حرب الشائعات في المجتمع الحديث | عبدالله فراج الشريف

  • 1/13/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الإشاعة أخطر أنواع الحرب النفسية، التي أصبحت من أخطر أسلحة الحرب الحديثة بين الأمم، ثم انتقلت إلى محيط المؤسسات والشركات، بل وحتى الأفراد، فقد كانت الشائعة عبر الزمان الوسيلة التي يستعملها الذين لا يهتمون للاعتبارات الأخلاقية، لهذا فقد كان المنافقون في عهد سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملونها في عدائهم للنبي وللمؤمنين، وأن إشاعة حديث الإفك في ذاك المجتمع النقي ليس عنا ببعيد، وهي في الحرب تقوم على الدعاية عبر وسائل مختلفة، وكم من إشاعة محبوكة أدت إلى هزيمة جزئية أو كلية، ولهذا أصبحت جيوش العالم لها أقسام معنوية تقوم بإعداد هذه الشائعات أو مناهضتها، ولكن خطورة الإشاعة إذا كان مصدرها اجتماعيًا، فعند اختلاف الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب يحارب بعضهم بعضا بمثل هذه الشائعات طلبًا للانتصار على الخصم، فالإشاعة مأخوذة من شاع الخبر إذا شاع وانتشر، وهي في الحقيقة خبر مجهول المصدر سريع الانتشار، ذو طابع استفزازي في الغالب، أو هي مجموع سلوكيات خاطئة سريعة الانتشار تثير البلبلة في المجتمع، وقد تكون معلومة غير صحيحة القصد منها التضليل تصدر من فرد أو مجموع أفراد، والقصد من الشائعة غالبًا في القضايا العامة نشر الإرجاف بين الناس، وإذا كانت موجهة للفرد أو الجماعة فالمقصود تشويه سمعته أو سمعتها بدون وجه حق، وأول من تعرض لهذه الشائعات كانوا رسل الله عليهم السلام، فما منهم من رسول إلا وأشيع عنه بعض ما قصد به الإساءة إليه وأن ينفض عنه الناس فقوم نوح قالوا عنه: (إنا لنراك في ضلال مبين)، وأشاعوا ذلك بين عامتهم، وقالوا عنه مجنون، وقوم هود أشاعوا عنه أنه سفيه وكاذب فالله يقول على ألسنتهم: (إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين)، وموسى قال عنه قومه إنه ساحر، وهي الدعوى التي قال المشركون بها عن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا اعتبار لغير الأنبياء من البشر الذين يتعرضون لمثل هذا فإنه لا يضرهم وكشفه أمر يسهل في أكثر الأحايين، والإشاعة ولاشك محرمة شديدة الحرمة بقدر ما يترتب عليها من ضرر، لهذا جاءت نصوص الشريعة بالتحذير منها فقال ربنا عزوجل محذرا فقال: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً) فلا ينطق الإنسان إلا بحق، وإن نطق بباطل فأدوات معرفته بالأخبار والمعلومات هي المسؤولة عن ذلك والعقوبة على ذلك شديدة، فالله قد جعل على ما يلفظه المكلف رقبيًا يسجل عليه كل ما يقول أليس يقول ربنا: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، والخبر إذا جاء إليك فلابد أن تدقق فيه، وتعرف مصدره، وهل هذا المصدر موثوق أم لا؟، فالله يقول (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، والذين يقعون في أعراض الناس ويغتابونهم علنًا حتى في وسائل الإعلام وسائر وسائل الاتصال هؤلاء لاشك غير موثوق بأخبارهم فإذا نشروا عن إنسان أخبارًا أو جماعة من الناس فهم كاذبون ولاشك، وهم يستهدفون الآمنين الغافلين عنهم من كرام الناس وأهل الدين والفضائل فعلى الناس ألا يستمعوا إليهم وأن يردوا أخبارهم، والشائعة في الغالب خبر كاذب، وحتى إن كان أصله صحيحًا فالعاطلون عن خلق كريم سيزيدون عليه ما يستهدفون به كل غافل يريدون الإساءة إليه وتشويه سمعته، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم)، ذلك أن الشائعة خطرها عظيم، فكم أسقطت أمة بها وأشيع فيها ألوان من الفوضى بسببها، وكم أدت الشائعة إلى ضرر جماعة أشيع عنها قول أو فعل يقتضي أن تعاقب عقوبة شديدة تجعلها تختفي بعد ذلك، وكم من فرد أضير عبر إشاعة روجها عنه من لا يخشون الله، ولذا حذر سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يروى كل ما يسمع دون أن يعرف أن ما سمع هو خبر صحيح أم خبر كاذب أريد بإشاعته الإضرار بمسلم أو مسلمين لمن أشاعه ونشره عداء لهم أو كراهية، فقال عليه الصلاة والسلام (بئس مطية الرجل زعموا)، ولعل أشد أسباب الشائعات ما ذكرت آنفا فمخبوء النفوس الخبيثة من الحقد والكراهية لبعض خلقه أقوى الدواعي لنشر الإشاعات الكاذبة عن من يكرهون، سواء أكان في واقع الأمر سبب معقول لهذا الحقد والكراهية أم هي ناشئة عن أوهام ملأت بها الرؤوس من أجل تربية مثل هذا الحقد والكراهية في نفوس الناس، ومن الأسباب السيئة جدًا الحسد، والذي يتربى في نفوس هؤلاء الذين صناعتهم نشر الشائعات لمن أنعم الله عليه بمال أو منصب أو حسب ونسب، كما أن أهل الرذائل ولاشك في مصلحتهم أن يشيعوا عن أهل الفضائل ممن يتمتعون بحسن الأخلاق ما يجعلهم أقرب إليهم من الصفات علّ ذلك ينفر الناس عنهم وهيهات أن يبلغوا ذلك، ثم تأتي أسباب أخر مثل ما يصيب بعض النفوس من الميل إلى الهوى والجهل بما أحل الله وحرم، وتمكّن صفات النفاق في النفس من الكذب والغدر وخلف الوعد، والفجور عند الخصومة، والذي يقود اليوم إلى كثير من الشائعات القذرة، والتي تشاع من قبل من لا يخشون الله عن مخالفيهم، فيتهمونهم بكل تهمة يظنون أنها تنفر الناس منهم وترسم لهم الصورة القبيحة التي تسيء إليهم وتصرف الناس عنهم، وغالبًا من ينهجون هذا النهج الرديء هم الجهلة الذين لا يفرقون بين حلال أو حرام، أو أولئك الذين ترسخت في نفوسهم المعاصي، فمرضت هذه النفوس ولا تأتي بعد إلا مثل هذا، ولكن الذي نستغربه في مجتمعاتنا الحديثة أن أصبح كل شيء لعبة، ينتصر فيها الناس بما يحسنون من الألعاب وإن كانت قذرة وأنظروا لما يجري حولكم في العالم، فالأحزاب السياسية يحارب بعضها عن طريق هذه الإشاعات، والمرشحون للانتخابات في المجالس وللرئاسة أيضًا تستخدم نفس الأسلوب، ويستعين كل منهم بخبراء في هذه الإشعات، التي أصبح لها علم يدرس ويتخصص فيه المتخصصون باسم الحرب المعنوية أو النفسية، وانساق المسلمون وراء هذا، فرأينا الإشاعات تخترق مجتمعاتنا المسلمة وتفتك بها، حتى هنا في جزيرة العرب حيث شع نور الإسلام، ووجدنا بعض طلاب العلم الشرعي يتعاملون بها، ردنا الله إلى ديننا ردًا جميلاً، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :