سياسة ضم الأراضي الفلسطينية ثابتة في عقيدة إسرائيل

  • 7/30/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انتظر العالم يوم 1 يوليو 2020 الذي حددته الحكومة الإسرائيلية للبدء رسميا في ضم 30% من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية ووادي الأردن. مر ذلك التاريخ المحدد من دون أن يحدث أي شيء، كما أن قرار الضم لم يدخل حيز التنفيذ.قال وزير الخارجية الإسرائيلية غابي أشكينازي، في معرض تعليقه على التاريخ الذي كان رئيس حكومته بنيامين نتنياهو قد حدده لنفسه، «لم يتم الإعلان رسميا عن أي تاريخ بديل» .. وهو أمر يلفت الانتباه».لكن ما أهمية هذا الأمر؟في الحقيقة، لا يهم ما إذا كانت عملية ضم الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني تتم وسط صخب إعلامي وإعلان السيادة أو ما إذا كانت هذه العملية ستتم بشكل تراكمي على مدى الأيام والأسابيع والأشهر القادمة بعيدا عن أي صخب إعلامي؛ لأن إسرائيل قد كرست فعلا عملية ضم الضفة الغربية - ليس فقط نسبة 30% المعلنة، وإنما كامل مساحة الضفة الغربية بشكل أو بآخر. من الأهمية بمكان إدراك معاني بعض الكلمات مثل «الضم»، و«غير قانوني» و«الاحتلال العسكري» وغيرها من العبارات الأخرى في سياقاتها السياسية والتاريخية المناسبة حتى ندرك مدى أبعادها. على سبيل المثال، يعتبر القانون الدولي أن كل المستوطنات اليهودية التي أقامتها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب يونيو 1967 غير قانونية. لعل ما يلفت الانتباه أيضا أن إسرائيل تستخدم عبارة «غير قانوني» غير أنها لا تعني المستوطنات اليهودية، وإنما ما يسمى «البؤر الاستيطانية» التي أنشأها اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة من دون الحصول على إذن مسبق من الحكومة الإسرائيلية.بعبارة أخرى، تعتبر إسرائيل أن كل الأنشطة الاستيطانية في فلسطين المحتلة «قانونية»، كما ترى أنه يمكن إضفاء الصبغة القانونية على البقية عبر القنوات الرسمية. وفعلا، فإن الأغلبية الساحقة من المستوطنات البالغ عددها 132 في الضفة الغربية والقدس هي في نظر إسرائيل «قانونية» وهي مأهولة بأكثر من نصف مليون مستوطن يهودي، علما أن هذه المستوطنات «القانونية» كانت في الماضي تصنف على أنها «بؤر استيطانية غير قانونية».رغم أن مثل هذا المنطق يلبي حاجة الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، من أجل ضمان استمرار مشروعها الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، غير أن ذلك لا يعني أيضا شيئا في نظر القانون الدولي. تنص المادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة، المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحرب والمؤرخة في 12 أغسطس 19491، على ما يلي بكل وضوح: «يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أيًّا كانت دواعيه. ومع ذلك، يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جزئي لمنطقة محتلة معينة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع».«وعلى دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تتحقق إلى أقصى حد ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أن الانتقالات تجري في ظروف مرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية، ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة».«ويجب إخطار الدولة الحامية بعمليات النقل والإخلاء بمجرد حدوثها. لا يجوز لدولة الاحتلال أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب، إلا إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها».لقد ظلت إسرائيل تنتهك التزاماتها التي يحتمها عليها وضعها باعتبارها في نظر القانون الدولي «قوة احتلال» - وما جعل «احتلالها» لفلسطين يتنافى مع الطريقة التي حددها القانون الدولي لإدارة عمليات الاحتلال العسكري - إذ إنها يجب أن تكون عمليات مؤقتة في كل الأحوال.يختلف الاحتلال العسكري عن الضم. فالاحتلال العسكري في عرف القانون الدولي مرحلة انتقالية مؤقتة تتلوها مرحلة دائمة، إذ إن «قوة الاحتلال» تتخلى عن سيطرتها العسكرية على الأراضي المحتلة بعد مرور فترة زمنية.أما الضم فهو يمثل انتهاكا صارخا لمعاهدات جنيف وما تنص عليه محكمة العدل الدولية في لاهاي والتي تعتبر أن عملية الضم ترتقي إلى مستوى جريمة الحرب لأن القانون على قوة الاحتلال الإعلان من طرف واحد عن سيادتها على الأراضي المحتلة.نحن نتفهم الصخب الدولي الذي ترتب عن خطة بنيامين نتنياهو لضم ثلث أراضي الضفة الغربية المحتلة غير أن المسألة تتمثل في أن الانتهاكات الجسيمة التي. ترتكبها إسرائيل باعتبارها قوة الاحتلال هي التي مكنتها في الحق من القيام بعمليات الضم المتراكم على مدى الأعوام الماضية لكامل الضفة الغربية ومن ثم فرض الأمر الواقع.لذلك، عندما يطالب الاتحاد الأوروبي إسرائيل بالتخلي عن خطط الضم فإنه إنما يطلب منها أن تعود إلى الوضع القائم، أي عملية الضم على أرض الواقع. كلا السيناريوين ينطويان على ظلم كبير للشعب الفلسطيني ولا بد بالتالي من رفضهما رفضا باتا.لقد بدأت إسرائيل تستغل الأراضي المحتلة وكأنها جزء متصل لا يتجزأ من إسرائيل نفسها، وذلك منذ أن احتلتها في حرب الأيام الستة في يونيو من سنة 1967. لم تكد تمر بضعة أعوام حتى كانت إسرائيل قد أنشأت عديد المستوطنات غير القانونية والتي تحولت اليوم إلى مدن مزدهرة يسكنها مئات الآلاف من مواطنيها اليهود بطبيعة الحال، إذ إنها مكنتهم من حوافز كبيرة مكافأة لهم على الانتقال للعيش في المستوطنات.تفاقمت الهجمة الاستيطانية بمرور الوقت، إذا إن الفلسطينيين وجدوا أنفسهم ضحية لعمليات تطهير بطيء، لا رجعة فيه. فقد ظلت سلطات الاحتلال تهدم منازلهم وتصادر أراضيهم ومزارعهم وتفرغ مناطق بأكملها من سكانها وتنقل إليها المستوطنين اليهود كي يحلوا محلهم. في فترة ما بعد حرب يونيو 1967 تكرر سيناريو ما بعد قيام دولة إسرائيل سنة 1948، وهو ما أدى إلى قيام دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية.شغل موشي ديان منصب وزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية خلال حرب يونيو 1967 بين العرب وإسرائيل، وقد كشف عن المنطق الإسرائيل في الخطاب المهم الذي ألقاه في جامعة تخنيون في شهر مارس 1969، وقد جاء في ذلك الخطاب ما يلي على وجه الخصوص: «لقد جئنا إلى هذه البلاد التي كانت مأهولة بالعرب وها نحن نقيم دولة عبرية، أي دولة يهودية هنا».«لقد شيدنا قرى يهودية على أنقاض القرى العربية، حتى أنه لم يعد أحد منكم يعرف أسماء هذه القرى العربية ولست ألومكم، لأن هذه الكتب الجغرافية لم تعد موجودة. لا يقتصر الأمر على هذه الكتب التي لم تعد موجودة بل إن القرى العربية نفسها لم تعد موجودة... لا يوجد أي موقع في هذه البلاد إلا وكان مأهولا بالسكان العرب».