عاتبت الشاعرة الفرنكو جزائرية لويزة ناظور المثقفين العرب الموجودين على الساحة الفرنسية لغيابهم التام عن نشاطات الساحة الباريسية التي تعج بالمؤسسات الثقافية والهيئات الأدبية والشعرية. لويزة ناظور، شاعرة جزائرية، ولدت بفرنسا وترعرعت بها، اشتغلت بالإعلام وبالترجمة. لها دواوين شعرية باللغتين الفرنسية والعربية كان آخرها «تنهض بعيدا بك».. «عكاظ» حاورتها عن دواوينها وعن الساحة الثقافية الباريسية. • الساحة الثقافية الباريسية تعج بكثير من الجمعيات والهيئات الثقافية التي تعتني بالثقافة العربية، هل تؤدي دورها الثقافي لتعرف بالثقافة العربية كما ينبغي؟ •• يجب أولا أن نتفاءل بوجود هذه المؤسسات الثقافية التي تنشط على الساحة الباريسية التي تحاول إبراز الأدب العربي والثقافي في فرنسا. وإن كان العتب يوجه لكبار المثقفين العرب الموجودين على الساحة الفرنسية الذين غاب حضورهم عن مثل هذه النشاطات. وأحيانا تتأخر في حضورها الثقافي أو تفويت بعض المناسبات التي يجب أن تكون حاضرة فيها. وإن وجد هناك «تطفل» ثقافي لبعض هذه المؤسسات التي لا ترقى لمستوى التمثيل الثقافي العربي، فاللوم لا يقع عليها بل يقع على عاتق المؤسسات المخولة للتمثيل الثقافي والغائبة عن الساحة الثقافية، حيث كان يجب أن تكثف حضورها. ولكن دعيني أقول لك إن هذه المؤسسات قليلة وتعد على أصابع اليد. المؤسسات التي ترقى لتمثيل الثقافة والأدب العربي، لا تقوم بدورها. وهو ما نلاحظه في الغياب الثقافي، وإن وجد فهو ضئيل ومناسباتي. فمثلا الدول العربية بقدر ما تساهم في تمويل معهد العالم العربي، فهي غائبة ثقافيا أمام الجالية العربية التي تصبو للتواصل مع الوطن الأم ومع ثقافات الوطن الأم. • ديوانك الريشة والأسفار الذي صدر باللغة العربية، ترجم إلى الفرنسية.. هل كان للديوان الصادر المترجم صدى لدى القارئ الفرنسي؟ •• كان من الصعب أن أجد دار نشر تنشر الديوان باللغتين، أولا لأنني كتبت الديوان باللغة العربية، وكانت الفكرة أن أتواصل مع القارئ الفرنسي، فترجمت ما كتبت، لأن الفرنسية هي الجسر الذي يمد بيننا وبين القارئ الفرنسي ليعرف إبداعاتنا وثقافتنا العربية، وبما أنني أؤمن أن اللغة الأولى للإحساس وللشاعرية هي اللغة العربية كان لا بد أن أنقل تلك الشاعرية للقارئ الفرنسي، ليدرك ما يميزنا من جمالية وثراء لغوي وإبداعي. • هل استطعت الحفاظ على الشاعرية الموجودة في النسخة العربية من «الريشة والأسفار» في النسخة المترجمة؟ •• اللغة العربية لغة راقية ولها جمالياتها، تمنحنا كل التقنيات والأدوات لقول ما نريد قوله. أما الديوان الصادر باللغة الفرنسية، فقد سلكت به أسلوب الخيانة، ليليق بشرف الغواية الشعرية التي نمارسها.. لحد ما وفقت في نقل الصورة الجمالية في القصيدة العربية واستطعت أن أبث نوعا من الروحية التي تلبسها قصيدتي باللغة العربية.. لكن تبقى قصيدتي أبلغ باللغة العربية من اللغة الفرنسية رغم ما تحمله من شاعرية وجمالية في هذه اللغة. • «أوديسا الكلمات» الصادر عن دار النشر بورداريك، في سلسلة الدواوين الفنية، رافقك فيها الفنان التشيكيلي غاني غوار بلوحات فنية تجسد قصائدك في منحنيات اللون والضوء.. هل مواضيع غاني غوار ألهمت لويزة أم العكس؟ •• هو ثاني ديوان لي يندرج في سلسلة الدواوين الفنية في نسخة مميزة تحمل لوحات مصحوبة بقصائد مكتوبة بالفرنسية ومترجمة إلى العربية، وخطها الفنان الجزائري غاني غوار بالكوريغرافيا على لوحاته، فتشكلت ثنائية فنية بين الكلمة والحرف واللون والضوء. القاسم المشترك هو ذاك الإبداع بين الفنان التشكيلي والشاعر، فالظلال التي تحملها لوحات الفنان، قد تحملها قصيدة كتبت في التقاء لحظات الغياب. فكل مبدع خطف من نفسه.. وقد يلتقي الشاعر بالرسام في لحظات «الخطف» فتكون اللوحة بهية في حالتها التجريدية أو في شكلها القصائدي. • إذن ما القاسم المشترك في لوحات كمال يحياوي أو غاني غوار في «تجليات» قصائد لويزة ناظور؟ •• أردت في دواويني المشتركة سواء مع غاني غوار أو كمال يحياوي أن أجسد ذاك القاسم المشترك بين لوحات الفنان والشاعر.. لأن لوحات الفنان التشكيلي هي تجسيد لقصائد.. وقصائد الشاعر هي رسم للأحاسيس.. فالعامل المشترك هو الهموم.. فلا نعطي مفاتيح الخيال ولكن نعطي اللحظة للخيال.. فكل شخص له أن يتعامل مع اللوحة أو القصيدة في لحظة القراءة. • الكاتب الفرنكو جزائري أنور بن مالك قال إن شعرك موسوم بالتصوف، هل هذا صحيح؟ •• كثيرا ما قيل لي إنه صورة جديدة للشعر الصوفي.. وأنا لا أنكر ذلك، فهي صورة من الصور الشعرية.. فامتدادي ونشأتي وقربي من الروحيات، تجسد في كتاباتي وفي قصائدي. لكن هذا لا يعني أن قصائدي كلها بهذا النوع من الروحيات. أجد نفسي كثيرا في تعدد صور اللحظات الإبداعية، فقد ألجأ للتجليات للتعبير عن فكرة ما، كما قد ألجأ للوصف الواقعي لإيصال فكرة أخرى وهكذا. بالإضافة إلى ازدواجية اللغة التي ساعدتني في إحضار صور لغوية وجمالية موجودة في الأدب الفرنسي، فكل لغة لها حضورها وجماليتها.. فحين نمسك بخيوط الترجمة يساعدنا ذلك في استعارة الكثير من الصور الجمالية الموجودة باللغة الفرنسية، وحين نتقن الترجمة فبالتأكيد نتقن تلك الخيانة المحبذة. • القارئ الفرنسي صعب المزاج ولا يقبل إلا بالمميز، فهل ترين للعرب حضورا في المكتبات الفرنسية؟ •• فعلا القارئ الفرنسي من أصعب القراء في العالم، لكن هناك تراجعا نوعا ما عن القراءة.. ربما ذلك راجع لتأثير الأزمة على الحياة العامة. والدليل على ذلك معرض الكتاب الفرنسي والمعرض المغربي بباريس. هذان المعرضان لم يعودا يلقيان الإقبال نفسه الذي كان في السابق. بالإضافة لدور النشر التي لم تعد تنشر إلا للأسماء المعروفة والمشهورة. اليوم وصلنا إلى عتبة «الاستقالة الثقافية.» لكن هذا لا يعني أن إصدارات العرب لا تلقى متلقيا، بل بالعكس هناك إقبال ولو نسبيا في بعض المناطق.. ويختلف ذلك حسب الترويج والإشهار للمؤلف. • «باريس كما يراها العرب»، عنوان صدر أخيرا وهو تأليف مشترك لمجموعة من الأسماء الأدبية والسياسية، وكنت من بين الأقلام التي شاركت في هذه الطبعة بنص عنوانه «مدينة تصدح بتراتيل الحب والتاريخ». •• نعم كان لي الشرف أن أكون ضمن الـ13 اسما كتب في هذا الإصدار. كان موضوع الإصدار باريس كما يراها المغتربون الذين يعيشون فيها.. كتبت نصي وأنا أجلس في شرفة مقهي باريسي أرتشف فنجان قهوة.. وجاءتني الفكرة وأنا أجلس في هذا المقهى، حيث كانت تصدح موسيقى الجاز، وأمامي يجلس عاشقان وبجانبي أرى نهر السين وفي الأفق أرى شوارعها الملهمة. فباريس أقرب إلى روحي، فكتبت نصا عنونته «مدينة تصدح بتراتيل الحب والتاريخ» في ذاك المقهى الذي منحني المفارقة أن أجمع جمال المدينة الصاخبة، واللحظة التي تسترجع بعضا من تاريخها.. ولا أنسى أنه ليس بعيدا عن المكان الذي ارتشف به قهوتي تترنح أجساد الجزائريين الذي ألقوا بهم في نهر السين ذات 17 من شهر أكتوبر 1961.
مشاركة :