رؤية في علاقة الصين بالشرق الأوسط - عبد الجليل زيد المرهون

  • 1/22/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ذات يوم، كان لي حوار في بكين، وكان من المشاركين فيه عدد من السيدات الصينيات. وقد تحدثن عن تجربة المرأة الصينية. ومما قلن لي إنه على الرغم مما قد تراه من انفتاح ظاهر على مستوى الحياة الاجتماعية، فإن المرأة الصينية ما زالت تحمل على المستوى الشخصي بعضاً من أوجه تحديات المرأة في الشرق الأوسط في كانون الثاني/ يناير 2016، قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بزيارة للمنطقة، شملت كلا من السعودية وإيران ومصر. ووضع الصينيون هذه الزيارة في سياق مواكبتهم للظروف التاريخية الحساسة التي تمر بها المنطقة، وحرصهم على تأكيد دورهم فيها، على النحو الذي يخدم الأمن الإقليمي والسلم الدولي، ويعزز من مستوى الروابط الثنائية مع دولها. وفي زيارة قمت بها للصين، بدعوة كريمة من وزارة الخارجية الصينية، وجدت لدى المسؤولين والباحثين الصينيين اهتماماً كبيراً بالشرق الأوسط، وحرصاً على مواكبة التطوّرات الجارية فيه، والعمل مع دوله على تسوية قضاياه العالقة. وذات يوم، قال لي أحد السفراء الصينيين في المنطقة إنه على الرغم من التطوّر الحاصل في العلاقات التجارية الصينية - العربية، فإن هذه العلاقات لا ترتقى ومستوى الوفاق السياسي القائم، وهي لا تعبر عن الطموحات السائدة. واضافة للمداولات السياسية الطويلة حول الشرق الأوسط، التي خضت فيها خلال زيارتي للصين، اصطحبني الصينيون إلى عدد من مصانع التكنولوجيا العالية، وعدد من الأسواق الكبيرة في بكين وشنغهاي والغرب الصيني، وكانوا يشيرون لي خلال ذلك إلى فرص التعاون الاقتصادي، والاستثمار المشترك، مع دول الشرق الأوسط، ويؤكدون أن ما هو قائم مازال دون الطموح بكثير. وبالنسبة للدول العربية، على وجه خاص، ثمة مستوى من التبادل التجاري ما زال محدوداً قياساً بذلك الحاصل مع العديد من الدول الآسيوية. وهذا بالطبع دون الحديث عن ذلك القائم مع أوروبا والولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وأقطار مجلس التعاون الخليجي مجتمعة نحو 175.25 مليار دولار في العام 2014. وقُدّرت صادرات دول المجلس إلى الصين بنحو 110 مليارات دولار، والواردات ب 70 ملياراً. ومن ناحيته، يدر التبادل التجاري بين الصين والعراق حوالي 30 مليار دولار سنوياً، وبينها وبين إيران في حدود 52 مليار دولار. وقد قال لي الصينيون إن حضورهم في غالبية دول الخليج مازال حديثاً نسبياً. وربما يمثل العراق حالة خاصة، نظراً لتجربة التفاعلات الثنائية في سياقها التاريخي الحديث. وعلى النقيض من ذلك، فإن التجربة الصينية مع الدول العربية المتوسطية لها مسار تاريخي طويل. وقد عرفني الصينيون على عدد من الطلبة العرب، وجدت جلهم من المغرب العربي. وهم يدرسون في جامعات حكومية بمنح صينية رسمية. ولم تكن الجامعات الخاصة في الصين رائجة في ذلك الوقت. وقال لي الصينيون إنهم يتطلعون للحضور في كافة دول المنطقة، على الرغم من قلة خبرتهم التاريخية في عدد منها. وإن ذلك يُمكن أن يشمل كافة المسارات. وفي الخليج العربي، تعد السعودية حالياً إحدى ساحات الحضور الصيني النشط. ويشمل التعاون الصيني - السعودي النفط، والمؤسسات المشتركة التمويل في الصين، والتنقيب عن الغاز الطبيعي والعقود الهندسية الصينية في السعودية. وتتواجد أيضاً في السعودية العديد من الشركات الاستثمارية الصينية، كما يقيم عدد من رجال الأعمال السعوديين، وشركتا أرامكو وسابك، استثمارات ومصانع في الصين. وبالنسبة للصينيين، فإن العلاقة بمنطقة الخليج، لها من المضامين والأبعاد ما يتجاوز طابعها التجاري، ليرتبط بحسابات المكانة والدور الدولي الذي تسعى إليه بلادهم، بما ينسجم وقوتها الاقتصادية المتعاظمة. وفي الأصل، ارتبط التطلّع الصيني الدولي، في جزء رئيسي منه، باعتبارات الطاقة النفطية. وتمتلك الصين احتياطيا نفطيا قدره 15,55 مليار برميل، فيما يبلغ احتياطي الغاز الطبيعي لديها 2,46 تريليون متر مكعب. وقد قال لي عدد من الباحثين الصينيين إن بلادهم لا تريد تكرار التجربة الأوروبية في الخليج، وإن علاقتهم بدول المنطقة يجب أن تكون علاقة بائع ومشتر، بل تفاعل مشترك متعدد المسارات. وقد سمعت مضمون هذه الفكرة أيضاً خلال لقائي مع بعض الصحفيين والكتاب في مبنى جريدة الشعب الصينية. وفي مبنى وزارة الخارجية، كان لي لقاء سياسي طويل، دار حول رؤية الصين للنظام الدولي، وتصوّرها للعلاقة مع الغرب، وكذلك العالم الثالث، بما فيه دول الشرق الأوسط. وقال لي الصينيون إن كثيراً من نزاعات الشرق الاوسط قابلة للتسوية والحل السياسي، وإن الصين تأمل أن تتمكن يوماً من التأثير الدبلوماسي في مسار الأحداث، على نحو يخدم أمن المنطقة وشعوبها. وضرب الصينيون بعض الأمثلة على هذه النزاعات، واستغربوا من استمرارها وتفاقمها، في حين أن حلولها سهلة وممكنة. وقبيل زيارة الرئيس جين بينغ للخليج، أصدرت بكين، في الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير 2016، وثيقة مبادئ للعلاقات الصينية - العربية، هي الأولى من نوعها في تاريخ روابط الصين بالمنطقة. وعندما قرأت هذه الوثيقة، على أحد المواقع الصينية، وجدت فيها الكثير من أوجه الشبه مع النقاشات التي دارت بيني وبين الباحثين الصينيين في بكين وشنغهاي. وهي تشير إلى تحوّل في كيفية مقاربة الصين لقضايا المنطقة. وهذا التحوّل ليس في الفكر بل في المنهج. ومن بين قضايا عديدة دعت الوثيقة إلى تطبيق مفهوم الأمن المشترك، والشامل والتعاوني والمستدام في الشرق الأوسط، ودعم قيام الدول العربية وسائر دول المنطقة "ببناء آلية الأمن الإقليمية، التي تقوم على التعاون الجماعي وتتسم بالتشارك والتقاسم، بما يحقق الأمن والأمان الدائمين والازدهار والتنمية". كذلك، دعت الوثيقة إلى تعاون وانفتاح اقتصادي متبادل مع الدول العربية، بما يعود بالنفع المشترك على الجانبين. وعندما ذهبت إلى الصين، كانت فكرة الانفتاح وفلسفته تهيمن على نقاشات الساسة والباحثين الصينيين. وقد قلت للصينيين، في أحد اللقاءات، إنني على اطلاع على تجربة ماو تسي تونغ، بحكم عملي وتجربتي المهنية، ولكن ماذا عن دينغ شياو بينغ وتجربته المثيرة؟ كان الجواب أن شياو بينغ هو الأب الروحي للانفتاح وهو مؤسسه ورائده. قلت لهم: وهل شنغهاي نموذج صيني لسنغافورة؟ قالوا: من الظلم أن تقارن شنغهاي بسنغافورة. غداً صباحاً سوف نذهب سوية إلى مسؤول في بلدية شنغهاي، وسوف يحدثك بنفسه عن هذه التجربة. ذهبنا في الموعد المحدد، وكان لنا حديث امتد لساعات، ولم يقطعه سوى موعد الغداء. الخلاصة هي أن شنغهاي قصة مختلفة. وإن الانفتاح فلسفة فكرية قبل أن يكون ممارسة اقتصادية أو سياسية. وأن شنغهاي النموذج الأبرز لعصر الانفتاح الصيني لكنها ليست نموذجه الوحيد. وخلال الحديث عن شنغهاي تكرر كثيراً ذكر الشرق الأوسط، وخيارات الصين فيه. وبالمناسبة، فإن شنغهاي تضم أكثر من ثلاثين مليون نسمة، وبعض أحيائها عبارة عن عمارات شاهقة لا تفصل بينها سوى شوارع عرضها أمتار. كذلك، يُمكن ملاحظة أن الانفتاح الاقتصادي الذي بدأته الصين منذ أواخر السبعينيات قد فرض مجموعة من التحولات القيمية والمعيارية في الحياة الاجتماعية الصينية لم يكن بالمقدور تصوّرها قبل بضع سنوات. والصين مجتمع متعدد ثقافياً، رغم أنه يتكون في غالبيته العظمى من قومية الهان. وتمثل البوذية الأغلبية، وهناك مسيحيون ومسلمون. وقد التقيت خلال زيارتي بإمام أحد الجوامع الكبيرة في الصين، وقد حدثني عن التعايش الإسلامي مع الثقافات المختلفة، وشرح لي بكثير من الاسهاب تجربة المسلمين هناك، وخاصة في ظل عصر الانفتاح، الذي أطلقه الزعيم دينغ شياو بينغ. وذات يوم، كان لي حوار في بكين، وكان من المشاركين فيه عدد من السيدات الصينيات. وقد تحدثن عن تجربة المرأة الصينية. ومما قلن لي إنه على الرغم مما قد تراه من انفتاح ظاهر على مستوى الحياة الاجتماعية، فإن المرأة الصينية ما زالت تحمل على المستوى الشخصي بعضاً من أوجه تحديات المرأة في الشرق الأوسط. وبالطبع، فإن المرأة الصينية قطعت أشواطاً كبيرة على مستوى دورها في الحياة العامة، وهناك نساء أخذن مواقع كبيرة في القوات المسلحة الصينية، سبقن نظيراتهن في روسيا والهند وعدد من الدول الأوروبية. وعلى الرغم من ذلك، فإن قضايا المرأة الشرقية تبقى متقاربة في سياقها المعياري العام. أو لنقل في ثقل التاريخ الواقع على كاهلها. وأياً يكن الأمر، فنحن هنا في الشرق الأوسط بحاجة إلى مزيد من الانفتاح على التجربة الصينية، وإن زيارة الرئيس جين بينغ للمنطقة تمثل مناسبة لتأكيد روابطنا وتفاعلاتنا مع الصين، والإفادة من خبراتها. abduljaleel.almarhoon@gmail.com

مشاركة :