«هيكل» ينصح أحمد زكى بالعزلة حتى يشفى ويعرض عليه مكانا يختفى فيه حتى يشفى فى لحظة مباغتة فرضها القدر عليه تصور أنه جواد برى لن يلجمه السرطان ويمنعه من الركض ويحرمه من الفوز فى المصارعة الحرة بين الحياة والموت. تابعت التحدى الصعب بشغف دون أن أخفى إعجابى به وخوفى عليه. هل هو قوى فعلا أم يمثل أنه قوي؟ هل هو متفائل فعلا أم يتقمص شخصية المتفائل؟ لم أتعجل الإجابة بل أسعدتنى حالته النفسية التى بدت فى السماء. ها هو «أحمد زكى» الذى واجه صعوبات الدنيا بصدره وحده يعلن الحرب على المرض اللعين. بل شن الحرب علنا. وافق على دعوة «صفوت الشريف» إلى الظهور فى التليفزيون ودخلت الكاميرات وكشافات الإضاءة إلى جناحه فى المستشفى لتبدأ الحوار معه «أميرة عبد العظيم» فى برنامجها «هذه ليلتى». قبل أن تدور الكاميرات سألته: ــ هل من المناسب أن تظهر على جمهورك وأنت ضعيف نحيف تبدو ملابسك أكبر من جسمك؟ أجاب: ــ نعم أريد أن يرانى الجمهور وأنا مريض حتى إذا شفيت يدرك شراسة الحرب التى خضتها وإذا مت فإن صورتى الأخيرة يمكن أن تستخدم إذا ما جاءت سيرتى. ــ لكنى أعرف أن النجوم يتوارون فى ساعات المرض حتى لا تتغير صورتهم فى عيون الناس. ــ وجود الناس إلى جانبى فى هذه الحرب سيدعمنى فى مواجهة السرطان مهما تغيرت صورتى. فيما بعد نشرت على لسانه فى «صوت الأمة»: «أثناء علاجى فى بريطانيا (لإجراء جراحة المرارة) وفرنسا (لإجراء فحوصات السرطان) كنت أطلب منهم أن يصورونى فى كل لحظة لتكون لقطات وثائقية يمكن استخدامها سواء عشت أو مت». وفيما بعد كرر هذه التوصية فى موقف آخر سيأتى ذكره. بدا على شاشة التليفزيون متماسكا متكلما متمكنا متحديا واثقا من نفسه وكأن خصمه سيستسلم من أول هجمة. أعلن أنه سينتصر على السرطان وراح يشرح بعضا مما حدث بعد اكتشافه. وبصوت خافض لا يخلو من التردد طلبت المذيعة منه أن يخرج إلى الشرفة ليحيى الجمهور الذى يقف خارج المستشفى منذ ساعات متلهفا على سماع أخباره. واستجاب «أحمد زكى» لما طلبت وعاد مبتسما منشرحا وهو لا يصدق أن كل هؤلاء الناس تركوا ما يشغلهم ووقفوا فى عرض الطريق ليطمئنوا عليه. والحقيقة أن الناس ضغطت بمكالمات تليفونية لا تتوقف على سنترال المستشفى طلبا للسؤال عن صحته كما خصصت هيئة البريد سيارة خاصة لنقل الرسائل التى تصل إليه وإن لم تتح له الظروف ليقرأها. إن هذه الحالة من الحب لم يصل إليها من قبل سوى «عبد الحليم حافظ». لكن «عبد الحليم حافظ» كان يخفى حقيقة مرضه على عكس «أحمد زكى». تعجب الدكتور «أحمد عكاشة» من شجاعته فى الحديث عن مرض السرطان الذى أصابه بسهولة وكأن المصاب شخص آخر غيره. وتعجب أكثر مما نشرت على لسان «أحمد زكى» فى صوت الأمة» حين قال: «تخيلوا أنى كنت ألعب مع السرطان فى حجرتى خاصة بعد جرعة الكيماوى الذى يوقع الشعر كنت أسأل المرض وأحاوره وأتكلم معه وكنت أتفرج على نفسى وأنا أشعر بأن عظامى تغلى بعد الكيماوى لكنى كنت أتأمل وأحتمل». ولكن كان هناك شخص لم يكن مرتاحا للطريقة التى يدير بها «أحمد زكى» مرضه الخطير. هذا الشخص هو «محمد حسنين هيكل». كنت قد طلبت منه الاتصال به تليفونيا ليطمئن عليه ولكنه قال: ــ حاولت عشر مرات على الأقل وفشلت ويوم استطاع مدير المستشفى الدكتور «حاتم الجبلى» أن يستخدم نفوذه ويوصل المكالمة إلى غرفته كان خارجها معك أنت ورغدة. ــ ما رأيك أن نفاجئه بزيارتك؟ ــ شوف الوقت المناسب وأنا مستعد. فى منتصف نهار اليوم التالى أخذنا طريقنا إلى مستشفى «دار الفؤاد» فى سيارة «هيكل». قادها سائقه الخاص «ساتى» الذى تقاعد قبل أسبوع وأصبح مشرفا على السائقين الجدد لكن ما أن عرف أننا سنزور «أحمد زكى» حتى قرر أن تكون الرحلة إليه آخر مهمة ينفذها تعبيرا عن حبه له وإعجابه به. فى الموعد الذى حددته مع «أحمد زكى» كنا عنده بالضبط. قفز من مكانه غير مصدق أن «هيكل» أمامه وتردد فى احتضانه ولكن «هيكل» احتضنه وربت على ظهره وسارعت «رغدة» بتقديم «الشيكولاتة» قبل أن تجلس بعيدا عنا ترقب الحديث من بعيد دون أن تشارك فيه. لم يتردد «هيكل» فى نقل تجربته مع السرطان إليه لعله يستفيد منها. لقد أصيب «هيكل» بالسرطان فى الكلى وخضع لجراحة فى مستشفى «كليفلاند كلينك» لاستئصال جزء منها. كنت أول من خصه هيكل بهذه المعلومات قبل أن يعلنها على الرأى العام فى مقاله الشهير «استئذان فى الانصراف» الذى نشره عام ٢٠٠٣. وعاوده السرطان مرة أخرى فى البروستاتا وكانت الجراحة هى الحل أيضا. وخوفا من إصابة جديدة بالسرطان كف عن تدخين السيجار فى اليوم نفسه الذى قررت فيه السيدة زوجته «هدايت تيمور» عن مقاطعة تدخين السجائر باتفاق بينهما جرى فى مطار القاهرة قبل أن تقلع الطائرة إلى فينسيا لحضور مهرجان موسيقى «فاجنر». فى الوقت نفسه كان «هيكل» يتناول نوعا من الأدوية الواقية من السرطان توفرها شركات أمريكية متخصصة بسعر لا يقدر عليه سوى الأثرياء جدا. وبصورة دورية كان يتعرض إلى فحص دقيق فى «كليفلاند كلينك» وذات مرة سأل الطبيبة المختصة بحالته: ــ هل يمكن أن أدخن سيجارا واحدا فى اليوم. ــ كم عمرك؟ ــ اقترب من التسعين. ــ دخن كما تشاء فليس فى العمر ما يخيفك من السرطان لو جاء فالموت غالبا سيكون أقرب منه. وعاد «هيكل» إلى تدخين السيجار. وفيما بعد لم يزره السرطان مرة ثالثة ولكن كان الفشل الكلوى بداية الطريق إلى النهاية. لكن ما النصيحة التى وجهها «هيكل» إلى «أحمد زكى»؟ قال هيكل: ــ شوف يا أحمد أنا لا أخفى سنى ولا أخفى مرضى لكن بالنسبة إلى سنى فإن الناس تعرفه من تاريخ الميلاد أما المرض فاحتاج منى إلى فلسفة خاصة فى التعامل معه فرضت على الابتعاد عن الناس حتى لا يفتى كل من أقابله فى حالتى وحتى لا أجبر على رؤية ملامح الناس وهى تتغير عندما يعرفون أننى مصاب بالسرطان ولم أكن لا أعود إلى حياتى الطبيعية إلا بعد أن يقرر الأطباء أننى شفيت تماما. ــ لكن يا أستاذ هيكل أنا ممثل والدنيا كلها تجرى وراء أخبارى ولو لم يعرفوا الحقيقة سيستسلمون للشائعات وما أكثرها. تدخلت