عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي (6)

  • 8/14/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مشواره مع السرطان بدأ بزيارة إلى حارس مرمى المنتخب وشعور بضيق فى التنفس شاء القدر أن تولد النهاية فى المكان نفسه الذى شهد البداية. فى تلك الليلة خرجنا من مطعم «أفتر أيت» فى شارع «قصر النيل» بعد منتصف الليل ليذهب كل منا فى طريقه لكنه أصر على أن نسير فى الشوارع التى شهدت أحلامنا وأوهامنا وحفظنا مبانيها ومحلاتها والمطبات التى شوهت وجوهها والتغيرات التى طرأت على نشاطها. وأوجعنا بالذات أن تتحول المكتبات إلى محلات أحذية وكأننا أصبحنا نفكر بأقدامنا. حدث ذلك فى ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٣. فى اليوم نفسه ولكن فى شهر مارس من عام ٢٠٠٥ توفى «أحمد زكى». مات بعد تلك الليلة بنحو ١٣ شهرا. لم تذكرت التاريخ؟ لأن «أحمد زكى» فى ذلك اليوم أرسل هدايا إلى تلاميذ صغار فى مدارس الشرقية ليقدموها فى عيد الأم القادم. سألته: ــ أليس الوقت مبكرا على المناسبة؟ أجاب: ــ خفت أن أصرف الفلوس التى معى قبل الموعد. تزاحمت التعليقات على لسانى لكنى لم أنطق بها. هل لا يزال يشعر بعقدة الأم المفقودة وهى على قيد الحياة؟ هل لا يزال يلف حبل اليتم على رقبته ليشنق به نفسه؟ هل لا تزال روحه تنزف رغم كل ما وصل إليه؟ لكن رغم الصمت قرأ ما جال فى خاطرى بفراسته المتميزة فلم يتردد فى تغيير مجرى الحديث إلى حيث لا أتوقع. فاجأنى قائلا: ــ هل تصدق أننى أحيانا أحن إلى «البنسيون» المتواضع الذى كنت أسكن فيه هنا حتى إننى أطلب رقم تليفونه رغم أننى أعرف أنه أغلق أبوابه وماتت صاحبته «الخواجاية» ومع ذلك استمر فى لعبتى العبثية؟ ــ هل سألت الدكتور «أحمد عكاشة» عن هذه الحالة؟ ــ هذه حالة حنين إلى وسط البلد حيث بدأنا. ــ لو حدثت معجزة وردت عليك صاحبة «البنسيون» ما الذى كنت ستقوله لها؟ ــ كنت أطلب منها أن تسامحنى على الأيام التى هربت فيها من دفع أجرة غرفتى. ــ هذه مكالمة مع المستحيل. ــ بل خفة عقل وأفكار سكارى ولكن من قال إن العشق والسكر لا يتشابهان. تذكرت فى تلك اللحظات ما سبق أن سمعت منه فى زمن بعيد. كان ينزل فى مصعد عمارة «البنسيون» المتهالك مع مجموعة من السياح العرب الذين ظلوا يمدحونه ويشيدون به ويعبرون عن إعجابهم بفنه المتميز حتى وصلوا إلى الشارع وقبل أن يفترقوا شدوا على يديه قائلين: «فرصة سعيدة أستاذ أحمد عدوية». بدأ ضوء الفجر يبدد ظلام الليل فقررنا الانصراف لكننى لاحظت أنه وهو يتجه إلى سيارته يعانى من شىء ما فى قدميه لكن لم أجد فيه ما يثير القلق. بعد أيام قليلة لاحظ الدكتور «حسن البنا» أنه لا يمشى كما اعتاد و«يزك» على حد تعبيره. كان «أحمد زكى» يزور حارس مرمى المنتخب «بهاء البنا» شقيق «حسن البنا» فى مستشفى «الصفا» وما أن لاحظ «حسن البنا» ما يعانى منه «أحمد زكى» حتى قرر إجراء أشعة على القدمين. فى غرفة الأشعة تمدد «أحمد زكى» فلاحظ الدكتور «حسن البنا» أنه ينهج أكثر مما تعود فسأله: ــ ما لك يا أحمد؟ أجاب: ــ أشعر بضيق فى التنفس. ــ هل تفضل أن نعمل أشعة على الصدر لنطمئن. وافق «أحمد زكى» على الفور فقد كان موسوسا لا يتردد فى إجراء التحاليل الطبية بأكثر مما يطلب منه مثل كل شيء فى حياته. همس طبيب الأشعة فى أذن «حسن البنا»: ــ فيه مياه على الرئة يا دكتور لكنها كمية بسيطة إلا أن علينا معرفة سببها. اتصل الدكتور «حسن البنا» بالدكتور «مدحت عبد الهادى» أستاذ الأمراض الصدرية فى مستشفى «قصر العينى» لكنه كان فى «شرم الشيخ» يقضى إجازة العيد الذى كان على الأبواب إلا أنه طلب الحذر وترقب الحالة وسرعة التصرف إذا ما ساءت. عاد «أحمد زكى» إلى بيته فى «المهندسين» ولكن حالة ضيق الصدر زادت حتى كادت تكتم أنفاسه فلم يجد الدكتور «حسن البنا» مفرا من نقله إلى مستشفى «دار الفؤاد». فى «دار الفؤاد» طالب الأطباء بصورة أشعة جديدة وعندما أصبحت بين أيديهم وجدوا أن كمية المياه التى تجمعت فى الرئة زادت فأمروا بسحبها بعد أن وصلت إلى سبعة لترات ولكنهم فى الوقت نفسه أرسلوا عينة منها إلى المعمل لتحليلها وعمل مزرعة بعد أن شكوا فى أنها حالة التهاب بكتيري. سحب طبيب المعمل العينة المطلوبة ولكن قبل أن يغادر حجرة «أحمد زكى» أوقفه الدكتور «حسن البنا» طالبا منه تحليلًا إضافيًا للأنسجة. أبدى طبيب المعمل دهشته من الطلب لكن الدكتور «حسن البنا» همس فى أذنه: «زيادة فى التأكيد». لكنه فى الحقيقة كان يخاف من الأسوأ. كان الأسوأ وجود خلايا سرطانية فى الغشاء البلوري. والغشاء البلورى غشاء رقيق مكون من طبقتين يحيط بالرئتين ويبطن القفص الصدرى ويوجد بين الطبقتين سائل شفاف بكمية تعادل ملعقة شاى لمنع الاحتكاك بينهما أثناء تمدد وانكماش الرئتين فى الشهيق والزفير. فى هذا السائل بالتحديد وجدت خلايا سرطانية. ما خشيه الدكتور «حسن البنا» حدث فبدأ الشك فى أن يكون السرطان تسلل إلى الرئتين فقرر أن يمتد التحليل إلى عينة تؤخذ من أنسجتهما. جاءت العينة إيجابية أيضا. بل بدت الرئة اليمنى متليفة. تسلل السرطان فى هدوء اللصوص المحترفين إلى الرئتين وإلى الغشاء البلورى دون إنذار يأتى عادة فى صورة أعراض ظاهرة تثير الشك فى وجوده. المعروف أن التدخين أهم أسباب الإصابة بالسرطان فى الجهاز التنفسى وكان «أحمد زكى» لا يتوقف عنه إلا فى ساعات نومه وكثيرا ما استيقظ ليدخن ثم يعود للنوم. ولنتذكر أنه كان يضع ثلاثة أنواع من السجائر أمامه ثم يطلب «شيشة». والمعروف أن هناك أعراضًا ظاهرة يعلن بها المرض الخبيث عن نفسه مثل سعال مزمن وبحة فى الصوت وفقدان فى الشهية وتعب غير مبرر وألم فى الكتف ولكن «أحمد