسلامية في إيران (1979)، التي عملت على تعزيز نفوذها في بلدان المشرق العربي واليمن، مستعينة بميليشيات طائفية مسلّحة، كأذرع إقليمية لها. وقد نجم عن ذلك تصدّع بنى الدولة في تلك البلدان، وبروز الانشقاق الطائفي في مجتمعاتها، لاسيما بعد الغزو الأميركي للعراق (2003)، وتسليمه لميليشيات تتبع إيران، ما أفاد إسرائيل، التي أصبحت في محيط استراتيجي آمن، لمدى طويل، مع خراب سوريا ولبنان والعراق، واختفاء مفهوم “الجبهة الشرقية”. هكذا استثمرت إسرائيل في تغوّل إيران، وسعيها حيازة قوة نووية، في انفتاح دول عربية عليها، بمبرّر صدّ التهديد الإيراني. خامساً: انعقاد “مؤتمر مدريد للسلام” (1991) الذي مهّد لنهاية حقبة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأتى بعده عقد اتفاق أوسلو (1993)، الذي حوّل الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرّر وطني إلى سلطة، تحت الاحتلال، مع الانزياح في الرواية الوطنية الفلسطينية، لصالح إقامة كيان فلسطيني في الضفة وغزة. وبالنتيجة، فإنّ القضية الفلسطينية تراجعت عن مكانتها كقضية مركزية للعالم العربي، وتبدّدت فكرة فلسطين كمدخل إسرائيل للعالم العربي. سادسا، هيمنة اليمين القومي والديني المتطرف في إسرائيل، الذي يأخذ الصراع مع الفلسطينيين باعتباره حربا وجودية، في سعيه تغليب طبيعة إسرائيل كدولة دينية ويهودية واستعمارية وعنصرية، وهو ما نشهد تبعاته في حرب الإبادة التي تشنها حكومة نتنياهو، سمتريتش، بن غفير، على قطاع غزة، لتعزيز هيمنة إسرائيل من النهر إلى البحر، وقطع الطريق على تبلور أي كيان سياسي مستقل للفلسطينيين. هكذا، تضافرت العوامل الخارجية والداخلية، في تغيير الحركة الوطنية الفلسطينية، التي لم تبقَ كما كانت عليه، ولم تستطع تطوير ذاتها، ما أدّى إلى نكوصها عن الرواية الجامعة، المتأسّسة على النكبة (1948)، المتمثلة بإقامة إسرائيل وولادة مشكلة اللاجئين، التي كانت برّرت انطلاقها قبل ستة عقود تقريباً، والتي أسهمت في بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية، واستنهاض الفلسطينيين بوصفهم شعباً، إلى الرواية القائمة على احتلال الضفة وغزة (1967)؛ رغم أنّ تلك الحركة انطلقت قبل ذلك، كأنّها تطيح بالمبرّر الذي تبنّته لدى انطلاقها. في المحصلة، فإنّ هذا التغيّر الذي تضافر مع الضعف والعجز الموضوعيين للحركة الفلسطينية، الناجم عن تمزّق مجتمعها وافتقارها للموارد الذاتية وللإقليم المستقل وهيمنة الأنظمة وتفوّق إسرائيل، المترافقين مع ترهّل أجسامها، أدّى إلى تفكيك وحدة الشعب والأرض والقضية والرواية التاريخية، وإلى تهميش منظمة التحرير. اللافت أنّ تلك الحركة كانت حقّقت معظم إنجازاتها، بإمكاناتها الذاتية، في سنواتها العشر الأولى (إلى أواسط السبعينات من القرن الماضي)، والتي تمثّلت باستنهاض شعبها وبلورة هويته وبناء كيانه الجامع، وفرض قضيته في الأجندة العربية والدولية، إذ أنّها بعد ذلك (1974 ـ 2023)، أي طوال نصف قرن تقريباً، ظلّت تعيش على تلك الإنجازات، إلى درجة أنّها استهلكتها، بل ونكصت عنها. في المقابل أضحت إسرائيل أكثر هيمنة على الفلسطينيين، وفي بيئة استراتيجية آمنة في الإقليم، وفي مكانة دولية متميزة، على رغم انكشافها على حقيقتها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية، بشهادة العديد من المنظمات الدولية، والرأي العام الدولي حتى في الدول الغربية. ـــــــــــــــــ شاهد | البث المباشر لقناة الغد

مشاركة :