أجمع اقتصاديون، على أن استغلال المزايا النسبية والتنافسية لأي اقتصاد، يعد الطريق الأمثل نحو إنجاح خطط التحول الاقتصادي، مؤكدين أن برنامج التحول الوطني الذي تعتزم السعودية تطبيقة قريبا يهدف إلى تنويع مصادر الدخل ويعزز كفاءة استغلال الموارد الاقتصادية، ويستلهم مساره من التجارب الدولية الناجحة، مثل تجارب ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، التي غيرت وجه هذه الدول اقتصاديا واجتماعيا. ورأى مختصون تحدثوا لـ "الاقتصادية" أن تنويع مصادر الدخل يحتاج إلى تعزيز القدرات الصناعية والتحول نحو الاقتصاد المعرفي واستغلال كل القطاعات التي يمكن أن تدر دخلا. وكان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع، الذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، قد كشف في حديث لمجلة «الايكو نومست» أخيرا عن الإطار العام لبرنامج تحول ينتظر أن يسهم عند انطلاقه في إحداث تغيير للسياسة الاقتصادية للمملكة، دون الاعتماد على النفط كمورد أساسي للدخل. وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور سعيد آل الشيخ، إن أكبر القطاعات المستهدفة في برنامج التحول الوطني هو القطاع الصناعي وتحديدا الصناعات التي تعتمد علی الوقود ضمن مدخلاتها، والتي يدخل من ضمنها اللقيم والغاز مثل صناعات البتروكيماويات، والتوجه إلى الصناعات الأفقية المكملة والصناعات المعرفية كصناعة الأدوية التي تتطلب متخصصين للاستهلاك المحلي والتصدير، علاوة على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذي ركزت عليه التجربة الماليزية والسنغافورية. وأضاف، أنه يمكن التوسع أفقيا من خلال الاعتماد على صناعات مدخلات الإنتاج مثل السيارات والطائرات وإن كانت بالمشاركة مع شركات من دول أخرى مثل التجربة الكورية التي أثبتت جدارتها، بعد أن بدأت بالمشاركة مع اليابان وغيرها، حتى أصبحت في مصاف الدول الأولى صناعيا. وقال إنه يمكن تطوير الخدمات المدنية مثل البرمجيات وهو قطاع مدر للدخل والطلب عليه مرتفع، وهناك تجارب ناجحة له في الهند التي أصبحت رائدة، وفي الأردن ومصر، مبينا أن خدمات الاستشارات في مجال التقنية والبرمجيات أصبحت سوقا كبيرة، كما أشار إلى إمكانية تطوير القطاع السياحي في ظل التنوع المناخي والطبيعي في المملكة أيضا. وأشار إلى أن "هناك تجارب ناجحة في مجال الخدمات، وتحديدا الصحي، الذي اجتذب الدول المجاورة، ويمكن تهيئته للمنافسة الإقليمية في ظل وجود كليات الطب الجيدة لدينا"، مضيفاً أنه يمكن تطوير قطاع الاستشارات المحاسبية والمالية والإدارية، وتهيئة سبل تطويرها عبر البنى التحتية، وقد أصبحت شركات استشارية عالمية في المحاسبة والاستراتيجيات حتى بالتعاون مع الشركات. وذكر أن التجارب الدولية نجحت من خلال الرؤية الواضحة لبرامج التحول الاقتصادي، وقد بدأت ماليزيا منذ 30 عاما ونجحت فيها، ووضعت خطة جديدة في عام 2010 تمتد حتى عام 2020 لتحقيق عدد من الأهداف. وأشار إلى أن البرامج التنموية في الدول التي خاضت التجربة بنيت على أساس العائد الاقتصادي والقيمة المضافة التي يحققها الاستثمار وليس لأي هدف آخر، مضيفاً "كذلك الشمولية نراها في التجربة الماليزية شملت القرى والأرياف وجميع المدن، وكان الهدف توفير ثلاثة ملايين و500 ألف وظيفة، كما ركزوا على رفع كفاءة الأداء الحكومي حيث يتطلب نجاحه المراقبة والأداء العالي". من ناحيته، قال لـ "الاقتصادية" تركي فدعق، محلل اقتصادي، إن "تحديد القطاعات التي من الممكن أن يستهدفها برنامج التحول الوطني لتنويع مصادر الدخل وتكون رديفا للنفط، يعتمد على رؤيتنا وموقعنا من العالم من الآن