أقل من عام هي المسافة الزمنية بين قمة كامب ديفيد التي جمعت منتصف مايو 2015 قادة دول الخليج بالرئيس أوباما، والقمة الخليجية الأمريكية اليوم. في حين المسافة الدبلوماسية والعسكرية بمعيار نتائج ما تحقق من وقائع وتحالفات سياسية وعسكرية أكبر وأبعد. فبعد تطمينات دبلوماسية خافتة وتحذيرات باردة لإيران، ساقها الجانب الأمريكي في قمة كامب ديفيد الأخيرة. سبقت القمة الأمريكية الخليجية اليوم، نشاطات فاعلة ولافتة منها قمة سعودية ـ أمريكية بحثت العلاقات الثنائية على حدة. وخليجية ـ مغربية عززت من التضامن والتحالفين العربي والإسلامي بقيادة المملكة. كما سبقها اتفاقات عسكرية مشتركة لصد تدخلات إيران البحرية، فضلا عن صفقات عسكرية شاملة، وصلت حد توقيع اتفاقات أمنية معلوماتية (سيبرانية). ما أشار بدوره لنوايا مؤسسية دفاعية أمريكية أكثر تطلعا لاستمرار الشراكة التاريخية وتحفيزها تقودها الإدارة الجديدة بقيادة الوزير آشتون كارتر وفريقه بغض النظر عن رؤى إدارة البيت الأبيض الحالية التي لم يبق لها الكثير زمنيا. إذن تعقد القمة اليوم و"العقيدة الخليجية" السياسية لم يزدها تحالفها السياسي والعسكري في ظل الأوضاع المحيطة والمضطربة في اليمن وغيره إلا ثباتا بقيادة السعودية الشقيق الأكبر. في حين "عقيدة أوباما" السياسية ما تزال حائرة بين السلام "البارد" والحار. وبين صديق المرحلة والمصلحة وبين حلفاء الاستراتيجية والتاريخ. ولكن في المقابل لطالما تجاوزت السعودية والخليج عموما بحكمة قادته مواقف الإدارات الأمريكية الفردية المتباينة. لتراهن على استراتيجية العلاقة المؤسساتية الأكثر رسوخًا على مر التاريخ بين البلدين، اقتصاديا وسياسيا. وهي النظرة ذاتها التي ينطلق منها مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه. والتي منها يستمد المجلس عقيدته السياسية كما نلحظ اليوم. وبينما تتفاوت الرؤى داخل الولايات المتحدة باختلاف الإدارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في النظر إلى ملفات الشرق الأوسط، ومن أهمها بالطبع علاقة واشنطن بدول الخليج. تتفق الرؤى داخل البيت الخليجي تجاه العلاقة التاريخية بواشنطن. وهذا ما ساعد على تجاوز الكثير من العقبات. لعل أعقدها ما تمر به العلاقة الحالية تبعا لتصرفات البيت الأبيض المترددة والمتذبذبة تجاه كثير من القضايا المصيرية في المنطقة. وعلى رأسها يأتي الملفان السوري والعراقي. واختيار واشنطن لموقف "اللاموقف" حيالهما ما أدى بدوره لتصاعد النفوذ الإيراني من جهة والتنظيمي الإرهابي من جهة أخرى. لتصل أذرع هذا النفوذ لحدود بعض البلدان العربية وعمق بعضها الآخر، كما حصل في اليمن لولا التدخل العربي الخليجي الحازم. يبقى أن "رسالة الحزم" في اليمن تحديدا وعلى امتداد المنطقة - وفقا لمتابعين ومحللين- ألقت بظلالها وستلقي بمزيد على القمة الخليجية الأمريكية. وكما سرعت من استدراك إدارة الدفاع الأمريكية لبحث الشراكة العسكرية الخليجية الأمريكية وتوثيق عراها التاريخية لتفادي بعض مما شاب العلاقات أخيرا. فإنها حتما ستلقي بثمارها -هذه المرة- سياسيا على إدارة حزب ديمقراطي لم يشأ أن يغادر الرياض والرئاسة دون أن يتأكد من ثبات عرى العلاقات التاريخية، حتى إن كان هو السبب في محاولات زعزعتها. فالتاريخ قد يغفر لأشخاص أساؤوا لأنفسهم وعلاقاتهم بالآخرين. لكنه لا يغفر لأناس أساؤوا للعلاقات بين الكيانات والشعوب.
مشاركة :