تستقر الكاتبة الإماراتية فاطمة الجلاف على أرض صلبة تشغل فيها عقلها وحبرها بمعطيات واقعها، لتثبت العين على أصغر تفاصيله، في محاولة جادة لاستبطان لحظاته الحاسمة وحركة شخوصه وعلاقاتهم المتشابكة بمقومات الفضاء الاجتماعي، خيار إنساني ومنهجي انحازت إليه الجلاف منذ بداية انشغالها بنقل تجاربها الفردية وانتقالها إلى الصحافة المكتوبة، ومن ثم إلى تجربة الكتابة الروائية التي قالت عنها لاتزال التجارب والمواقف والأحداث الإنسانية تلهمني وتستحث قلمي بشكل أبحث فيه عن فعل روائي يكرس هاجسي في استقصاء الواقع وكشف مخبوءاته. حظوظ ضئيلة شغف التصوير تتحدث فاطمة الجلاف عن شغف التصوير، الذي مارسته كجزء من دراستها الجامعية قائلة انطلقت رحلتي مع التصوير بعد حصولي على درجة الامتياز من جامعة الشارقة، حينها التحقت بعدد من الورش المتخصصة وشاركت في العديد من الجوائز المحلية والدولية، أهمها جائزة الشيخ حمدان بن محمد الدولية للتصوير الفوتوغرافي في نسختها الأولى، التي وصلت فيها إلى التصفيات النهائية دون أن يحالفني الحظ في الفوز، وعما يميز رؤيتها الفنية تقول أعتقد أن تنوع الزوايا واختلافها هو أبرز ما يميز رؤيتي ويشد الناظرين إلى أعمالي، فوراء كل زاوية حكاية ووراء كل نقطة ضوء قصة ترويها هذه الصورة أو تلك. بالأرقام عن الحراك الثقافي في الدولة ومشاغل المثقفين فيه، تستشهد الجلاف بإحصاءات هيئة دبي للثقافة والفنون حول المشروعات المقدمة من الأفراد والمؤسسات، التي تشير إلى نسبة 80% في مجال الفنون البصرية، و40% في المجال الأدائي، و20% في المجال الأدبي، في الوقت الذي تتمسك فيه الجلاف بالتفاؤل والأمل في ظل اهتمام الحكومة والدولة بترسيخ القراءة في جميع المراحل الدراسية، وإطلاق الحملات والمبادرات الفاعلة في هذا المجال، بالإضافة إلى جهود دعم المؤسسات الثقافية لتجارب الكتّاب الإماراتيين في مجال النشر. تقول الجلاف تبقى القراءة للجميع والكتابة لأصحابها من ذوي الاختصاص، إذ لا يستقيم هذا النوع من الكتابة إلا إذا اكتملت فيه معادلة اللغة والأسلوب وطرق الطرح المميزة لتجارب الكاتب، في الوقت الذي تتوقف الكاتبة مطولاً للحديث عن التحديات التي تعترض التجارب الناشئة مضيفة قبل 10 سنوات، كانت الكتابة الأدبية مقتصرة على بعض الأسماء المعروفة، ما أسهم في الحد من بروز أسماء جديدة على الساحة الإبداعية المحلية في مختلف مجالات الأدب والشعر والقصة، نتيجة الشروط التعجيزية المتعلقة بخطوة النشر، لكن الظروف تغيرت اليوم وباتت الأقلام الناشئة قادرة على تجاوز هذا العائق الكبير، وعن تحدي الجودة الذي اتسمت به بعض التجارب الأدبية الجديدة تقول يظل معيار الجودة هنا نسبياً باعتبار اختلاف أفق تقبل القارئ اليوم لهذه الأعمال وطرق طرح كتابها لأنفسهم، وإن كنت ألاحظ اليوم اتجاه جيل كامل من الكتاب نحو أدب العامية الذي ثبت أنه الأسهل والأكثر شعبية. جاهزية وتأنٍّ تصف الجلاف تجربتها الأولى في زمن الهمهمات قائلة تخوفت كثيراً من فكرة الإصدار الأول، خصوصاً في البداية، حين لم أتلق أي ردود أفعال أولية بعد شهر من إصدارها، لكنها لاقت لاحقاً الصدى المرجو خصوصاً بعد مشاركتها في عدد من المعارض المحلية والدولية التي حصدت فيها إعجاب القراء وعدد من النقاد، ما أهلها بالتالي إلى تصدر قائمة الروايات الأكثر مبيعاً على مواقع وقنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بدار جميرا وبوكيد للنشر والتوزيع، وتضيف رغم الرغبة الملحة في نشر تجربتي الأدبية وعلاقتي المتينة بالكتابة، أكثر من 12 عاماً، إلا أنني لم أستعجل الإصدار الأول، واستعنت بتجارب وآراء العديد من القراء والكتّاب وأهل الاختصاص وهذا ما يشعرني اليوم ببعض الرضا، فقد تأنيت طويلاً قبل التأكد من جاهزيتي ونضج تجربتي الأدبية، في الوقت الذي يظل فيه الكاتب هنا أمام معضلة (تسويق الأعمال الأدبية الجديدة) المعتمدة أحياناً على العلاقات الشخصية للكاتب، أو على مستويات النجاعة التي تثبتها المؤسسات الثقافية ودور النشر في هذا الاتجاه. تجربة ثرية تتحدث الجلاف بفخر عن بيئة عملها التي أسهمت في دفعها نحو تجربة الكتابة، فتقول كنت أول من تعين في مجلس دبي الثقافي عام 2004، وكأن القدر شاء أن تحتضنني الثقافة والفنون وترتقي بي إلى مستويات عالية، ومع انضمام مجلس دبي الثقافي إلى هيئة دبي للثقافة والفنون في عام 2008، اشتد عودي وازداد نشاطي في مختلف حقول الثقافة ومستوياتها، كما أسهم عملي الحالي في إدارة المشروعات والفعاليات في هيئة دبي للثقافة والفنون في زيادة انخراطي في أشكال الدعم الثقافي والفني الذي تقدمه الهيئة للمشروعات الثقافية والفنية للمؤسسات والأفراد، بالإضافة إلى المساهمة في دعم وتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية في الدولة، وإعداد الدراسات والبحوث الخاصة بقطاع الثقافة والفن في دبي.
مشاركة :