قام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية، التقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي. وجرى البحث في طيف عريض من الملفات الثنائية والإقليمية. في العقد الثامن، شهدت السياسة الأميركية أحد أكبر منعطفاتها التاريخية في الشرق الأوسط، على وقع سلسلة من التطوّرات الإقليمية الكبرى، والعالمية أيضاً. وكانت منطقة الخليج في طليعة المعنيين بذلك وعلى مدى سبعة عقود، تطوّرت العلاقات الأميركية - السعودية، وأخذت صيغاً وأشكالاً لم تبلغهما الكثير من التجارب الأخرى. وهذا يعود، بالدرجة الأولى، إلى متانة المقومات التي نشأتا عليها. إن الكثير من الباحثين في الولايات المتحدة قد كتبوا عن التحوّلات العميقة التي مرت بها العلاقات الأميركية - السعودية، وعن محطاتها الأساسية. وعلى الرغم من تفاوت مقاربات الباحثين، تبعاً لتباين المناهج، والسياقات الأيديولوجية، إلا انه يصعب العثور على رأي يشكك في صلابة الركائز والمقومات التي تنهض عليها هذه العلاقات، أو يقلل من مكانتها في الجيوبوليتيك الدولي للولايات المتحدة. كذلك، فإن فلسفة التحوّلات تنبع أساساً من سنة العمل الدولي، سواء في سياقاته الثنائية أو الإقليمية أو ما هو أوسع من ذلك. إن التحوّل ليس مصطلحاً رديفاً للأزمة أو المشكلة، بل هو من ضرورات التطوّر. ومن دونه يحدث الجمود والتقوقع. وربما كتب الكثير عن مسار التحول (أو التحوّلات) في العلاقات الأميركية - السعودية، وخُصصت كتب كلاسيكية وعامة لهذا الغرض، إلا أن التركيز ظل منصباً، منذ سنوات، على "المنعطف" الذي شهدته هذه العلاقات بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. كان هناك منعطف بالمعنى التاريخي، إلا أنه لم ينل من أصل الأسس التي تنهض عليها هذه العلاقات. الذي حدث هو إعادة تعريف للسياق الأيديولوجي العام الذي تتحرك في إطاره العلاقات الأميركية - العربية عامة. وإعادة التعريف هذه لم تعبر عن موقف أميركي رسمي، بل عن مناخ ثقافي في داخل الولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك بعض التداعيات على السياسة الأميركية في عموم المنطقة. وفي هذا الإطار، جاءت حرب أفغانستان، والغزو الأميركي للعراق، وتصدر أجندة محاربة الإرهاب لعلاقات الولايات المتحدة بغالبية الدول العربية. لم يكن من المفيد عدم الاعتراف بأن هناك تحوّلا قد طرأ على مقاربة الولايات المتحدة لأمنها القومي، واستتباعاً خياراتها في الساحة الدولية. ولم يكن من المفيد أيضاً القول بأنه لا صلة بين السياسة الدولية وبين الأيديولوجيات الخاصة على مستوى مناطق العالم المختلفة. هذه القضية، كان لها تجلياتها الكثيرة على السياسة الأميركية وارتباطاتها الثنائية والمتعددة، بما في ذلك روابطها بأقرب حلفائها الأوروبيين. وبالنسبة للعلاقات الأميركية - السعودية، كان من الواضح منذ البدء أن مقومها الجيوسياسي لن يتأثر بهذا المنعطف، وإن شهد فضاؤها العام نمطاً مستجداً من الأولويات التي بدت ملحة أو ضاغطة في المقاربة العامة. وبعد أكثر من عقد، بدت هذه المقولة صحيحة، بل ليس هناك من يجادل فيها. بعد ذلك، فإن العلاقات الأميركية - السعودية لا بد من قراءتها في سياق التحولات الجيوسياسية، سيما الكبيرة والمؤثرة. إن العلاقات الأميركية - السعودية قد تطوّرت في سياق مقاربة إقليمية للخيارات المشتركة، أو لنقل في ضوء معطيات الساحة الإقليمية، وفضائها الدولي. لقد تطوّرت هذه العلاقات منذ عهد الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت. ويمكن ملاحظة أن أول التزام أميركي فعلي بالخليج وعموم الشرق الأوسط قد بدأ مع مبدأ ترومان، حيث أعلن الرئيس هاري ترومان في ربيع العام 1947 عن مجموعة خطوات هدفت لمواجهة الضغوط السوفياتية. وربما يُمكن القول الآن إن عقد الستينيات من القرن العشرين كان العقد الذي تبلوّرت فيه الكثير من صور العلاقات الأميركية - السعودية. أما العقد السابع من القرن العشرين فكان عقد الذروة، على الصعيدين السياسي والعسكري، فضلاً عن مسارات الطاقة والسياقات المدنية العامة. في العقد الثامن، شهدت السياسة الأميركية أحد أكبر منعطفاتها التاريخية في الشرق الأوسط، على وقع سلسلة من التطوّرات الإقليمية الكبرى، والعالمية أيضاً. وكانت منطقة الخليج في طليعة المعنيين بذلك. لقد كانت الحرب العراقية - الإيرانية عاملَ دفع للتقارب الأميركي - الخليجي، وكذلك الغزو السوفياتي لأفغانستان (نهاية عام 1979). الحرب العراقية - الإيرانية انتهت بعد ثمانية أعوام، وكان أحد تداعياتها الكبرى إعادة العراق توجيه جيشه نحو الحدود، ولكن جنوباً هذه المرة، ليغزو الكويت. في هذا التطوّر، حدث تحوّل كبير في مسار العلاقات الأميركية مع كافة دول المنطقة، وفي المقدمة السعودية، حيث أعادت حرب الخليج الثانية رسم الكثير من الخيارات. وفي الأصل، ترتبط الولايات المتحدة باتفاقيات دفاعية ثنائية مع الدول العربية في الخليج، يعود بعضها إلى العام 1945. وقد تطوّرت هذه الاتفاقيات اعتباراً من عام 1980، مع إعلان مبدأ كارتر، ثم دخلت طوراً جديداً بعد حرب الخليج الثانية عام 1991. لقد جرى منذ ذلك الحين ما يُمكن اعتباره إعادة بناء لعلاقة الولايات المتحدة بدول المنطقة، لتبدو على الصورة التي رست عليها الآن. وإثر الغزو الأميركي للعراق، بدت العلاقات الأميركية - الخليجية وقد اتجهت نحو إعادة تعريف جزئي لبعض فضاءاتها، بما في ذلك فضاؤها الأمني. وبعد الانسحاب من العراق، بدا للمخططين الاستراتيجيين في البنتاغون أنه لا بديل عن العودة للارتكاز إلى الوجود العسكري الأميركي في الخليج. وتوجد في المنطقة منذ العام 2001، ما يُعرف "بالقوة البحرية المدمجة – 150" (CTF-150 )، وهي تضم سفناً متعددة الجنسيات، من تحالفٍ أقيم على خلفية الحرب في أفغانستان. ولدى هذه القوة قاعدة في جيبوتي. وتساهم فيها عشرون دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا والدنمرك وفرنسا وألمانيا وباكستان. وقد هدفت القوة لحماية الأمن البحري في بحر العرب، وامتداداته الشرقية باتجاه الهند. واعتباراً من آب/ أغسطس عام 2008، بدأت هذه القوة في تكثيف عملياتها المرتبطة بمكافحة القرصنة. وأنشأت منطقة خاصة لتسيير دوريات بحرية وجوية لهذا الغرض. وهذا، إضافة إلى مهامها المرتبطة بمكافحة الجريمة المنظمة، وتهريب الأسلحة والمخدرات. وفي الثامن من كانون الثاني/ يناير 2009، أوضح بيان للبحرية الأميركية بأنه تم إنشاء قوة جديدة (إطار جديد) من قبل "القوة البحرية المدمجة - 150". أطلق عليها اسم (ITF-150). وقاد إنشاء القوة الجديدة إلى تقسيم العمل بينها وبين (CTF - 150)، حيث تقرر أن تتفرغ الأولى لمهام مكافحة القرصنة البحرية، والثانية لبقية المهام. وتعتبر دول الخليج شريكة للولايات المتحدة في قضايا الأمن البحري، وهناك اتفاقيات خاصة بهذا الشأن. وهناك، أيضاً، حوار أمني خليجي - أميركي مشترك، يُعرف بمبادرة "حوار أمن الخليج" (GSD)، وقد أصبح هذا الحوار آلية التنسيق الأمني الرئيسية بين الولايات المتحدة وأقطار مجلس التعاون الخليجي. وهو يهدف إلى توفير إطار عمل للعلاقات الأميركية - الخليجية في ستة مجالات، هي: تحسين القدرات الدفاعية لدول الخليج، وقضايا الأمن الإقليمي (كالنزاع العربي – الإسرائيلي، وبرنامج إيران النووي)، ومكافحة انتشار الأسلحة النووية، والتصدي للإرهاب العابر للدول، وتعزيز الأمن الوطني، وحماية البنية التحتية الحيوية. وتتم في إطار هذا الحوار لقاءات ثنائية سنوية، تُعقَد بالتناوب في كل من واشنطن والعواصم الخليجية. ومن القضايا الأساسية الراهنة التي تطرحها الولايات المتحدة إقامة درع صاروخي في الخليج، وهو برنامج أميركي سوف تشرف على تنفيذه القيادة المركزية الأميركية. وهذه القضية بالذات قد جرى طرحها في أجواء قمة كامب ديفيد، التي جمعت الرئيس أوباما، بالقادة الخليجيين في أيار/ مايو 2015، وهي لا تزال قائمة، وموضع بحث راهن. وفي الأصل، كانت الإدارة الأميركية قد طرحت هذا المشروع في سياق جهودها التي بدأت منذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين لوضع خمسة برامج دفاعية مضادة للصواريخ، كجزء من مشروع دفاع استراتيجي، طرح حينها في الولايات المتحدة، وهدف لإقامة نظم إقليمية للدفاع ضد الصواريخ في خمس مناطق من العالم، رأت واشنطن بأن لها مصالح حيوية فيها. وقد كانت منطقة الخليج واحدة منها. وعلى الصعيد الخليجي، على وجه التحديد، تحتفظ الولايات المتحدة بطرادات مدرعة، تقوم بدوريات على مدار الساعة في سواحل الخليج. وهي مجهزة بأنظمة رادار وصواريخ اعتراضية، مصممة لمواجهة الصواريخ متوسطة المدى. وما يُمكن قوله ختاماً هو أن السياسة الأميركية في الخليج تشهد الآن إعادة بناء لجملة من مقارباتها، سيما الدفاعية منها، وإن ذلك مازال يصب في إطار تطوير علاقات الولايات المتحدة بدول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. abduljaleel.almarhoon@gmail.com
مشاركة :