د. عبدالله الغذامي يكتب: شجرة النسق

  • 8/31/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لنتعرف على شجرة النسق ومضمراته الثقافية نبدأ من قول أدونيس: (مالكٌ ملكه الأرض والسماء شَعره النبات جسده الأقاليم عروقه الأنهار ويداه جناحان يمشي بهما في الفضاء ظاهره برٌّ باطنه بحر ٌ). وهنا يتكشف المضمر من تحت الظاهر، وهذه الصورة الأسطورية جاءت من نسق الشعرية الذي تشكل من رحم الشعر العربي منذ الجاهلية ليبلغ هرمه الدلالي على لسان شاعر تراه الثقافة العامة الرمزَ الأخطر للحداثة. والسؤال هنا: فكيف يكون حداثياً ورجعياً في آن؟ وسنرى علامة ذلك الانقلاب، حيث يقول أدونيس إن الأساس هو الشاعر لا الشعر، وهنا تكون الذات أكبر من الموضوع ومن اللغة، وديوانه الذي فيه هذه القصيدة يحمل عنوان (مفرد بصيغة الجمع)، وهذا المفرد هو الشاعر تحديداً الذي هو الكل المطلق، وهذا الكل المطلق ابتدأ منذ الجاهلية مع عمرو بن كلثوم (ملأنا البر حتى ضاق منا/ وماء البحر نملؤه سفينا)، ومضى هذا المعنى يتجذر عابراً للقرون ويتجدد مع الشعراء، فالحمداني يقول: (لنا الصدر دون العالمين أو القبر)، ونزار قباني يقول: (جربت أنواع العبادة كلّها/ فوجدت أحسنها عبادة ذاتي)، ولم يك هذا خارج سياق المضمر الثقافي، فنحن نرى ذلك أولاً في شعرنا في كل مراحله ولم ينقطع قط، وظل يعمر الخطاب الشعري ويعمر استشهادات الذاكرة. فكلنا نتذوق ونطرب للمتنبي وأناه المتضخمة ولا نخجل من تمجيد ذلك التضخم مع الذات النافية لغيرها، على أن المتنبي هو سيد غايات النسقية الثقافية. وهو نموذج الشعرنة. ويقابله نموذج غربي نجده في الفلسفة وهي ديوان الغرب كما الشعر ديوان العرب، وكلمة أفلاطون بأن الحرية والمساواة شرٌّ مطلقٌ لأنها تساوي بين العبد والسيد، هي التي ترددت في مظاهرات الأميركيين وشعارها (حياة السود مهمة)، أي أن الواقع يقول إنها غير مهمة في اتصال نسقي منذ أفلاطون حتى هذا اليوم، عابراً أبا الفلسفة الألمانية هيجل، حيث يعزز مقولة العبد السيد في صيغة المصانع، مثلاً حيث مالك المصنع سيدٌ والعمال عبيدٌ، تماماً كما يتمدد عندنا عمرو بن كلثوم ومفرده الذي هو بصيغة الكل (حسب تعزيز أدونيس للفكرة)، وهذه هي الشجرة النسقية في نموذج الشعرنة عربياً ونموذج العقلنة فلسفياً وفيهما معاً تعزيز للتفرد المطلق والأنا النافية للمختلف. * كاتب ومفكر سعودي- أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

مشاركة :