فى الحوار: ــ أستاذ هيكل هناك من أشاع وفاة أحمد زكى قبل أن يعود من باريس وهناك من ادعى أن الدولة خصصت مليون دولار لعلاجه بينما لم يزد القرار الأول عن ١٢ ألف يورو وتعهد «أحمد زكى» بسدادها. قال هيكل: ــ دعهم يا أحمد يجرون ويلهثون وينتحرون وابتعد أنت عنهم فى عزلة اختيارية حتى تنجو. ــ ظروفى لا تسمح بهذه العزلة فأنا أعيش وحيدا وأجد أن من المناسب الإقامة فى فندق وفى الفندق تستحيل العزلة. ــ حاول بقدر ما تستطيع ولو شئت مكانا خاصا لا تتردد فى الاتصال بى. فوجئت بعرض هيكل الذى يحمل مفاجأة إنسانية غير متوقعة أما «أحمد زكى» فقد شعر بالحرج وسيطر الخجل على ملامحه وسارع بتغيير دفة الحديث قائلا: ــ أنا أريد أن أعرف رأيك فى فيلم «ناصر ٥٦». استوعب «هيكل» الموقف وسايره قائلا: ــ بل قل لى أنت رأيك فى عبدالناصر الذى أجدت فى تجسيد شخصيته فى فترة حرجة من حياته السياسية. ــ أنا يتيم وعبدالناصر كان «أبويا» الذى تربى عليه وجدانى ويوم الهزيمة شعرت بشرخ فى داخلى مثل السرطان الذى يصيب زجاج السيارات. ــ هل تعتقد أنه تعرض للخديعة وتورط فى حرب لم يكن مستعدا لها؟ ــ نعم خدعته أمريكا وخدعه رجاله الذين وثق فيهم وطمأنوه على وضع الجيش ولكن ألست معى أنه فى النهاية هو المسئول؟ ــ هو مسئول باعتباره رئيس الدولة بصرف النظر عن الظروف التى بنى عليها قرار الحرب. ــ هل صحيح أنه قال فى خطاب التنحي: «إننى على استعداد لتحمل المسئولية كلها» وليس كما كتبت: «إننى على استعداد لتحمل نصيبى من المسئولية»؟ ــ نعم صحيح لكن كيف اكتشفت الفرق بين ما قال وبين ما كتبت؟ ــ فكرت أن أقدم فيلمًا عن «ناصر ٦٧» وقرأت كثيرا مما كتب عنه فى هذه الفترة الأشد حرجا بما فيها كتابك عن الهزيمة. ــ أنا متحمس أن أسألك وأسمع منك. ــ استغفر الله يا أستاذ لا يفتى أحد عن عبد الناصر وهيكل بيننا. ــ يهمنى أن أعرف هل كان خروج الناس بعد قرار التنحى حقيقة أم مناورة؟ ــ أنا نزلت الشارع مقهورا ومشيت وسط ملايين دون أن أعرف إلى أين؟ حتى وجدت نفسى عند بيت عبد الناصر فى منشية البكرى ويومها شفت مشهدًا لم أنسه: رجل حافى يبيع بطيخ راح يبكى ويصرخ «يا حبيبى» وجرح نفسه بسكين كان فى يده. ــ تقصد أنه رجل بسيط لم يأخذ تعليمات من الاتحاد الاشتراكى ولا أحد دفعه إلى الخروج كما ردد البعض فيما بعد؟ ــ نعم لكن أريد أن أسألك: هل كان عبد الناصر جادا فى تنحيه؟ ــ لم اخترق ضميره كى أعرف ولكن الظاهر أنه وجد فى التنحى الطريق الوحيد للاعتراف بتقصيره فيما حدث ووجد فى عودته فرصة لتصحيح الخطأ. ــ فى تقديرى لو امتد به العمر لكان سيخوض بنا معركة النصر ولكنه مات كمدا ورغم أنه كان يعيد بناء الجيش ويصحح الأخطاء ويذهب إلى كل مكان إلا أن الحسرة لم تمت فى داخله. ــ الحسرة التى لم تمت فى داخله هى التى قضت عليه. ــ المشكلة أننا نعامل حكامنا كأنهم من طينة أخرى غير طينة البشر. ــ هم أيضا يستمتعون بهذه الاستثنائية حتى يسقطوا على وجوههم. ــ هم مننا سواء