زكى» لم يشعر إلا بعرض واحد جاء متأخرا هو ضيق التنفس. لكن حدث قبل اكتشاف السرطان بعدة أشهر أن تورمت رقبة «أحمد زكى» بسبب حساسية من حشرة فطلب تصويره وهو فى هذه الحالة لعله يستفيد منها فى لقطة فيلم ربما يمثله فيما بعد. وحدث أن تورم الجزء العلوى من الصدر فاعتبر الورم نوعًا من السمنة التى تصاحب التقدم فى السن واشترى ملابس أوسع ظهر بها فى فيلم «معالى الوزير». هكذا كان السرطان الذى أصابه صامتا شريرا مخادعا وهو يتسلل إلى خلاياه ليعبث بها كما يشاء ودون صخب أو إنذار مبكر. فور اكتشاف السرطان سأل الدكتور «حسن البنا» عن أطباء الأورام فأشاروا إليه بالدكتور «حازم عبد العظيم» و«الدكتور ياسر عبد القادر». وقع الاختيار على الدكتور «ياسر عبد القادر» ومن جانبى تحمست للاختيار فأنا أعرفه منذ كان يعالج إحدى زميلاتى فى «روز اليوسف» ولكن الكيمياء بيننا لم تتفاعل ووضعت بيننا حواجز نجحنا فى إزالتها بصعوبة فيما بعد. وفيما بعد أيضا اختير لمتابعة حالة مبارك بعد تنحيه عن الحكم. طلب الدكتور «ياسر عبد القادر» ملف التحاليل والأشعة ليدرسها قبل أن يبدأ العلاج. فى الوقت نفسه اتصل الدكتور «أسامة سليمان» الذى يحمل لقب «أبو الأورام» تليفونيا بابن شقيقته الدكتور «حسن البنا» وطلب منه الحضور إليه ليسأله: ــ هو أحمد زكى عرف حقيقة مرضه؟ ــ لم نبلغه بعد. ــ شوف أحمد زكى شخصية عامة وحالته خطرة ولو أنت توليت أمره سيحملونك المسئولية ويتهمونك بالتقصير فى العلاج. ــ والحل؟ ــ بلغ الدولة بحالته وسيبها تتصرف. أرسل الدكتور «حسن البنا» خطابا إلى «صفوت الشريف» وزير الإعلام وخطابا آخر إلى «فاروق حسنى» وزير الثقافة كتب فيهما كل التفاصيل وأرفق بهما صورة من الملف الطبى واقترح أن يكون العلاج على نفقة الدولة فى الخارج. لم تمر سوى ساعات قليلة حتى قامت الدنيا ولم تقعد وصدرت تعليمات رئاسية إلى الدكتور «عاطف عبيد» رئيس الحكومة بأن ينفذ كل ما يطلب «أحمد زكى» واتصل الدكتور «صفوت النحاس» أمين عام مجلس الوزراء بالدكتور «حسن البنا» لوضع الترتيبات اللازمة للسفر إلى الخارج. فيما بعد سألت الدكتور «صفوت النحاس» عما حدث فقال: ــ كانت تعليمات الرئيس صارمة تقضى بسفر أحمد زكى إلى الخارج خلال ساعات ولكنى فيما بعد كلفت من رئيس الحكومة أن أحمل تحياته مع علبة شكيولاتة إليه وهو فى دار الفؤاد. كان «مبارك» يحب «أحمد زكى» وينتظر منه تجسيد شخصيته فى فيلم عن «الضربة الجوية» وفى الوقت نفسه اعتبر «أحمد زكى» الوسام الذى حصل عليه منه بعد فيلم «السادات» تعويضا عن سنوات الشقاء التى عاشها فى حياته وأقسم أكثر من مرة أن كلماته صادقة. بل إنه فى حديث صحفى نشرته على صفحات «صوت الأمة» وكنت رئيس تحريرها وصف مبارك بأنه «رأس الحكمة» وأضاف: «على فكرة ربنا فعلا بيحبنا لأنه رئيس جمهوريتنا وتخيلوا