د. عبدالله الغذامي يكتب: هل النسق الثقافي ذئب؟

  • 6/5/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يرد الذئب في الشعر العربي كثيراً فصيحاً وعامياً، ولعل من أشد الصفات اللافتة للذئب هي الرمزية التي تطغى على صورته في المخيلة الشعرية، ومن أبرز الأمثلة البيت الذي يصف الذئب بمهارة خارقة في أنه يجمع بين النوم واليقظة: ينام بإحدى مقلتيه ويتقي/ بأخرى المنايا فهو يقظان نائم ويشيع البيت في كتب النحو شاهداً على الجمع بين خبرين لمبتدأ واحد «فهو يقظان نائم»، وهذه نادرة لغوية نتجت عن نادرة سلوكية وذهنية لهذا الكائن الذي يظل صاحياً حتى وهو نائم، وهذه السمة ستكون سمةً للنسق الثقافي أيضاً، الذي يظل نائماً تحت مضمرات اللغة ومكنونات الثقافة ويتيقظ فور سنوح لحظة يتحرك فيها ويفعل مفعوله في توجيه الحدث الذي هو الوظيفة النسقية، فالمرء يكون سوياً في عقله وفكره وفي لحظة غير متوقعة يتحول لكائن غير سوي في لغته أو مسلكه والتي عادة نسميها «رد الفعل»، ولكن ردود الأفعال في حقيقتها هي أفعال لأنها تؤثر مثل تأثير الفعل أو أشد وهو غالب حالها، وكم من رد فعل غير مسار التاريخ الجمعي أو السيرة الفردية، مما يعني أنه فعل مخبوء ينتظر لحظة تمكنه من الخروج من مكمنه إلى واقع الحياة العملية، وكذا هي مضمرات الأنساق، فالمسالم الكريم المتسامح قد يتحول إلى طاغية مدمر دون مقدمات أو تخطيط وكأنه الذئب اليقظان مقدرةً والنائم مظهراً، والنوم حالة مسالمة واطمئنان وسكينة، ويكون المرء في أفضل حالاته وهو نائم وكأنه في غفلة عن الحياة الواقعية بكل تحدياتها وقلقها، وكذلك هو النسق الثاوي في دواخلنا لا نراه ولا نعرف أننا ننطوي على علل ثقافية نائمة، وإذا جاء شيء يحركها تحركت بأشرس من كل ما نظنه بأنفسنا لغةً أو سلوكاً، وحسب المرء منا أن يسمع شخصاً يشتمه لكي تتفجر فينا المضمرات التي كانت ساكنة فجاءتها لحظة استيقاظ مجنونة، وهذا يشبه ما يجري مثلاً في عالم الرياضة، إما مع اللاعبين حين يجري استفزازهم وسط الملعب مثل نطحة رأس زين الدين زيدان في كأس العالم 2006 التي تسببت بطرده من الملعب تبعاً لردة فعلٍ مفاجئة على شتيمة اللاعب الإيطالي لأم زيدان أثناء مشادات المباراة، وهو الحدث الذي مثل صدمة مدوية لزيدان وللمعجبين به، وهذا مثال يقع في لغة الخطاب العام في وسائل التواصل الاجتماعي وفي خطاب الانتخابات الذي تولت وسائل البث المباشر إشاعتها ورفعت من درجات المشاهدة لها، وتزداد المشاهدات كلما توحشت لغة المرشحين فيما بينهم، بحيث سترى الساسة المدربين على ضبط النفس يتحولون مع الاستفزاز إلى لغة لا تمت لضبط النفس بصلة، ومعهم جماهيرهم الذين سيحتفلون بلغة زعيمهم المفضل ويتخذونها شعاراً لهم، ومثل ذلك خطاب جماهير الرياضة ما بين انتصارهم لفريقهم بالحق والباطل معاً، مقابل التبكيت على الفريق المنافس. وكل ذلك بلغة لا تتسق مع شرط الثقافة المهذبة، بما أن التنافس يتحول إلى تخاصم، سواء في الحملات الانتخابية أو في المنافسات الرياضية، أو في التبادلات التفاعلية في «تويتر» مثلاً، حيث تتحكم اللحظة الانفعالية وتطلق الذئب النائم اليقظ أصلاً وواقعاً، وكلنا كبشر نقع في ذلك لأن النسق المخبوء في أعماق مكوناتنا الذهنية ليس سوى ذئب صفته اليقظان النائم، ورمش عينه دقيق وحساس بحيث يتحول من حالٍ إلى حالٍ برمشة عين لا تحسب لرد الفعل حساباً، وفي الأمثال إحالات إلى غدرة الذئب التي هي غدرة النسق بنا في غفلة منا ويقظة منه.

مشاركة :