بعد عرضه في مهرجاني دبي والأقصر، ورفضه رقابياً في مهرجان مسقط وبالتالي منع عرضه في عمان «لاحتوائه على مشاهد غير لائقة» - وفق كثير من التصريحات - فتحت دور العرض المصرية أبوابها أخيراً لفيلم محمد خان الجديد «قبل زحمة الصيف»، مصحوباً بلافتة «للكبار فقط» والذي سبقته ضجة تتعلق بملابس بطلته هنا شيحة وبسبب مشهدين فيهما قبلات غير مثيرة. فلا تزال تبعات تيار «السينما النظيفة» مترسخة في أذهان بعض الممثلات لتجعلهن يرفضن أدواراً بها أي لقطات «جريئة» حتى ولو كانت تخدم العمل الدرامي، خوفاً من انتقاد الجمهور، وذلك رغم أن تاريخ السينما المصرية حافل بمشاهد الحب والإغراء والقبلات لنجمات ارتدين الملابس الخفيفة والشفافة أو المايوهات ضمن أفلام تُعد من أهم أفلام السينما المصرية والعربية، وفي مقدمتهن هند رستم وسعاد حسني وفاتن حمامة ومديحة كامل وهدى سلطان وشادية وأخريات. في «قبل زحمة الصيف» الذي حُقّق عن فكرة وإخراج لمحمد خان، وكتبت له السيناريو غادة شهبندر في أولى تجاربها، وشاركتها نورا الشيخ في كتابة الحوار، تدور الأحداث على مدار خمسة أيام متتالية إلى جانب مشهد ختامي بعدها ربما بنحو شهرين. من خلال الحبكة - التي تخلو من البناء التقليدي حيث البداية والذروة والنهاية - تبدو التيمة الرئيسية للفيلم الرغبات المكبوتة، والأمنيات غير المتحققة، والتي نتعرف إليها من خلال التلصص. هاربون من المدينة أبطال العمل الأربعة هاربون من المدينة، كل لسبب خاص، وتجمعهم إحدى قرى الساحل الشمالي وهي لا تزال خالية من المصيفين؛ فهناك جمعة، الشاب الصعيدي الفقير - يلعب دوره أحمد داود – لكنه مفعم بالنشاط، يتحرك هنا وهناك، ويقوم بخدمة المقيمين الثلاثة بتفان شديد على أمل أن ينال إعجاب أحدهم فيجد له وظيفة أو عملاً. أما الدكتور يحيى فطبيب هارب من ملاحقة قضائية للمستشفى التي يملكها بسبب الإهمال (يقوم بدوره ماجد الكدواني) ولا يفعل شيئاً سوى متابعة أخبار القضية في الصحف ومراقبة جارته رغم وجود زوجته الدكتورة ماجدة (تلعب دورها لانا مشتاق) التي ورثت عن والدها نصيبه في القرية والمستشفى، أما هالة سري (هنا شيحة) فمترجمة مطلقة في نهاية الثلاثينيات من طبقة اجتماعية راقية ولديها أطفال في سن المراهقة، قررت أن تهرب من ضغوط حياتها اليومية إلى الساحل الشمالي خلسة من وراء عائلتها وتحاول مراراً أن تقنع عشيقها - الممثل الذي يلعب أدواراً ثانوية في الأفلام - بالمجيء إليها عدة أيام لتروي رغباتها، لكن اللافت أنه إلى جانب أنه ممثل فاشل ولم يحقق أي شيء رغم أنه في منتصف الأربعينيات فهو أيضاً كائن ثقيل الظل ويفتقد لأي جاذبية ويجعل المتلقي يتساءل في دهشة لماذا وقعت هذه الجميلة في حُب هذا الأخرق، خصوصاً بعد أن تشاجرا وظلت تلاحقه «كأن العالم صار خاوياً من جنس الرجال؟» أو كأنها ليس لديها كرامة بعكس تصرفاتها في مشاهد أخرى مع الدكتورة ماجدة. من المفترض أن المتلقي يتابع أغلب مشاهد الفيلم من خلال التلصص –لأن هناك لقطات لا نعرف على وجه الدقة هي مأخوذة مِنْ وجهة نظر مَنْ؟ مثلما يحدث في لقطة للفتاة بالشورت القصير المتجهة إلى بائع السمك، فالكاميرا تركز على حركة ردفيها بينما الدكتور يحيى العاشق للنساء يتأملها من الأمام. هنا الجميع يتلصص ويسرق، بدءاً من يحيى الذي يتابع بمنظاره المُكبر تحركات وجسد جارته الجميلة، بينما زوجته تراقبه وتتلصص عليه وتسرق النوتلا ليلاً من الثلاجة وسجائره أثناء نومه. أما جمعة فيتلصص على الجميع ويسرق سجائر هالة ويأكل بنهم من فواكهها ويخـــتبر الفودكا في مشهد يُؤكد أن يستبيح ذلك مثلما يستبيح جسدها لنفسه في خياله، فإن حاول التقرب لا يخطو للأمام ويظل يكرر تصرفاته. وحتى هالة الجميلة التي يتلصص عليها الجميع، هي أيضاً تتلصص على الشاب الأجنبي وحبيبته أثناء عناقهما على الشاطئ، وعلى هاتف عشيقها، وتسرق الوقت المخصص لقضائه مع أولادها وتمارس قهرها عليهم. الأبطال الأربعة لديهم رغبات، وأمنيات، لكنّ كلاً منهم يبدو وكأنه ثابت في مكانه، لا يمتلك الجرأة للتقدم خطوة لتطوير الفعل الدرامي. الجميع يُكرر أفعاله، ونظراته ولا يجيد سوى الثرثرة من دون طائل. المفترض أن للرغبات قانوناً يُحرك البشر ويجعلهم يتجاوزون الخطوط الحمر وإن سراً، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، لكن كاتبة السيناريو أو صناع العمل قرروا الاكتفاء بالمقدمات، أو ربما لم تنتابهم شجاعة الغوص في العمق لمناقشة المواضيع كما يليق بها ليستخرجوا الجواهر المخبأة خلف الجدران، أو تحت الركام. بدلاً من اللوم أما الخطأ الأكبر للسيناريو – إلى جانب التكرار وعدم تطور الشخصيات - أنه بدلاً من أن يجعلنا ننفر من بعض الشخصيات ونلومها، خصوصاً في ما يتعلق بفسادها المهني واستغلالها لجسد وممتلكات المرأة، فهم رجال انتهازيون يصعدون على أكتاف النساء، وبأموال النساء، سواء الممثل نصف الموهوب ثقيل الظل أو الدكتور يحيى، يجعلنا السيناريو نتعاطف مع الأخير على الأقل. بل إن الفيلم في بعض وجوهه يتخذ موقفاً مناهضاً ضد المرأة، فإحدى نساء الفيلم تركت أولادها من أجل نزواتها وإشباع رغباتها، وهي امرأة كاذبة أيضاً. والثانية تحاول السيطرة على زوجها وتذكره بأن بأموال والدها أنقذته ورفعته لأعلى. من دون شك أن شخصية الدكتور يحيى هي الأهم والأقوى والتي يصعب نسيانها مهما طال الزمن – أساساً لقوة ومهارة أداء ماجد الكدواني التلقائي العفوي والبسيط- مع ذلك يبقى هناك خطأ درامي يخص ما نراه وما لا نراه بصرياً، فعندما يرسم الكاتب تفاصيل شخصية شريرة أو فاسدة ولا نرى منها سوى الدماثة وخفة الظل، والتعامل برقة وابتسامة عذبة فسيتبخر أي أثر عن الأشياء السلبية التي رددها الآخرون عنه. فالمتلقي سينسى أي كلمات عن موضوع الملاحقة القضائية وفساده وتوظيف أطباء بأجور زهيدة مما يسبب مشاكل طبية جسيمة، وسيظل يتذكر فقط مشاهده البصرية مع هنا شيحا وشراء السمك وطهوه بسعادة وخفة ظله على العشاء، وحتى ذلك الملف الخاص بالموديلات شبه العاريات الجميلات على سطح مكتبه لن يُقلل من الإعجاب بشخصيته، لسبب بسيط أنها لم تكن ملفات خارجة عن اللياقة أو مُسفّة، إنما مجرد صور لنساء جميلات وبها لقطات شديد الطرافة. أما أهم مشهد له عندما تُوقظه زوجته بعنف بعد اكتشافها مقتل الببغاء وتطرده خارج الشاليه بقسوة فيبكي فيه مثل الأطفال ويعدها بأن يتغير في مشهد مؤثر يجعلنا نتعاطف معه رغم أي شيء تقوله الزوجة عن انتهازيته. بالطبع في الفيلم تصوير جميل وحركة كاميرا انسيابية وتنقل بين المشاهد بمهارة وسلاسة وتوظيف جيد للموسيقى والمؤثرات السمعية، لكن كل هذا لم يبد وحده قادراً على إنقاذ سطحية السيناريو. فيلم بسيط يقترب من قضايا الواقع
مشاركة :