معى إذا كان صدام حسين سمع كلامه واتبع تحذيره فى ١٥ رسالة بعث بها حتى لا يتورط فى غزو الكويت». اتصل «مبارك» به تليفونيا وقال: ــ بص يا أحمد اطلع على فرنسا واستفد من الوقت. سكت «أحمد زكى» خجلا لكن «مبارك» كرر: ــ يا أحمد أنت لازم تسافر فرنسا اسمع الكلام. ــ سمعت أنهم هناك شاطرين يا سيادة الريس. ــ سافر فرنسا بأسرع وقت بلاش تردد. ــ سيادة الريس اسمح لى أقول لك إن أول مرة أحس إننى مسئول من أحد فأنا طول عمرى مسئول عن أحد. كان مبارك يعرف خريطة علاج السرطان فى العالم بعد أن أصيب به هو والسيدة زوجته فراح الأطباء فى الرئاسة يحددون كل نوع سرطان وأفضل دولة تعالجه وبدا واضحا أن فرنسا متخصصة فى علاج سرطان الصدر بالتحديد معهد «جوستاف روسى». تحمس الدكتور «ياسر عبد القادر» للعلاج فى فرنسا وحددت السفارة المصرية فى باريس موعدا عاجلا مع البروفيسور «لو شيفاليه» رئيس معهد أورام الصدر فى «فيلجويف» وعضو الجمعيات الفرنسية والأوروبية والأمريكية لطب سرطان الرئة. سافر «أحمد زكى» إلى باريس ومعه الدكتور «ياسر عبد القادر» والدكتور «حسن البنا» ولحقت بهما الفنانة «رغدة» هى وصديقتها «شمس الأتربى» وجاء بعدهم الفنان «محمد هنيدى». بدأ البروفيسور «لو شيفاليه» من الصفر بعد أن وضع الملف الطبى الذى أعد فى القاهرة جانبا وكتب بخط يده ما يريد: ــ تحاليل كاملة للجسم بلا استثناء. ــ صور أشعة على الصدر والرئتين. ــ منظار على الرئتين والغشاء البلوري. ــ تحليل أنسجة من الرئتين. تولى هذه المهمة دكتور «سى جريجورى» فى مستشفى «مونسيره». أخذت ثمانى عينات من أماكن مختلفة فى الرئتين وأخذت عينة من الغدد الليمفاوية بين الرئتين وتدخل المنظار ليؤكد نتائج العينات. وجاء التقرير حاسما: «برومكو جينك كار سيئوما». سرطان فى الرئة والغدد الليمفاوية. ومعناه أن لا تدخل جراحى ممكن فى العلاج. فى البداية رفض «أحمد زكى» أن تؤخذ منه العينات المطلوبة وتوتر للغاية حتى ارتفع ضغط الدم فى شرايينه لكنه أجبر على تنفيذ ما طلب منه. كانت الحالة متوسطة التأخير ولكن نوع السرطان نفسه كان شرسا يصعب الإجهاز بل يحدد للمصاب به المدة الباقية له فى الحياة. فيما بعد سمعت من وزير الصحة الدكتور «عوض تاج الدين» وكنا فى فندق «جى دبليو ماريوت»: ــ أن الحالة متقدمة وجاءت بمضاعفات السرطان مثل ثنائيات الكبد حيث انتقلت الخلايا المصابة إلى الكبد عن طريق الغدد الليمفاوية ومثل التهاب نهايات الأطراف والتهديد بجلطات الدم. سألته: ــ ما المدة المتوقعة للحياة؟ أجاب: ــ الأعمار بيد الله لكن الطب يحدد هذه المدة بنحو السنة. أصاب التقدير فعلا. عرف «أحمد زكى» بالسرطان فى يناير ٢٠٠٤ وتوفى فى مارس ٢٠٠٥. وكان رأى الدكتور «عوض تاج الدين» أن العلاج الكيماوى لن يفيد فى هذه الحالة وأن من الأفضل أن يستمتع المريض بحياته دون تحمل الآثار الجانبية المؤلمة للعلاج الكيماوى لكن لا مريضًا واحدًا يقبل مثل هذه النصيحة ويظل يأمل فى النجاة من السرطان وهو ما حدث مع «أحمد زكى». لكن كيف تأكد «أحمد زكى» من إصابته بهذا المرض شديد الدهاء؟ ما أن انتهى من الفحوصات المطلوبة منه فى مستشفى «مونسيره» اتجه إلى الغرفة رقم (١٠٤) فى فندق «ميركيورى» الملحق بمعهد جوستاف روسى الذى يعتبر جزءًا من تجمع مبانى المستشفى ينتظر النتيجة وعندما عرف أن الدكتور «حسن البنا» قادم إليه بالتقرير طلب منه أن يأتى الطبيب الفرنسى معه على أن يناقشه فى وجوده. لم يكن «أحمد زكى» يعرف من اللغة الإنجليزية إلا كلمات قليلة لكنه كان يجيد قراءة الوجوه وما أن جاء الطبيبان إليه حتى راح يتابع حوارهما معا ويتنقل ببصره بين ملامحهما ليعرف النتيجة دون أن يسألهما عنها. سألت الدكتور «حسن البنا»: ــ كيف كان رد فعل أحمد زكى؟ أجاب: ــ بدأ برد فعل حاد ثم راح يمشى وهو يلف حول نفسه وبدا وكأنه يكلمها ثم هدأ قليلا ثم ارتعش جسمه من الشعور بالخوف الذى سيطر عليه ورحنا نهدئ من روعه. فيما بعد سألت «أحمد زكى» السؤال نفسه فأجاب: ــ صدمت ثم روعت ثم هدأت ثم تعجبت ثم صعبت على نفسى ثم ضحكت فى سخرية ثم تحديت السرطان وقررت الانتصار عليه. عاد «أحمد زكى» ومعه الدكتور «ياسر عبد القادر» والدكتور «حسن البنا» إلى البروفيسور «لى شيفاليه» ومعهم التقارير الطبية الحاسمة فقال لهم: ــ سأكتب بروتوكول العلاج لينفذ فى القاهرة. لكن «أحمد زكى» اعترض قائلا: ــ أريد أن أنفذ العلاج هنا. ــ المرحلة الأولى من العلاج تفرض عليك جرعة كيماوى كل ٢١ يوما وستستمر ثلاثة أشهر وتعتبر المرحلة الأصعب. ــ ما صعوبتها؟ ــ سيخترق العلاج الكيماوى رئتيك المصابة والسليمة مما سيضعفك بصورة عامة لمدة شهرين على الأقل لكن مع استمرار الرعاية المكثفة والمناعة القوية ستسترد عافيتك قبل شهر يونيو على أن تواصل العلاج الثاقب مثل شعاع الليزر لقتل الخلايا السرطانية النشطة وإيقاف انتشارها وهناك برنامج آخر لتقوية الخلايا السليمة وزيادة عافيتها وعنفوانها ليعود الجسم قويا كما كان. ــ أريد أن أكون تحت رعايتك خلال المرحلة الأولى على الأقل. ــ لكن العلاج هنا هو العلاج هناك وسوف أكتب لك كل شيء ويمكنك الاتصال بنا أو أن تزورنا كلما شئت. فيما بعد نشرت على لسان «أحمد زكى» فى جريدة «صوت الأمة»: «يا سلام على الدكتور شيفاليه رغم قسوته وشراسته إلا أنه كان مصمما على أن أحصل على جرعات كبيرة من الكيماوى تكفى ستة أشخاص على الأقل حتى يحاصر المرض وكانت تعليماته أن أحافظ على نفسى لأن بعض البرد قد يؤذينى جدا ولأن الرئة اليمنى متليفة ومناعتها ضعيفة جدا». وفى تقرير آخر عن حالته الصحية نشرته فى «صوت الأمة» أيضا قال: «واضح أن الأطباء فى الخارج كتبوا روشتة