والرئيسان الحالي بايدن، والسابق ترامب، يدلفان إلى حلبة المناظرة تذكرت دخول الملاكمين من ذوي الوزن الثقيل إلى حلبة المنازلة، وهناك فارق، فالملاكمان اللذان يمكن أن يقتل أحدهما الآخر يتصافحان بروح رياضية قبل البدء، بينما لم تسمح الروح السياسية للمتناظرين مصافحة بعضهما البعض. بدت السياسة أعنف بكثير من الملاكمة، والروح الرياضية أياً كان مستوى عنف اللعبة أرحم من الروح السياسية. في الملاكمة ننتظر الضربة القاضية حيث تصل المتعة ذروتها، ويخرج أحد المتحاربين بطلاً، في المناظرات الرئاسية نترقب العبارات والجمل القاضية لنقيّم في نهايتها من الذي استطاع أن يثخن في سمعة خصمه أكثر. التعليقات، وتحديداً على شبكات التواصل الاجتماعي، تشخص المناظرة على أنها بين رئيس مريض وآخر سيئ، وأن ضعف بايدن أعطى ترامب الأفضلية لترويج ما يعتقده صواباً، ويراه غيره تدليساً، دون أن يجد منافساً يضعه في حجمه الطبيعي. على أية حال خرج الجمهوريون في غاية النشوة، وخرج الديمقراطيون يجرون ذيول الخيبة، فهل كانوا بحاجة إلى المناظرة ليتيقنوا أن من أمهله القدر لن يمهله العمر؟ أم أنهم كانوا يخططون لكسر صلف الرئيس بايدن واعتداده بنفسه لإقناعه بإفساح الطريق لمرشح ديمقراطي آخر يمكنه هزيمة ترامب. أيا كانت خيارات الديمقراطيين بعد المناظرة فلا مناص من حدوث فوضى عارمة داخل الحزب، إذ إن مواصلة الرئيس بايدن السباق الانتخابي سيعارضه عدد من أعضاء الحزب، وقد بدأ الإعلام الليبرالي حملة واسعة النطاق للتشكيك في قدرات الرئيس الصحية، وسيكون لها وقعها على الرأي العام الأمريكي. معظم وسائل الإعلام وفي مقدمتها الأمريكية وتحديداً قناة CNN التي استضافت المناظرة، ومن نيوزيلندا مروراً بالهند إلى أوروبا بدأت في بحث الخيارات في حال قرر الرئيس بايدن التنحي أو قرر الحزب استبداله. مجمل النقاشات في هذا الصدد يمكن تلخيصها في أنه إذا انسحب الرئيس بايدن قبل مؤتمر الحزب في أغسطس، فسيكون الأمر متروكاً للمندوبين في المؤتمر الديمقراطي المقبل لترشيح البديل. وهذا من شأنه أن يجعل مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو أشبه بالمؤتمرات التي انعقدت قبل عقود من الزمن، عندما كان المرشحون يستعرضون برامجهم أمام وفود كل ولاية للحصول على أصوات الناخبين، وسيكون مندوبو الولايات قادرين على التصويت لأي مرشح يرغبون فيه، في جولة أو عدة جولات، أثناء انعقاد المؤتمر لحين التوافق على مرشح رئاسي للحزب. صحيح أن حظوظ نائبته كمالا هاريس كبيرة، لكنها لن تكون المرشح الذي يهزم ترامب حسب رأي بعض الديمقراطيين، ولذلك فقد يتقدم أعضاء آخرون من الحزب الديمقراطي لمنافستها. كنت في مقالة سابقة ذكرت تنحي الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون في انتخابات عام 1968 بشكل مفاجئ، وبعد أربع سنوات من انسحابه، انسحب الديمقراطي توماس إيجلتون من منصب نائب الرئيس للمرشح الرئاسي للحزب جورج ماكغفرن، وسيطرت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي حينئذ على عملية الاستبدال، مما شكل سابقة. ويؤكد الخبراء العارفون ببواطن الأمور أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يبقيان مسيطران على خيارات الحزب حتى يوم الانتخابات. على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية شأن داخلي لأي دولة، إلا أن أمريكا حالة فريدة، فهي حكومة العالم، وتابع خاصة الناس وعامتهم على امتداد الكرة الأرضية تلك المناظرة، وكانت الدول المنافسة الأكثر اهتماماً وربما شماتة بالأمريكيين، وربما يكون ذلك حافزاً لتظهر أمريكا حيوية نظامها الديمقراطي والدستوري، وستكشف الأيام والأسابيع القادمة مآلات الأمور.
مشاركة :