في قلب أرمينيا، حيث تلتقي سماء صيف أغسطس بالمياه العميقة، تستلقي بحيرة سيفان، تلك الجوهرة الزرقاء الخلابة التي تُعد واحدة من أعظم المعالم الطبيعية في البلاد. تقع بحيرة سيفان على ارتفاع نحو 1900 متر فوق مستوى البحر، وهي ليست فقط واحدة من أكبر البحيرات العذبة في العالم، بل إنها تمتلك أيضاً تاريخاً وثقافة غنية تعود لآلاف السنين. بدأت رحلتي إلى بحيرة سيفان من العاصمة يريفان، حيث أقلتني حافلة صغيرة «مارشروتكا» من محطة الحافلات المركزية. الطريق إلى البحيرة كان مذهلاً مليئاً بالمناظر الطبيعية الخلابة من الجبال الشاهقة والوديان الخضراء التي تزين الأفق، والذي يستغرق نحو ساعة ونصف الساعة. عند وصولي، كانت النظرة الأولى إلى بحيرة سيفان باهرة، المياه الزرقاء الصافية التي تمتد حتى الأفق محاطة بالجبال الرمادية والخضراء، وترسم منظراً يأسر الألباب. ومع التحري أكثر عن هذا المكان، اكتشفت أن البحيرة لم تكن دائماً بهذا الحجم الكبير، ففي العام 1930، تم بناء سد لزيادة مستوى المياه، ما أدى إلى تغيّر النظام البيئي والجغرافي للمنطقة. سيفان التي كانت في الأصل جزيرة، تحوّلت إلى شبه جزيرة نتيجة التغيرات الجغرافية التي نجمت عن بناء السد. تاريخياً كانت الجزيرة موقعاً لدور عبادة عدة منذ العصور القديمة، واستمرت في كونها مركزاً روحياً وثقافياً مهماً في المنطقة. الدير الموجود اليوم، دير سيفانافانك، يعود بناؤه إلى القرن الرابع الميلادي، ويضم كنائس قديمة تظهر العمارة والفنون التي تطورت في أرمينيا عبر العصور. أحد الأمور المثيرة للاهتمام حول بحيرة سيفان هو تنوع الحياة البرية التي تسكن فيها وحولها. البحيرة موطن لأنواع متعدد من الأسماك، أبرزها سمك الإسقمري السيفاني، وهو نوع نادر لا يوجد إلا هنا. كما أن البحيرة ومحيطها يعجان بالطيور مثل النورس والبجع، ما يجعلها مكاناً رائعاً لمحبي مراقبة الطيور. أثناء إقامتي، قمت بالصعود إلى سيفانافانك، حيث المناظر البانورامية المذهلة للبحيرة والجبال المحيطة. على الرغم من كون الصعود إلى الدير متعباً بعض الشيء، فإنه يستحق الجهد بكل تأكيد لما يوفره من مناظر لا تُنسى. للسياح الراغبين في تجربة أكثر إثارة، يوفر محيط بحيرة سيفان فرصاً لممارسة الرياضات المائية مثل التجديف والسباحة، وكذلك الرحلات البيئية التي تسمح بالتعرف على النظام البيئي الفريد للمنطقة. زيارتي لبحيرة سيفان فتحت عينيّ على جمال أرمينيا الطبيعي وتراثها الثقافي الغني. إنها حقاً مكان يستحق الزيارة لكل من يبحث عن الجمال الطبيعي والتاريخ العريق.
مشاركة :