أنجزوا أم أخطأوا ومن حقنا أن نسألهم ولكن لا نذبحهم. على أن «هيكل» لم يكمل الحديث عن «عبد الناصر» وقام من مكانه فجأة وهو يقول: ــ ضحكت علينا يا أحمد جئنا ننصحك بالعزلة عن الناس فورطتنا فى أحاديث السياسة. هب «أحمد زكى» من مكانه واقفا وتصورنا أنه سيصافح «هيكل» ويودعه ولكننا وجدنا صوته يتغير فجأة ليتجسد «عبد الناصر» وهو على منبر جامع الأزهر ويلقى فقرات من خطابه الشهير بعد العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦. حدث الشىء نفسه فى المرة الأولى التى فحصه فيها الدكتور «عوض تاج الدين» ولكن الخطاب كان هذه المرة خطاب «السادات» فى الكنيست الذى كان لا يزال يحفظه كاملا. لم يعلق «هيكل» على ما سمع ولكنه أراد تجنب العودة إلى الحديث عن «عبد الناصر» ليسأله: ــ هل أنت مصر على فيلم «حليم»؟ ــ هذا حلمى منذ خمسة وعشرين سنة. ــ لكن لما لا تنتظر حتى تتجاوز أزمة المرض؟ ــ إننى مستعد لاختصار نصف ما بقى من عمرى لتمثيل «حليم» الذى سيستهلك النصف الآخر. لم يجد «هيكل» ما يعترض به على جنون ممثل بدور يحلم به منذ كان شابا. استأذن «هيكل» فى الانصراف ولكن «عبد الحليم حافظ» ظل متلبسا «أحمد زكى» الذى انفجر غاضبا فجأة وهو يوجه كلامه إلى ضمير مجهول قائلا: «هم يتهموننى بأنى أمثل أدوارا تاريخية. تاريخية أيه؟ كل الحكاية فيلمين عن ناصر والسادات ضمن خمسين فيلما مثلتها فى خمسة وعشرين سنة. إننى لا أمثل إلا بمزاجى. واستمتع بالفن من أجل الفن. ليست لدى متعة أخرى. وما أكسبه أصرفه. والحكاية ليست شغل وخلاص. يبقى ليه يتهموننى عمال على بطال؟». «المشكلة الأكبر بدأت عندما فكرت فى فيلم حليم. وجدت عوائق مزعجة جدا. فجأة وجدت كل الناس تفكر فى عمل عنه بمجرد أن فكرت أنا رغم أن كان أمامهم ٢٥ سنة لم يفكروا فيها إلا بعد أن أبديت رغبتى فى تمثيل حليم». «تخيلوا أن هناك مسلسلًا فى سبع حلقات عن عبد الحليم ظهر بعنوان «موعود بالعذاب» ومثل عماد عبد الحليم دور حليم ومثلت فردوس عبد الحميد دور شقيقته علية وأخرجه عادل صادق ومع ذلك لا أحد يتذكر هذا المسلسل». «كل ما أطلبه ألا يضع أحد العوائق أمامى لأن كل ما أريد أن أقوم بأعمال جيدة رغم المرض لكن أنا بحلم وأتمنى أن أجد من ينفذ أحلامى. نفسى ألاقى الناس متحمسة وتتخلص من السكوت الذى تعيش فيه». كانت هذه نصوص عباراته فى آخر حديث صحفى أجراه ونشرته فى «صوت الأمة». تحمس «عماد الدين أديب» للفيلم حبا لصديقه «أحمد زكى» وتنفيذا لرغبة بدت أنها الرغبة الأخيرة ولكن فوجئنا بهجوم عليه يتهمه باستغلال مرضه فى تحقيق مكاسب مادية بتنفيذ الفيلم ولم يكن ذلك صحيحا بالمرة فقد دفع «عماد الدين أديب» أعلى أجر حصل عليه «أحمد زكى» فى حياته ليتركه إلى ابنه هيثم الذى لم يكن أكمل تعليمه فى جامعة خاصة. بل تعرضنا أنا ورغدة لانتقادات حادة لأننا تركنا «أحمد زكى» يمثل ما استطاع من مشاهد الفيلم مما أثر على صحته وكنا الأقرب إليه فى شهور المرض. والحقيقة أننا حاولنا جاهدين