مرت عدد من دول العالم بمراحل مفصلية وتحولات لافتة نقلتها من واقع إلى آخر أكثر نجاحاً وتفاؤلاً، حيث عملت على معالجة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بتغييرات جذرية وخطوات في الاتجاه الصحيح، على الرغم مما شكلته برامج التحول لديها من صدمات وتشاؤم تقليدي في البدايات، حيث تعاند الطبيعة البشرية التغييرات. ووقف خلف هذه التحولات بخططها وبرامجها شخصيات قيادية أدارتها بعزيمة وهمة عالية وتحدٍ وإيمان بأهمية وجدوى التحول والتغيير، ما جعل من هذه القيادات إيقونات تاريخية ملهمة. وارتكزت تلك القيادات الاستثنائية على شجاعتها وثقتها، وعلى إعلانها لخططها وتوجهاتها منذ البداية، فكسبت التأييد والتشجيع من قبل شعوبها التي تلقت توضيحات كافية وشروحات للأهداف المستقبلية المرجوة من التغيير. تركيا ـ إردوغان وفقا للبنك الدولي في تقريره الصادر في ديسمبر 2014، تمر تركيا بمرحلة تحول، حيث شهدت نمواً اقتصادياً قوياً على مدى عقود، إلا أن الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية التي حققتها أخيراً تعود إلى عملية التحرر الاقتصادي التي بدأت في ثمانينات القرن الماضي، وما تلاها من إصلاحات مالية وإصلاح للمالية العامة ولإدارة القطاع العام في أعقاب أزمة 2001. وبعد أن زاد متوسط دخل الفرد اليوم بواقع الضعف عما كان عليه عند مطلع الألفية الجديدة، ليتجاوز 10 آلاف دولار سنوياً، باتت تركيا اليوم على شفا البزوغ كبلد مرتفع الدخل، لتتأهب للمرتبة الـ12 بين أكبر اقتصادات العالم بحلول عام 2060. ويؤكد التقرير أن إنجازات تركيا باتت مصدر إلهام لواضعي السياسات في عدد من بلدان الأسواق الصاعدة، حيث زار تركيا نحو 20 وفداً من بلدان دانية وقاصية كالهند وأوزبكستان وكوسوفو وكينيا وأوكرانيا، للتعرف على كيفية الإصلاح الذي اعتمدته لنظام الرعاية الصحية، والتعليم الثانوي، وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي، وإدارة المالية العامة، وطائفة من المجالات الأخرى التي تحسنت في السنوات الأخيرة، بما فيها تحسين الخدمات العامة، والتوسع العمراني وخلق الوظائف في الصناعات والخدمات التي فتحت أبواب فرص جديدة لمواطني الريف الأفقر في العادة. البرازيل ـ داسيلفا في تقرير صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بعنوان "تجربة النمو الاقتصادي في البرازيل: نموذج استرشادي لمصر"، رأت معدة التقرير أمل مختار أن تجربة لولا داسيفلا في البرازيل كانت تجربة نجاح ما كان لها أن تحدث لو لم تتوافر إرادة شعبية حقيقية، ووعي جماهيري لأهمية النهوض، فالشعب البرازيلي بطبقاته الفقيرة تحمل أعباء سياسات التقشف حتى تعافى الاقتصاد البرازيلي. وترى الكاتبة أن البرازيل نجحت بتحقيق نمو اقتصادي كبير حتى وصلت لمرتبة سادس أكبر اقتصاد عالمياً عام 2011، بعد أن كانت تعاني مشكلات اقتصادية كبيرة تتمثل بالارتفاع الهائل لمستوى الدين العام، خاصة الخارجي، وتراجع معدلات الاستثمار بسبب تدهور مستويات الثقة بالاقتصاد الوطني. ونفذت البرازيل برنامجاً اقتصادياً ناجحاً تضمن سياسات تقشفية التزاماً