اللهم اعطنا خير هذا الضحك

  • 8/19/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

(الله يعطينا خير هذا الضحك)، مقولة اعتاد الأغلبية قولها، حين يغمرهم الضحك على مواقف مرت بهم، أو ذكريات طريفة لازالت في الذاكرة، أو جلسة مع شخصية خفيفة الظل طيبة المعشر، معروفة بدهشتها وعفويتها، أو أخرى بتعليقاتها الساخرة على بعض المواقف أو الأشخاص. (الله يعطينا خير هذا الضحك)، عبارة تشاؤمية، لا ينبغي أن نعتمدها في جلساتنا الممتعة والمريحة بلقاء أصدقاء اشتقنا لهم، أو في جلسات عائلية قلما تجمعهم ضحكات مؤنسة في زمن مختلف تراجعت فيه الضحكات النابعة من القلب، جراء ما سبّبته التقنية الحديثة، من تباعد وشتات أفكار، وتناقض ميول، وجراء اللهث خلف مشاغل الحياة التي لا تنتهي. ويرتبط الضحك في أذهاننا، بالفرح والسرور، ونحكم على الشخص الضاحك دوماً، بأنه سعيد، بينما الحقائق تعكس مفاهيم أخرى: فربما يكون منجماً للأحزان. ولو تناولنا الضحك من الناحية الدينية، فقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام، عن (كثرة الضحك)، لاحظوا كثرته، وليس الضحك في حدّ ذاته، فقال: (إياكم وكثرة الضحك، فإنها تميت القلب، وتذهب بنور الوجه). وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( من كثر ضحكه، قلّت هيبته). والضحك في الأصل مباح، بل ومحبّب، وكثرته، وبعض أسبابه، ممقوتة ومستهجنة، علماً بأن الضحك من القلب في جلساتنا، صار نادراً، وصار كثيرون يكتفون بالتبسُّم حباً، وأحياناً تكلُّفاً، لعلمهم أن في تبسّمهم صدقة، لذا يحرص الأغلبية على ذلك اقتداءً بسيد البشر محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فقد كان ضحكه تبسُّماً، لكنه ضحك عليه الصلاة والسلام دون (قهقهة) والممقوتة في الضحك. قال الأمام الترمذي -رحمه الله- في كتابه شمائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان هديه في الضحك وسطاً كسائر أموره، جُل ضحكه التبسُّم، وإذا ضحك بصوت، لا يكون قهقهة، وإنما بصوت يسمعه القريب منه دون البعيد ، ومن هنا كانت أقسام الضحك ثلاثة: التبسُّم ، الضحك الوسط والضحك قهقهةً ، وقد سئل ابن عمر عن أصحاب رسول الله، وهل كانوا يضحكون، قال رضي الله عنه:( نعم كانوا يضحكون والإيمان في قلوبهم كالجبل ). ومن هنا نفهم أن الضحك، أمر محبّب، وأنه يريح النفس، وأصبحت الضحكات النابعة صدقاً من القلب، نادرة ، فلماذا نقتل الفرح بها بالتشاؤم؟ وأنها قد تكون نذير شر، أو نقيّده بالخوف منه، ونربطه بحدوث السوء؟ فللضحك فوائد صحية ونفسية، حين يكون معتدلاً ومنضبطاً، إذ تقول الدارسات إن الضحك يخفِّف من الضغط النفسي، وأقل ما ينصح به الطبيب النفسي مراجعيه، هو أن يعيشوا لحظات ممتعة فيها مزيد من الضحكات والابتسامات والتفاؤل، وأفادوا بأن الضحك يحسن من المزاج، ويرفع مستوى الأكسجين، ويحفز القلب والرئتين والدورة الدموية، ويفيد في الاسترخاء والراحة ويزيل التوتر ، وليس هناك من جلسة جمعتنا بشخصيات ودودة مرحة، إلا وخرجنا من الجلسة بطاقة إيجابية عالية جداً، ورغم أهمية الضحك ودوره في معنوياتنا وراحتنا وحياتنا، إلا أن للضحك آداب وأصول يجب التوقف عندها، حتى لا يكون الضحك وبالاً على جلساتنا. ومن أهم تلك الآداب: (ألا يكون الضحك قهقهةً، وألا يكون سخريةً ممّا خلق الله، أو آياته الكونية، أو الشرعية، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، ثم ألا يكون استخفافاً بأحد، أو تنكيلاً بغافل أو ضعيف أو شماتة والعياذ بالله). ومن أسوأ السلوكيات، أولئك الذين يتخذون من مصطلح ( الطقطقة ) على أشخاص، بدعوى المزاح، وليجعلوا الجالسين يضحكون، غير عالمين أن هذه (الطقطقة) مصطلح لا أخلاقي، يحملهم ذنوباً هم أضعف منها بين يدي الله(هداهم الله). دعوني أختم بملاحظة قيِّمة: ذلك أن ما من أمر نهى عنه الرسول، إلا وفيه خير لنا، وقد نهى عن كثرة الضحك، وهناك دراسات صحية أكدت أن الدخول في نوبة ضحك، قد تؤدي للإختناق، إضافة إلى أن كثرة الضحك، تضيع الهيبة، وتفقد الشخص قيمته. هذا الجانب السلبي للضحك، أما الجانب الإيجابي، فكم نتمنى أن تحرص العائلات والأصدقاء على جلسات مرحة ممتعة تدخل السرور على نفوسهم وسط ضجيج الحياة وهمومها، فالضحك حياة، ولا يجلب إلا الراحة، فلا تخافوا منه، اللهم اجعلنا وإياكم من الضاحكين المستبشرين في الدنيا والآخرة ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً)

مشاركة :