لمنعه من مغامرة «حليم» ليس لأسباب صحية فقط وإنما لأسباب فنية أيضا فالأفلام التى تروى قصص المشاهير تستبعد العيوب والأخطاء فى حياتهم خوفا من المساءلة القانونية مما يفقد الدراما حيويتها. لكنه كان «أحمد زكى» مستعدا أن يموت ولو صور ثلاثة مشاهد فقط من الفيلم وعندما انتهى من تصوير أغنية «قارئة الفنجان» بدا أنه يعيش آخر لحظات سعيدة فى حياته. إنها الأغنية المفضلة لديه فلا فنجان يشبه فنجانه ولا أحزان تشبه أحزانه ومقدوره أن «يمضى أبدا فى بحر الحب بغير قلوع وتكون حياتك طول العمر كتاب دموع». والحقيقة أن «شريف عرفة» لم يقبل إخراج الفيلم إلا بعد أن ضغط عليه «عماد الدين أديب» بطريقة أو بأخرى ورغم أنه ظل يعدل فى السيناريو أكثر من مرة إلا أنه كان يعرف مسبقا أن الفيلم لن ينال النجاح الذى تعود عليه. فى ذلك الوقت المتأخر من حياته بدا «أحمد زكى» وكأنه يحارب السرطان بالتفاؤل حتى إنه تحدث فى حواره الأخير معى عما أسماه «حلم مواطن»: «أنا حلمى كمواطن مصرى عربى أن يعرف الناس حقيقة ما يسمعون. نفسى يعرفوا يعنى إيه تأميم؟ يعنى إيه ضربة جوية؟ ما حدث فى ثورة ١٩١٩؟ نفسى السينما تقدم تاريخنا صح وتهتم به. وأنا كمواطن ومشخصاتى يهمنى رصد ما يشغل رجل الشارع ورصد أحلامه وأحزانه وطموحه بأمانة. «دى شغلتى» لكن يا ريت لا يتهمونى بأننى أعمل شخصيات تاريخية». لم تكن هذه كلمات رجل على حافة الموت ولكنها كلمات رجل يضع الدنيا كلها فى جيبه. يواصل حديثه: «أنا شايف أن الفن والصحافة هدفهما واحد وكما تلقى الصحافة الضوء على السلبيات وتفضحها حتى يخاف كل من تسول له نفسه أن يرتكب خطأ فإن الفن عليه الشيء نفسه. « لكن لا بد أيضا أن نلقى الضوء على النماذج المضيئة فى حياتنا مثل عبد الحليم حافظ وسعد زغلول ومحمد نجيب حتى يعرفهم شبابنا ويفرحوا بتاريخهم وأبطالهم. «هؤلاء الأبطال سيعلمون شبابنا الانتماء إلى الوطن وسينهون حالة اللامبالاة التى أريد أن تمسح من حياة الشباب التى تشغلنى أكثر مما يمكن أن تتصوروا. كانت هذه وصيته الفنية رغم أنه لم يقصدها. أضاف: «طبعا كلنا نعرف ما معنى الخطة الخمسية التى تنفذ فى الاقتصاد والإسكان والتعليم وغيرها. أنا فكرت أعمل خطة خمسية فى الفن. فكرت نجمع الكتاب والصحفيين ليكتبوا عن النماذج المضيئة فى حياتنا حتى يكون لدينا مخزون من القصص الرائعة من قصة العسكرى البسيط الذى رفض الرشوة إلى الزعماء الذين غيروا الحياة فى مصر. «أنا قدمت شخصية طه حسين فى مسلسل الأيام منذ عشرين سنة تقريبا وعندما كنت فى فرنسا قابلت عددا من الشباب المغربى وعرفت منهم أنهم دخلوا الجامعة فى مصر من شدة إعجابهم بطه حسين. تخيلوا مسلسلًا واحدًا جعل الناس تحضر من بلادها حتى تتعلم عندنا فى مصر والله. «أنا أحلم بشخصيات كثيرة وأتمنى أن أقدم حتى الشخصيات الدينية ولكن المهم أن ننفذ ذلك بشكل جيد وبكثير من العلم. «ويصعب على أن أسمع جملة «يا عم اشترى دماغك». لم يشتر «أحمد زكى» دماغك وإنما اشترى الموت حياته. شريف عرفة بعد جلسات العلاج بالكيماوى كان يحاور السرطان ويتكلم معه وعظامه تغلى عماد أديب يحقق له أمنية عمرها ٢٥ سنة ويتعاقد معه على فيلم حليم عماد الدين أديب هيكل المتهمون الأغنياء عبثوا بمبررات الحبس الاحتياطى وهم فى السجن بواسطة رجالهم ومحاميهم طلقة حبر عادل حمودة يكتب: بدائل الحبس الاحتياطى تدعم حقوق الإنسان فى مصر مقال نعيد نشره.. لمَ ؟ عندما نشر هذا المقال رحبت به منصات التواصل الاجتماعى ولكن فى الوقت نفسه تلقيت مكالمات من صحفيين وحقوقيين وأعضاء فى مجلسى البرلمان يطلبون إعادة نشر المقال ليصل إلى عدد أكبر من المهتمين بهذه القضية الحيوية فى نسخة أصلية ورقية لتكون مرجعًا موثقًا لهم. كما أن هناك أعدادًا لا تزال تجد متعتها وتركيزها فى النسخة الورقية. الكاتب بالضرورة ضد الظلم. يرفض كل ما يجعل العالم مرعبا ومظلما وقبيحا. يقف دائما مع الحرية ضد الفاشية ومع النور ضد العتمة ومع اللحم البشرى ضد طعنات الخنجر. لن أتفلسف عليكم ولن أعقد الأمور ولن ألف وأدور. ببساطة أتحدث عن الحبس الاحتياطى. جاءت السيرة عندما شاهدت الفيلم الأمريكى «دستيبرب» ولن تصدقوا أن ما جاء بالسيرة على خاطرى فيلم أمريكى اسمه «دستيبرب» أو «اضطراب» الذى يروى قصة شاب اسمه «شيا لابوف» يشعر بالذنب لوفاة والده فى حادث نجا هو منه وفى لحظة غضب يلكم معلم اللغة الإسبانية ويتفهم القاضى ظروفه النفسية فيحكم عليه بالبقاء فى بيته لا يغادره ثلاثة أشهر ووضع حول ساقه سوارا إلكترونيا يحرمه من التحرك أبعد من عدة أمتار محدودة عن بيته ولو خالف ذلك ينفذ العقوبة فى السجن وأكثر من ذلك يدفع ٦٠ دولارا يوميا للشرطة تكاليف مراقبة احتجازه. تبدو العقوبة مريحة لكنها فى الحقيقة تسبب له اضطرابا نفسيا وعصبيا بسبب عزلته عن العالم الخارجى فلا يجد أمامه سوى مشاهدة التليفزيون أو ألعاب الفيديو ولا يتوافر له سوى طعام «البيتزا». إن السجن سجن ولو فى الجنة. وسبق أن راقبت الشرطة الدولية «الإنتربول» تاجر السلاح «عدنان خاشقجى» بوضع سوار إلكترونى حول معصمه يسمح بتحديد مكانه على خريطة العالم ويسجل أحاديثه ولو كانت شديدة الخصوصية مما جعله يتلعثم عندما يتكلم. إن المراقبة القضائية الإلكترونية تعبير بليغ عن براعة ثورة التكنولوجيا الرقمية فى دعم حقوق الإنسان بعيدا عن زنازين السجون الموحشة والتى تحول المجرم الصغير أحيانا إلى زعيم عصابة. إنها وسيلة حديثة عصرية يمكن استخدامها مع المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا لم ينته التحقيق فيها ولم تنظرها المحاكم أو لم تصدر فيها حكما. هناك مبررات شائعة للحبس الاحتياطى منها الخوف من هروب المتهم والخوف من الإخلال الجسيم بالنظام العام الذى يترتب على جسامة الجريمة أو عدم وجود محل إقامة ثابت للمتهم. يضاف إلى ذلك الخوف من تأثير المتهم مباشرة على المجنى عليه أو الشهود أو إفساد أدلة اتهامه أو تغيير معالم الجريمة أو طمسها. والحقيقة أن المتهمين من أصحاب الثروات قادرون على