بتوصيات صندوق النقد الدولي، إلى جانب سياسات تهدف لتشجيع الاستثمار وطمأنة أصحاب رؤوس الأموال، واشتمل البرنامج الاقتصادي على سياسات للإعانة الاجتماعية وتقليص حجم الفقر في الدولة. ويمكن القول إن البرازيل انتقلت خلال 8 سنوات، هي فترة حكم الرئيس السابق لولا، من دولة توشك على الإفلاس ومثقلة بالديون، ويعيش فيها ملايين السكان تحت خط الفقر، إلى دولة تتمتع باقتصاد متقدم ومعدلات نمو مرتفعة، ودولة جاذبة للاستثمارات والسياحة من الخارج. ماليزيا ـ مهاتير محمد يتحدث ربان سفينة النهضة الماليزية مهاتير محمد عن تجربة بلاده في محاضرة له في السودان بعنوان "تأملات حول تجربة ماليزيا في التنمية"، فيقول "كانت ماليزيا دولة فقيرة بعد الاستقلال، وكان دخل الفرد فيها منخفضاً جداً، والاقتصاد يعتمد كلياً على جمع وتصنيع المطاط فقط، ومُعدّل البطالة يزيد عن 50%، ولم تكن تتبنى أي أيديولوجيا سواء اشتراكية أو رأسمالية، بل كانت دولة براجماتية". وأضاف "رغم وصول ماليزيا إلى اقتصاديات السوق العالمية فلم تكن لديها صعوبة في تقبل النظام الاقتصادي الاشتراكي، حيث قررت بعد الاستقلال الاعتماد على النظام الاشتراكي لـ5 سنوات، وكانت هذه هي الخطة الخمسية، ثم تبعتها خطة عشرية ثم خطة ربع قرنية، وذلك بوضع الرؤى والأهداف لتحقيق البنى التحتية والتمكن في قيادة الاقتصاد ورقيه ليبلغ الآفاق". وتابع "عام 1991 وضعت ماليزيا خطة تمكنها من أن تصبح دولة كاملة النمو بحلول عام 2020، واعتمدت هذه الخطة الأخيرة على قيادة الاقتصاد برؤية ثاقبة مع الاهتمام بتجارب الدول الناجحة في هذا المجال، واليوم أنجزت ماليزيا كثيراً مما وضعته لتصل إلى دولة كاملة النمو". الصين ـ دينج شياو بينج في تقرير لصحيفة "الشعب" الصينية نشر عام 2012 بقلم عباس كديمي لخصت تجربة دينج شياو بينج في التحول الصيني، بأنها بدأت بطرح الإستراتيجية التنموية الملائمة لواقع الصين، من 3 خطوات، ووضعت فترة 70 سنة لتحقيق أهدافها، وركزت على أن يتم خلال الخطوة الأولى توفير الغذاء والكساء للمواطنين خلال 10 سنوات، وفعلا تحقق الهدف قبل الموعد المحدد بنهاية الثمانينات. وكانت الخطوة الثانية زيادة إجمالي الناتج المحلي لعام 1980 بواقع 4 أضعاف في نهاية القرن العشرين، وتحقق الهدف عام 1995، والخطوة الثالثة زيادة معدل دخل الفرد لإجمالي الناتج المحلي ليصل عام 2050 إلى معدل الدول المتوسطة النمو. سنغافورة ـ لي كوان وفقا لتقرير "القبس" الكويتية عام 2008 فلا يمكن أن تقرأ جدولا أو إحصاء إلا وتجد اسم سنغافورة في المراتب الأولى، فهي من أكثر بلدان الأرض أمناً واطمئناناً، وهي نموذج في المحافظة على البيئة وعلى مستوى المعيشة، وهي تتقدم الآخرين في كل شيء. ويكمن سر نجاح هذا البلد في اسم "لي كوان يو" الذي تمكن في 31 عاماً من تحويل الجزيرة النائية إلى أهم مركز تجاري ومالي في العالم، وبفضل سياساته الحكيمة، أصبحت سنغافورة من كبريات الأسواق المالية التي تضم أكثر من 700 مؤسسة أجنبية و60 مصرفاً تجارياً إضافة إلى بورصة مزدهرة لتبادل العملات الصعبة بحجم 60 مليار دولار.
مشاركة :