التواصل المعرفي بين البشر قائم على لغة الكلام، فالكلمة قد تكون سهما قاتلا تدمر الحرث والنسل، أو تكون بلسما يسعد القلوب المنكسرة، ويدخل في ذلك لغة الجسم، مثل لغة العيون وتعابير الوجه والإيماءات المختلفة. مناسبة الحديث التطرق إلى من يهرف بما لا يعرف، بل قد يتعدى ذلك إلى إثارة العداوة والبغضاء بين الناس. فنجد البعض كثيرا ما يستأثر بالحديث عن بقية الحضور، جل حديثه عن نفسه، لا يراعي مشاعر الآخرين، ولا يأنف من مواجهتهم بما يكرهون، فتارة يُذكر الحاضرين بعيوبهم، وتارة يؤذيهم بلحن منطقه. كما تجده كثير الأسئلة، عن أمور لا تعنيه، بسؤال الناس عن أمورهم الخاصة، فهو شديد الحرص على إبداء الرأي في أي قضية، حتى وإن كانت خارج اختصاصه. الأدهى والأمر أنه لا يقدر الموقف كما يجب، فتجده في المواقف الحزينة يتصرف ببلاهة، بأن (يتظيرف) وفي الأوقات السعيدة تعلوه الكآبة والنكد، لا يقدر للناس مقاماتهم كما يجب، مثل كبير السن، والعلماء، واصحاب المكانه الاجتماعية. بل يتعدى ذلك إلى الاستخفاف بالآخرين، بكثرة ترديد الكذب والوقيعة بين الناس، باشاعة الكره والبغضاء بينهم، في حين يستخف بأقوال الآخرين بالمقاطعة، أو بعدم الاصغاء، واشعار المتحدث بعدم صحة ما يقول، حتى وإن كان صاحب اختصاص وخبرة، ومشهودا له في علمه، من القول المأثور«إياك وفضول الكلام، فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرك من عدوك ما سكن، فكلام الإنسان بيان فضله، وترجمان عقله». إن ديننا الحنيف يدلنا إلى فضل الكلمة الطيبة وأهميتها في الحياة، قال تعالى: «ألم تر كيف ضرب اللهُ مثلا كلِمة طيِبة كشجرةٍ طيِبةٍ أصلُها ثابِت وفرعُها فِي السماءِ * تُؤتِي أُكُلها كُل حِينٍ بِإِذنِ ربِها ويضرِبُ اللهُ الأمثال لِلناسِ لعلهُم يتذكرُون * ومثلُ كلِمةٍ خبِيثةٍ كشجرةٍ خبِيثةٍ اجتُثت مِن فوقِ الأرضِ ما لها مِن قرارٍ» [إبراهيم26:24]. ولأهمية حفظ اللسان بعدم الفجور في الحديث، والخوف من الله في كل ما يصدر منا، عملا بقول النبِيِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم-: «إِن العبد ليتكلمُ بِالكلِمةِ مِن رِضوانِ اللهِ لا يُلقِي لها بالا يرفعُهُ اللهُ بِها درجاتٍ، وإِن العبد ليتكلمُ بِالكلِمةِ مِن سخطِ اللهِ لا يُلقِي لها بالا يهوِي بِها فِي جهنم». فكم من المشاكل المعقدة حلت، وكم من حياة مستقرة دمرت، بسبب كلمة.. وهذا يدعونا الى أن نكون مفاتيح للخير مغاليق للشر، بأن نشيع الحب والخير بين الناس. بإظهار الجميل واخفاء القبيح. والبعد عن تجريح الآخرين، باضحاك الناس عليهم، وعدم رفع الصوت أثناء الحوار، وأن نعلم أن قيمة الإنسان واحترامه منوط بمنطقه، ورقي حديثه.
مشاركة :