فنلندا تلتحق بقائمة الدول الداعمة لسيادة المغرب على صحرائه.. سياق هذه الخطوة وأهمية الموقف الفنلندي بالنسبة للمغرب

  • 8/8/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يواصل المغرب، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحقيق نجاحات سياسية ودبلوماسية كبرى لفائدة الصحراء المغربية. فبعد أيام قليلة من إعلان فرنسا دعمها الرسمي لسيادة المملكة المغربية على صحرائها، أعلنت فنلندا أنها تعتبر المخطط المغربي للحكم الذاتي "أساسا جيدا لحل" للنزاع الإقليمي حول الصحراء. في الحوار التالي، يتحدث الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة محمد بودن عن سياق الموقف الفنلندي، أهميته، ومستقبل العلاقات بين البلدين: فنلندا تلتحق بقائمة الدول الداعمة لسيادة المغرب على صحرائه، ما هي قراءتكم لهذه الخطوة وسياقها؟ من المؤكد أن هذه الخطوة الوازنة التي قامت بها هلسنكي من شأنها أن تدشن مرحلة جديدة من التبادل المكثف والديناميكي بين المملكة المغربية وفنلندا، كما أنها إشارة لافتة على منظور مستقبلي للعلاقات بين البلدين. ومن الواضح أن هذا المستجد البارز الذي توج لقاء وزيري خارجية البلدين يأتي في سياق يتزامن مع الذكرى 65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب و فنلندا، كما يأتي في غمرة احتفالات المملكة المغربية بالذكرى 25 لعيد العرش المجيد ويستبق كذلك استحقاقات قادمة في العلاقات المغربية الأوروبية، علاوة على كونه يعزز سلسلة من التبادلات و اللقاءات بين مسؤولي البلدين على المستويين الحكومي و البرلماني لا سيما الزيارة التي قام بها رئيس برلمان فنلندا ( Eduskunta Riksdagen ) ا جوسي جوسي هلا اوهو الى المغرب في شهر ماي الماضي. بذلك تصبح فنلندا جزءا من التوجه الدولي الواسع لدعم مبادرة الحكم الذاتي، وتكون بذلك السباقة في منطقتها الجيوسياسية لاتخاذ هذا القرار كما تقدم فنلندا مساهمتها ضمن دينامية أوروبية لدعم المخطط المغربي للحكم الذاتي المقدم سنة 2007 تعادل حوالي ثلثي الدول الأوروبية تقودها فرنسا واسبانيا وألمانيا بمواقف معمقة وتاريخية. ما مدى أهمية الموقف الفنلندي وآثاره على قضية الصحراء المغربية؟ في الواقع، الموقف الفنلندي هو خيار واقعي وينسجم مع المتغيرات الحاصلة في مواقف عدد من الدول، كما أنه متوافق مع قرارات مجلس الأمن وأسسها المعيارية للحل السياسي آخرها القرار 2703. تكمن أهمية وقوة الموقف الفنلندي في كونه صادر عن دولة ناجحة في تطبيق الحكم الذاتي منذ سنة 1920 بجزر آلاند في تجربة تأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي والخصوصيات المحلية بالفضاء الاسكندنافي. أهمية الموقف الفنلندي في هذه المرحلة تنبع من دور فنلندا في السنوات القادمة سواء خلال رئاستها لمنظمة الأمن والتعاون التي تضم 57 بلدا خلال سنة 2025 أو ترشحها لشغل مقعد غير دائم بمجلس الأمن سنة 2028، بالإضافة إلى كونها عضوا في حلف الناتو، ومكانتها في مجموعة دول الشمال ( Nordic ) ضمن آلية ( N5 ) و آلية التعاون بين دول الشمال و دول البلطيق ( NB8) و مجلس دول بحر البلطيق ( CBSS) و فضاء الدول القطبية الشمالية. من هنا نستنتج أن الأمر يتعلق ببلد يتوفر على وضع جيوسياسي مهم، وسيكون له دور فاعل في تعزيز العلاقات بين المملكة المغربية و الاتحاد الأوروبي ودول الشمال، بما ينعكس على مواقف أغلبها بشأن سيادة المغرب صحرائه و يعزز وعيها بالمصالح العليا للمملكة المغربية و يقطع الطريق على المناورات التي يقوم بها خصوم الوحدة الترابية. ثمة قناعة جوهرية اليوم، وهي أن المغرب بوابة لفنلندا نحو أفريقيا و هذه الميزة من شأنها أن تخدم الاستراتيجية الفنلندية تجاه أفريقيا و التي انطلق العمل بها سنة 2020 بحيث تتوفر فنلندا اليوم على 13 سفارة بالقارة الأفريقية و تطمح الحكومة التي يقودها حزب كوكوموس اليميني الوسطي إلى تسريع العمل في الاتجاه جنوبا. تحدثوا لنا عن مسار العلاقات بين المغرب وفنلندا، ومستقبلها بعد هذا الموقف الأخير؟ الصحراء المغربية هي النظارة التي يقيس بها المغرب صدق الصداقات ونجاعة الشراكات و بالتالي فالموقف الفنلندي الأخير من شأنه أن يمثل قوة دفع للعلاقات الثنائية بما يسمح بتدفق أكبر في التبادلات التجارية و الاستثمارية في القطاعات الواعدة لاسيما الطاقة الخضراء و الانتقال الرقمي و الأمن السيبراني و الصحة و الماء وغيرها، وسيمكن عقد منتدى الاعمال سنة 2025 بين الفاعلين الاقتصاديين من استكشاف فرص التعاون في المستقبل. وتعكس إشادة فنلندا بالمبادرة الاستراتيجية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حجم الصدى الذي لقيته المبادرة الملكية الخلاقة في مختلف الفضاءات الجيوسياسية العالمية والتي من شأنها أن تعزز إمكانيات أفريقيا وأوروبا معا. البلدين مركزين استراتيجيين في مناطقهما والمملكة المغربية فرضت نفسها كخيار مناسب للتنويع الاقتصادي بالنسبة لعدد من الدول الأوروبية كما أن التشاور بين البلدين على المستوى السياسي في القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب والهجرة من شأنه أن يساعد في تحفيز التنسيق والتشاور المنتظم بين البلدين. كبار الدول تعترف بسيادة المغرب على صحرائه، وافتتاح القنصليات متواصل ويتعزز، بماذا تفسرون سلسلة الانتصارات والمكاسب المحققة ميدانيا التي يعرفها مسار القضية الوطنية؟ هذه المكاسب هي ثمرة لدبلوماسية صاحب الجلالة الملك محمد السادس التي تركز على حماية المصالح العليا للمملكة المغربية وتعزيز رافعات العمل مع الشركاء مما جعل المملكة المغربية فاعلا لا غنى عنه في السياسة الخارجية للقوى الفاعلة في العالم. وخلال مسار حافل بالمكاسب تمكنت الدبلوماسية المغربية من كشف المزاعم الجوفاء وتسليط الضوء على تناقضات خطابات خصوم الوحدة الترابية في مختلف المنتديات الدولية. وتستمر الدبلوماسية المغربية في تقديم معالم الواقع التنموي والأدلة الدامغة و لأسس الواقعية و التاريخية و الأسانيد القانونية بشأن حقوق المغرب السيادية. هذا وأسهمت المؤسسات المغربية المختصة في تثقيف المجتمع الدولي حول الحقوق الوجودية للمملكة المغربية مما خلق اتجاها دوليا داعما لسيادة المغرب على صحرائه ومقتنعا بوجاهة مبادرة الحكم الذاتي مما حشر أوهام الانفصال في الزاوية، و قد شهدت أطراف دولية عديدة على حقيقة الدور السلبي للجزائر كطرف رئيسي في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. من الطبيعي أن يختلف المغرب والجزائر حول قضايا معينة لكن الجزائر اليوم لا تختلف مع المغرب فقط بل تسيء استخدام المنتديات الدولية والقنوات الدبلوماسية عبر المحاولات المكررة لتضليل المجتمع الدولي بشأن الحقائق الواضحة لملف الصحراء المغربية مما يضعها على الجانب الخاطئ من التاريخ بسعيها الحثيث على جعل العلاقات المغربية الجزائرية لعبة محصلتها صفر دون أدنى إعتبار لحتمية الجوار الذي لا يمكن تغييره. من المؤكد أن السبب الرئيسي وراء سرديات الجزائر الانفعالية في مختلف المحافل وتخليها الكامل عن ممارسة أدوارها، مكاسب المغرب في ملف وحدته الترابية، سواء بدعم ما يزيد عن 100 دولة لمبادرة الحكم الذاتي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، مقابل عدم اعتراف 84 % من دول العالم بالكيان الوهمي، وفتح 30 بلدا لقنصليات عامة بالصحراء المغربية. رغم سلسلة التطورات هاته لم تتمكن السلطات الجزائرية بعد من تكوين تصور صحيح وعقلاني وعملي حول ملف الصحراء المغربية ولا زالت سجينة بعض المواقف العقيمة، التي يتم التعبير عنها في مواقف رسمية باستمرار دون أدنى شعور بالذنب. إن إصرار الهيئات الرسمية الجزائرية على إعادة إنتاج نفس الأسطوانة القديمة التي عفا عنها الزمن بخصوص ملف الصحراء، يجعلها في وضع معزول عن التطور الحاصل في مواقف المجتمع الدولي والقوى الدولية الفاعلة، التي تدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي وسيادة المغرب على صحرائه وبالتالي فالجزائر محاطة بضرورة إعادة تقييم توجهها والتحرك وفق رؤى صائبة واقعية و منفتحة. والواقع يقول انه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في هذا الموضوع.

مشاركة :