تغيير وتحسين مواقفهم فى القضايا المتهمين فيها بواسطة محامين يدافعون عنهم أو مساعدين ينفذون تعليماتهم وهم يملكون المال الوفير ليحققوا ما يريدون وهم وراء القضبان. هكذا فإن مبررات الحبس الاحتياطى ليست محصنة دائما وغالبا لا يستسلم لها سوى الفقراء والبسطاء. كما أن كثيرًا من القضايا لا تزيد عن محاضر ضبط ومحاضر تحريات كتبها ضباط شرطة لا علاقة لهم بالمتهمين ولن يفسدوا مستندات الدعوى. بالقطع يسبب الحبس الاحتياطى تقييدا للحرية بجميع أشكالها ولكن الأخطر أنه يشوه سمعة المتهم ويعرضه للفضيحة العلنية رغم أنه لا يزال بريئا ولم يحكم عليه حكما باتا نهائيا. وكثير من الذين نفذوا حبسا احتياطيا وأفرج عنهم دون إحالتهم إلى محاكمة فقدوا وظائفهم واضطربت أسرهم وظل مجرما فى عيون من حوله. وكل ما يميز المحبوس احتياطيا عن غيره فى السجن هو ارتداء ملابس بيضاء كما إنه. والخطر أن يستخدم الحبس الاحتياطى كعقوبة رغم عدم الإدانة. والحد الأقصى للحبس الاحتياطى سنتان حتى لو كانت عقوبة الجريمة المتهم بها شخص ما أقل من هذه المدة. وأغلب الظن أن التعديلات المقترحة على قانون «الإجراءات الجنائية» يمكن أن يخفض الحد الأعلى ويخفضه إلى أربعة أشهر فى الجنح وثمانية أشهر فى الجنايات مثلما يحدث فى فرنسا التى نتأثر بها تشريعيا. وتزداد الحاجة لتقييد الحبس الاحتياطى فى فترات الأوبئة مثل جائحة كورونا لان الإجراءات الاحترازية تكلف مليارات إضافية فى العزل والتباعد وتوفير مناطق علاجية خاصة. والمؤكد أن تخفيض أعداد المحبوسين احتياطيا سيوفر المليارات التى تنفقها الحكومة على معيشتهم فى السجون ورعايتهم طبيا وحراستهم عسكريا ومراقبتهم أمنيا وربما يؤدى ذلك إلى تقلص عدد السجون والاستفادة من أرضها ومبانيها استثماريا تنفيذا لقاعدة «افتح مصنعا تغلق سجنا». وحسب ما هو معلن فإن مجلس النواب يعدل قانون «الإجراءات الجنائية» ويضع الحبس الاحتياطى فى مقدمة اهتماماته ويقترح بدائل أخرى له تخفف الكثير من آثاره السيئة فى اتجاه نحو المزيد من حقوق الإنسان. إن السوار الإلكترونى سيكون بديلا حاسما. سوار يلف حول المعصم أو الساق ويحدد أقصى مسافة يتحرك فيها المحبوس احتياطيا فإذا تجاوزها أضيئ النور الأحمر بدلا من النور الأخضر جاءت الشرطة لتنذره مرة واثنين وثلاثة وفى المرة الرابعة تحمله إلى السجن ليقضى فيه حبسه الاحتياطى. ويمكن أن يتحمل المتهم تكاليف احتجازه حسب ما يحدث فى غالبية دول العالم التى تفضل هذا الأسلوب. ومثل هذا الأسلوب يمكن تطبيقه على من يتحمل تكلفة الاحتجاز أو أصحاب الأمراض المزمنة والخطرة الذين يناسبهم الرعاية الطبية المنزلية لكن لا مفر من انتقالهم إلى السجون إذا ما صدرت أحكام ضدهم لا بد من تنفيذها. وحسب ما عرفت من مسئول يعرف ما يقول فإن هناك أعدادا كبيرة من المحبوسين احتياطيا كتبوا ونشروا «تويتات» على المنصات الاجتماعية تهدد السلم العام وتحرض على الفوضى وهذه الأعداد الكبيرة تشكل ضغطا على جهات القبض وجهات