وحتى بعد 30 عاما، وإذا تم تحديدها على مستوى الداخلي ورؤيتنا على مستوى العالم ومواردنا المتاحة داخلياً وإمكانيتنا وفرصنا مقارنة بالعالم حسب المنطقة التي نحن فيها وكذلك احتياجاتنا، حتى نعرف أولوية القطاعات التي يمكن الاعتماد عليها لتحديد مصادر الدخل المستهدفة"، مبيناً أنه في حال تم ذلك نستطيع أن يتم تحديد القطاعات التي من الممكن أن تستهدف لكن قبل ذلك يكون الأمر أشبه بالحرث في الماء. وبين أنه لجذب استثمارات في مجال التعدين، الذي لم يتم الاستثمار فيه بكفاءة وفاعلية، يجب تخفيف القيود والعوائد على استخراج المعادن وفق شفافية وتكاليف أقل وتعامل عادل مع المستثمرين. ونوه بأن استحداث وظائف جديدة يتم بفاعلية ويؤدي دورا فعليا من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تستطيع توفير أكبر عدد من الوظائف. وأضاف، لذلك من المهم أن يكون للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة دعم على مستوى السياسات الحكومية، مبينا أن الانسحاب من قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كان بسبب كثرة العوائق، حيث وجدوا أن احتمالات الخسارة أكبر من الربح، ولو كانوا يعتقدون أن احتمالات النجاح أكبر لم ينسحبوا. وقال إنه لا بد من تخفيف القيود عليهم ووضع الضوابط القانونية لتشجيع هذا القطاع ومنحهم الدعم المادي والفكري والمعرفي والاستراتيجي والاقتصادي. وأشار إلى أن التجارة الإلكترونية مصدر دعم جيد ودعمها ضرورة، مضيفا أن تفعيل التجارة الإلكترونية يتم حاليا عبر وزارة التجارة وهي تعمل في مسودة حولها، مشددا على ضرورة الإسراع في تفعيله لأنه سيكون مؤسسا للإطار التشريعي والقانوني لجميع مجالات التجارة الإلكترونية. وأضاف أن التجارة الإلكترونية بحاجة لضوابط قانونية وضوابط في الدفع عن بعد وتوصيل البضائع وغيرها الكثير حتى تؤدي دورها كما هو مأمول، وسيشكل إضافة جيدة للسيدات وربات البيوت للعمل من منازلهن. وتحدث عن خصخصة القطاعين البلدي والصحي، حيث أوضح أن خصخصة القطاع البلدي ذو أولوية ويجب أن يسبق خصخصة القطاع الصحي، مبينا أن خصخصته عليها محاذير كثيرة إن لم تكن هناك رقابة بشكل كبير جدا على مستوى وكفاءة الخدمة التي تقدم لأنها من القطاعات التي لا يجب تركها للقطاع الخاص بشكل كامل أو دون رقابة. ونوه بأن تطبيق لوحة عرض القياس Dashboard سيكون لها دور كبير وفعال في رفع كفاءة الوزراء ومعاونيهم وتظهر بشفافية الإحصائيات والبيانات لأداء الجهات الحكومية. وشدد علی ضرورة أن يتوافق التعليم خلال المرحلة القادمة مع احتياجات سوق العمل، مشيرا إلی أهمية تطبيق الطرق الحديثة ومن أهمها ما يطبق في اليابان من قبل الطلاب في الجامعة دون النظر إلی نسبة الثانوية العامة، علی أن تتولی الجامعة بناءهم وإعدادهم لسوق العمل دون الحكم علی مستواهم الدراسي في أعمارهم الصغيرة. وقال لا بد أن يكون هناك إعادة نظر في التخصصات وعدد الطلاب فيها حسب الحاجة ورفع عددهم خاصة في الطب. من جهته، قال البروفيسور فاروق الخطيب، إن هناك تجارب محلية للصناعات التحويلية والخفيفة والثقيلة، حيث يعد من أهم القطاعات التي ستلعب دورا كبيرا في تنويع مصادر الدخل، كما يمكن دعم السياحة نظرا للتنوع الجغرافي والمناخي. ونوه بأن قطاع الخدمات يمكن أن يكون له دور كبير في تنويع الدخل سواء الاتصالات أو المواصلات، مشيرا إلى أن إعادة التصدير يمكن أن يشكل قيمة مضافة. وأشار إلى أن اهم مجالات القطاعات التي يمكن أن يستحدث بها وظائف هي الصحة والتعليم. وبين أن الاستثمار في المعادن لا يزال فرصة جيدة، وفي حال نجحت سيكون لها دور كبير في التنمية.
مشاركة :