العلاج بحكمة غريبة فيها جرعة كبيرة من الكيماوى فإذا عشت اعتبروا ذلك انتصارا لهم وإذا مت أموت فى بلدى». ولاحظ «أحمد زكى» فى رحلة العودة أن لا أحدًا تحمس للجلوس إلى جانبه فى الطائرة وادعوا أنهم يتركونه ليستريح إلا أنه عرف فيما بعد أن حالته الخطيرة جعلتهم يتجنبون صدمة حدوث أزمة صحية طارئة له وهم فى الجو على ارتفاع ٣٠ ألف قدم فوق سطح البحر». بعد أسبوعين فى باريس عاد «أحمد زكى» إلى القاهرة. وفى المطار رفض ركوب سيارة إسعاف وأصر على أن يتحرك على قدميه ويحيى الجمهور الذى جاء ليكون فى استقباله عندما عرف بموعد عودته. ذلك المشهد المتفجر بالعواطف جعل المخرج «شريف عرفة» يقول له: ــ هناك نوعان من النجوم نوع محبوب ونوع مشهور أنت يا أحمد من النوع المحبوب. لحظتها أضفت: ــ أحمد محبوب ومشهور. من المطار اتجه أحمد زكى إلى مستشفى دار الفؤاد مباشرة. استقر فى الجناح رقم (٢٢٢٩). وفى الساعة الثالثة من عصر يوم السبت ٢٨ يناير ٢٠٠٤ بدأ العلاج بأول جرعة كيماوى وفى هذه اللحظة اتصل به «مبارك». فى هذه اللحظة أيضا كنت أمام سريره أنا والسيدة زوجتى والمذيعة التليفزيونية «مها توفيق» زوجة المذيع التليفزيونى «محمود سلطان» الذى كان فى المستشفى نفسها يعالج من أزمة قلبية. جرى حوار بين «مبارك» و«أحمد زكى» سمعناه فى لحظتها من طرف واحد وعرفت تفاصيله من «أحمد زكى» فيما بعد. قال مبارك: ــ خذ العلاج بانتظام يا أحمد. ــ حاضر يا سيادة الرئيس. ــ لا تناقش مرضك مع أحد حتى لا تصاب بإحباط يؤثر على حالتك النفسية أنت عارف نحن جنرالات فى الحرب وأطباء فى المرض. ــ اسمح لى أشكر سيادتك على كل ما فعلت معى. ــ أنا عايزك تشد حيلك. ــ لن أترك السرطان ينتصر على حياتي. ــ هذا عشمنا فيك ولو فى حاجة اتصل بى والدكتور «أسامة الباز» سوف يتابع حالتك يوميا. ــ عندى «عادل حمودة» وهو يعرف الدكتور «أسامة الباز» ويعرف كيف يصل إليه. ــ تمام خليه يتصل بأبو الوفا رشوان (سكرتيره الخاص) أو جمال عبد العزيز (مدير مكتبه) لو فيه حاجة. أصبحت مسئولا عنه بقرار جمهورى ونشرت كل ما ذكرت فى «صوت الأمة» وكل الأطراف على قيد الحياة والأرشيف لا يكذب. حالة «برومكو جيــــــنك كار سيئوما» متأخرة تعليمات مبارك بسفره إلى الخارج صدرت بعد ساعات قليلة من معرفته بخبر إصابته بالسرطان ثمانى عينات للتحليل فى مستشفى مونسيره الفرنسى تثبت وجود خلايا سرطانية فى الغشاء الليمفاوى والرئتين   مبارك تليفونيا: اطلع يا أحمد على فرنسا واستفيد من الوقت  وزير الصحة عوض تاج الدين: الحالة لن تستمر أكثر من سنة ولا أمل فى العلاج الكيماوى تمنى أن يسدد ما عليه من نقود إلى صاحبة البنسيون التى تهرب من دفعها وهو فقير اشترى هدايا عيد الأم للأيتام فى الشرقية قبل ١٣ شهرا حتى لا ينفق النقود حسنى مبارك عوض تاج الدين

مشاركة :