التحقيق وعنابر السجون والمحاكم الابتدائية والاستئنافية. هنا لا بد من التفرقة بين حرية التعبير وارتكاب جريمة التحريض. وفى حالة اعتبار ما حدث جريمة يمكن أن يقر المشرع غرامة عاجلة عقابا على السابقة الأولى فإذا تكررت الجريمة تضاعفت الغرامة وفى المرة الثالثة يكون السجن. إن مثل هذا الإجراء سيخفف من نفور الشباب مما حولهم ويعيد ارتباطهم بالوطن وهو ما تسعى إليه الدولة ويصب فى مجرى الانتماء العام. حدث أن وجد النائب العام الأسبق المستشار «عبد المجيد محمود» أن أعداد الشباب الذين يتعاطون مخدرا عابرا يرفع عدد القضايا المعروضة على الحاكم بمعدل يصل أحيانا إلى ٢٠ ألف قضية شهريا ولاحظ أن كل قضية تحتاج إلى أمناء شرطة يحرسونهم ووكلاء نيابة يحققون معهم وأماكن وقاعات محاكم وعنابر سجون. قرر أن يصرفهم من سرايا النيابة حفاظا على مستقبلهم مع التنبيه عليهم بعدم تكرار ما فعلوا وإلا كان العقاب الجنائى فى انتظارهم. يمكن الاستفادة من هذه التجربة فى الاتهامات التى لا حصر لها التى توجه إلى شباب المنصات الاجتماعية. ليس لأن الرحمة فوق العدل أحيانا ولكن لان التكلفة المعنوية التى يدفعها المجتمع لا تقل عن التكلفة المادية التى يتحملها. وغالبا ما تكون الغرامة رادعا. فلو دفع شاب عشرة آلاف جنيه مقابل عشرة سطور كتبها ونشرها فلن يكرر ما فعل. إنها طريقة غير عقابية وإن كانت جنائية تخفف من ازدحام السجون وتبعد المتهم عن مخالطة رفاق السوء داخل الزنازين حتى لا يخرج إلى الحرية مرة أخرى وهو أكثر نقمة وأكثر غضبا وأكثر تمردا وكأن العقوبة لم تصلحه بل أفسدته. ولا شك أن تخفيض مدة الحبس الاحتياطى والالتزام بها سيوفر على الدولة دفع تعويضات لمن ثبت أن التعامل معه كان متعسفا وأن وجوده وراء القضبان كان متجاوزا. ولا تتوقف بدائل الحبس الاحتياطى التى حددها القانون الحالى ومنها: إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه. إلزام المتهم بتقديم نفسه لقسم الشرطة فى أوقات محددة. حظر ارتياد المتهم أماكن محددة. ولو كان هناك خوف من الهروب إلى الخارج فليس أسهل من وضعه على قوائم الممنوعين من السفر. ولا بد للجنة متعددة الجهات التى تعدل من القانون أن تبحث مدى ضرورة الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق اللتين تتمتع بهما النيابة العامة. وما دام الحبس الاحتياطى نوعا من العقاب مهما بدت أسبابه فإن المناسب قانونا أن يصدر بقرار عن لجنة قضائية مشكلة من ثلاثة قضاة كما يحدث فى فرنسا. وحسب المادة (١٣٤) من القانون الحالى فإن الحبس الاحتياطى يجوز فى حالة وجود جنحة أو جناية المعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن سنة وأتصور أن التعديلات يجب أن تمتد إلى هذه المادة لترفع مدة العقوبة التى تجيز الحبس الاحتياطى إلى ثلاث سنوات. إن المثير للدهشة أن التعديلات السابقة فى القانون لم تكن فى صالح المتهم. فى قانون عام ١٩٥٠ كانت مدة الحبس الاحتياطى لا تجاوز ستة أشهر
مشاركة :