لقد ظلت إسرائيل تطبق نفس المقاربة الاستعمارية في القدس الشرقية والضفة الغربية خلال فترة ما بعد حرب يونيو 1967، والتي أفضت إلى النكسة العربية. فقد ضمت إسرائيل القدس الشرقية في سنة 1980، أما الضفة الغربية فقد تم «ضمها» بشكل تدريجي تراكمي من خلال تغيير الواقع الديموغرافي فيها وتوطين مئات الآلاف من اليهود على الأراضي الفلسطينية المحتلة. نعم إنه سلاح الديموغرافيا الذي ظلت توظفه إسرائيل للاستيلاء على الأراضي العربية. عندما قامت إسرائيل باحتلال القدس الشرقية أول مرة عمدت منذ البداية إلى ترحيل السكان ونقل المستوطنين اليهود كي يحلوا محلهم كما أنها أطلقت عملية استراتيجية لتوسيع نطاق الحدود البلدية لمدينة القدس حتى تشمل أكبر عدد ممكن من اليهود وأقل عدد ممكن من الفلسطينيين. تعتمد إسرائيل في سياستها الاستراتيجية على العديد من الأساليب التكتيكية من أجل تقليص عدد السكان الفلسطينيين في القدس تدريجيا، بما في ذلك سحب وثائق الإقامة من الفلسطينيين وممارسة التطهير الاثني. كان الفلسطينيون يشكلون الأغلبية في الماضي غير أنهم تحولوا اليوم إلى أقلية تتناقص من سنة إلى أخرى.لقد اقتصرت عمليات الضم في البداية على بعض المناطق المعنية في الضفة الغربية، لكن نظرا إلى حجم الأراضي وعدد السكان فقد أدركت إسرائيل أنه لم يعد يمكنها اتباع نفس التكتيك في ضم الأراضي من دون تقويض مساعيها للحفاظ على الأغلبية اليهودية على حساب السكان الفلسطينيين. عمدت إسرائيل من خلال اتفاقيات أوسلو الكارثية إلى تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق «أ»، «ب» و«ج» وهو ما أعطى للدولة العبرية شريان الحياة الذي كانت تبحث عنه ومكنها من زيادة أنشطتها الاستيطانية في المنطقة «ج» والتي تمثل قرابة 60% من أراضي الضفة الغربية المحتلة، من دون أن تقلق بعد اليوم على الخلل الديمغرافي مع الفلسطينيين.يجب التنويه هنا إلى أن المنطقة «ج» هي التي تنوي الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو تحويلها إلى ساحة لتنفيذ خطة الضم، وهي منطقة مثالية للاستمرار في تنفيذ وتوسيع نطاق المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي والاستيلاء بالتالي على أفضل الأراضي الفلسطينية الخصبة والغنية بالموارد مع عدد قليل نسبيا من السكان. لم يعد يهم ما إذا كان سيتم تحديد تاريخ للشروع في عملية الضم أو ما إذا كانت هذه العملية ستتم بشكل تدريجي وتراكمي من خلال التصريحات التي يتحدث فيها المسؤولون في حكومة بنيامين نتنياهو عن فرض السيادة مستقبلا على أجزاء صغيرة من أراضي الضفة الغربية. في الحقيقة، إن عمليات الضم ليست جديدة على الأجندة السياسية الجديدة والتي تمليها التطورات السياسية في تل أبيب وواشنطن. فقد كانت استراتيجية ضم الأراضي الفلسطينية منذ البداية هدفا جوهريا من الأهداف الاستعمارية الإسرائيلية.نادرا ما كانت إسرائيل تتصرف منذ قيامهما سنة 1948 باعتبارها قوة احتلال في نظر القانون الدولي. لقد ظلت تتصرف على العكس من ذاك ككيان ذي سيادة في دولة تكرس التمييز والفصل العنصري، بل تضفي «الشرعية» على هذا الواقع. ‭{‬ صحفي ومسؤول تحرير «دفاتر فلسطينية»، في رصيده خمسة كتب آخرها بعنوان «هذه السلاسل ستكسر: قصص النضال الفلسطيني». كومنز

مشاركة :