شيخة الجابري تكتب: مُتغيرات ومسؤوليات

  • 6/24/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بين تواصل بارد وتفاعل جاف، يسير حال البشر في أيامنا هذه، دوماً يقولون الزمن تغير، ونقول كما قال أبوبكر سالم رحمه الله «الزمن ما تغير بس أهل الزمن متغيرين، رحمتك يا معين»، أصبحت الحياة جافة تسير نحو اليباس العاطفي إلاّ ما ندر، في تلك البيوت التي اعتادت أبوابها ألاّ تُغلق في وجوه زائريها وتظل مشرعة على الحب الذي آمنت به ورسّخته في قلوب أفرادها صغاراً وكباراً. نحن نعيش زمن التواصل الهش، والقلوب التي تكاد عاطفتها أن تتجمد، القلوب التي تشتاقك لا تركض عند بابك، وتدلف إلى داخل منزلك، وإنما تبعث لك برسالة لا روح فيها على الهاتف تقول «تولهنا، أو اشتقنا، أو وحشتونا» أو تأتيك عدة كلمات أجنبية تنبئ عن الشوق العظيم الذي تكاد لا تُصدقه لفرط الجفاء بين البشر، الذين أصبحت حياتهم لا تستقيم دون هواتفهم، أو أجهزتهم المحمولة المهيأة للتواصل معك، بدلاً من أين يحثوا خطواتهم إليك. إن العلاقات الإنسانية النبيلة الطبيعية لا تستقيم إلا بالتواصل المباشر، حتى وإن حاصرتنا التكنولوجيا الحديثة، والتصق بها بعضنا لحد المرض، ونسيَ أن عليه واجباً إنسانياً ومجتمعياً يُحتّم زرع القيم والأخلاق في الأبناء وليس غرس الأجهزة التقنية في كل مكان، كان الجار يصل جاره ولا يقطعه، اليوم الجار لا يقف عند باب جاره إلاّ في مناسبة ما، فقد اكتفى برسالة «واتسابية» عقيمة وبليدة تسأل عن الحال، ولا تُغني عن السؤال الصادق. إن هذه المسألة تتعدى زمننا هذا بكثير، فهي تفتح بوابة الأسئلة على التصورات والتوقعات والاستشراف المستقبلي حول الحياة الجديدة المُنتظرة، لأجيال ستأتي يعيش معظمها هذا الزمان وطبائع أهله، فهم سيكونون الآباء والأمهات الذين تمت تنشئة بعضهم على الفردانية والأنانية والنسوية والذكورية، وكثير من المصطلحات التي تأكل الأعمار والأخلاق وسوف يحملها الجيل الجديد معه شئنا أم أبينا، فنحن الذين وضعناهم في هذا المأزق الإنساني الصعب، وعنق الزجاجة الخانق. لذا فإن من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق المؤسسات التي تُعنى بالتنمية الاجتماعية والأسرية في هذا الوقت، القيام بدراسات علمية واقعية ورصينة تعتمد على الأساليب العلمية الحديثة وليس العشوائية التي تلتقط فيها بعض الأفراد عند بوابات المطاعم والسينما ودكاكين الحارات، وذلك من أجل دراسة واقع العلاقات الإنسانية والتنشئة الاجتماعية ومخاطر التفكك القيمي، والعزلة الإنسانية وتأثيرها على الأبناء في المستقبل. كما أن على وسائل الإعلام بقنواتها المختلفة إعداد خطة إعلامية استراتيجية اجتماعية ترصد متغيرات المجتمع وتقدّم البرامج الجادة التي تحترم عقلية المشاهد وتسهم في مناقشة قضاياه بوعي ومنهجية واتزان، هكذا يمكن تحريك الساكن، وإحداث التغيير للأفضل.

مشاركة :