مصطفى كامل السيد يكتب: أوضاعنا السياسية بمصر في مفترق طرق

  • 5/2/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تتعدد القراءات لما جرى في مصر يوم الخامس والعشرين من أبريل الماضي، فوزارة الداخلية والإعلاميون الذين يدّعون الحديث باسم الرئيس السياسي أو مناصرته في كل المواقف يعلنون سعادتهم أن المظاهرات محدودة العدد في القاهرة وبعض مدن الأقاليم والتي تحتج على قرار الحكومة بإعادة جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية هى دليل على الهشاشة البالغة للقوى اليسارية والقومية التى دعت لها، وأن المواطنين يؤيدون في غالبيتهم العظمى نظام الرئيس السيسي في حكم البلاد، وأنه إلى جانب هذه المظاهرات المحدودة كانت هناك تجمعات أخرى باركت قرارات الرئيس، بل ورفعت أعلام المملكة العربية السعودية إبتهاجا بهذه المرحلة الجديدة في العلاقات السعودية المصرية. ولكن قد تكون هناك قراءة أخرى لما جرى في هذا اليوم، تجعله أشبه بالسادس من أبريل سنة 2008 عندما نجحت قوات الأمن في فض أى تجمعات كبرى في القاهرة، إستجابة لدعوة حركة شباب 6 أبريل إلى إضراب عام في كل البلاد إحتجاجا على مجمل السياسات الإقتصادية لنظام مبارك وعلى القيود التى كان يفرضها على الحياة السياسية. صحيح استجاب عمال المحلة الكبرى لهذه الدعوة، وخرجت مظاهرات عارمة في تلك المدينة مزق خلالها المتظاهرون صورة مبارك. ومع ذلك فالإستنتاج الذى خرج به مستشارو مبارك من أحداث ذلك اليوم هو أنه لا داعي للقلق، حجم المعارضة ضئيل للغاية بين المواطنين، ومن ثم لا ضرورة لتلك التنازلات التى أقدم عليها نظام مبارك في سنة 2005 وسمحت للإخوان المسلمين بأن يكسبوا ومعهم نواب معارضون آخرون قرب خمس مقاعد مجلس الشعب. وإتساقا مع هذه القراءة جرت إنتخابات مجلس الشعب في خريف 2010 والتى أقصت بها أساليب مبارك المعهودة في إدارة الإنتخابات مع إضافات أحمد عز؛ أمين التنظيم في الحزب الوطني الديمقراطى الحاكم في ذلك الوقت، أى وجود للمعارضة تقريبا في ذلك المجلس النيابي. وجاءت الثورة الشعبية في 25 يناير 2011 لتؤكد خطأ هذه القراءة، وأن هدوء القاهرة تحت قبضة جنود الأمن المركزي كان هدوءًا خادعا يخفي لهيب السخط الذى كان يعتمل في نفوس المواطنين. القراءة الأولي سوف تبعث الطمأنينة في نفوس من يحيطون بالرئيس، وسوف يلح عليها، بل لقد ألح عليها بالفعل الإعلاميون المعروفون بتأييدهم كل حاكم في مصر، ونصيحتهم هى بالإستمرار في إتباع نفس السياسات، ومواصلة الأخذ بنفس الأساليب في صنع القرار، هناك فى رأيهم عشرات الملايين من المواطنين يثقون في حكم الرئيس، ويؤمنون بحكمته، وأنه لا بديل له في الأفق المنظور، إذا كان هناك بعض المعارضين، فهم لا وزن لهم، فمن وجهة نظر هؤلاء القافلة تمضي والكلاب تنبح. *** ومع ذلك فلنتصور أن بعض من يحيطون بالرئيس قد ينتابهم القلق، أو على الأقل قد يرون من جانب الاحتياط عدم رفض القراءة الثانية تماما، والإستعداد للتقليل من أى إحتمال قد يجعل من 25 أبريل 2016 شبيها ب6 أبريل سنة 2008، ومن ثم فسوف يطرحون على الرئيس نصيحتهم بما يمكن عمله لتجنب مثل هذا المصير، فما هى حججهم؟ وماذا ستكون نصيحتهم؟. سيذهب بعضهم إلى أنه لا داعي للقلق، كل الأحزاب المصرية الممثلة في مجلس النواب هى بالفعل تصطف إلى جانب الرئيس، والأحزاب والقوى السياسية التى دعت للمظاهرات لا تلقى تأييدا واسعا من المواطنين، إذا كان بعض زعماء هذه الدعوة مثل حمدين الصباحى وعبد المنعم أبو الفتوح قد حصدا في الإنتخابات الرئاسية في سنة 2012 قرابة ثمانية ملايين صوت، فقد كان ذلك فعلا ماضيا جرى فى ظرف بالغ الخصوصية، وهو رفض هؤلاء الناخبين كلا من الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي، أما وقد إنعقد الإجماع الشعبي علي قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فلن يجد الصباحي أو أبو الفتوح أو حتي محمد البرادعي آلافا من المواطنين وراءهم. ومع ذلك فنظرا لأن بعض هذه القوى على الأقل مثل الناصريين واليساريين كانوا ضمن تحالف 30 يونيو ومعهم أعداد كبيرة من الشباب، فليس من الحكمة أن يبقي الرئيس معتمدا فقط على الفصيل الوحيد من تحالف 30 يونيو الذى مازال مؤيدا له، وهم أنصار الرئيس الأسبق حسني مبارك، لأن ذلك قد يمنح تلك القوى الناصرية واليسارية المعارضة حجة يطرحونها على سائر المواطنين الذين يضيقون بالصعوبات الإقتصادية الناجمة عن السياسات التقشفية التى تنتهجها الحكومة وإرتفاع أسعار السلع الأساسية بعد إنخفاض قيمة الجنيه في مواجهة الدولار واليورو بالقول بأن سياسات السيسي هى نفس سياسات مبارك، وأن من ينصارونه هم من النخبة الفاسدة التى إلتفت حول مبارك وعائلته. لن يضير الرئيس، في رأى هذا الفريق، أن يعيد إلي صفوف مؤيديه هؤلاء الناصريين واليساريين والشباب الذي تجد أقوالهم صدى لديه، بإفساح المجال في الإعلام لبعض الشخصيات القريبة من هذه التوجهات، وبإطلاق سراح الشباب المتهم بالتظاهر دون تصريح من الداخلية، والإسراع بالإفراج عمن إحتجزتهم الداخلية في الأحداث الأخيرة، بل وربما الإستفادة من الإنقسامات الجارية بين الإخوان المسلمين بتعميق هذه الإنقسامات بعرض إنهاء سجن تلك القيادات التى لم تتورط في أحداث عنف والتى تريد فتح صفحة جديدة مع الشعب ونظام الرئيس السيسي بالإعتذار عن أخطاء الإخوان المسلمين في الحكم، وربما فتح الطريق أمامهم للمشاركة في الحياة العامة علي نحو ما حدث مؤخرا مع حزب الوسط. لا أعرف في الحقيقة من هم مستشارو الرئيس، وما إذا كانت هذه الأفكار قد جالت بأذهانهم، ولكننا يمكن أن نجد بعضها في كتابات صحفية في أعقاب المظاهرات الأولى حول نقابة الصحفيين التى جرت إحتجاجا على إتفاق إعادة الجزيرتين إلى السعودية في 15 أبريل الماضي. ترددت النصيحة للرئيس السيسي بعدم الإستهانة بهذه المظاهرات واستخلاص الدروس منها واعتبارها مؤشرا على بداية إنحسار التأييد له تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية المتردية واستمرار انتهاك الشرطة لحقوق المواطنين. والواقع أن هذه الأصوات قد خفتت بعد الصدى المحدود الذى لقيته دعوة التظاهر يوم 25 أبريل، ولم يسمع بعد ذلك اليوم سوى أصوات من يسخرون من الناصريين ومن اليسار، ومن يرون أصابع الإخوان المسلمين وراء كل ما يجرى في مصر. ولا يطرح هؤلاء على الرئيس جديدا، وإنما يشجعون إستمراره على نفس السياسات بل ومواصلة قمع هؤلاء الذين يحتجون على سياسات الرئيس لأنهم، في نظرهم، لا ينجحون إلا في إثارة القلاقل التى تخيف رجال الأعمال وتثبطهم عن زيادة الإستثمارات التى يحتاجها الاقتصاد أشد الاحتياج في هذه المرحلة.. *** ولكن سوف يكون من الخطأ البالغ أن يركن الرئيس والمحيطون به إلى ما يقوله هؤلاء الذين يدعون تأييده الآن، وهم الذين كانوا في مقدمة أنصار مبارك فى الإعلام وفي القطاع الخاص. فهناك دلائل عديدة على إنحسار التأييد للرئيس، وليس فقط وسط ما يسميه البعض بالنخبة الثقافية، ولكن في أوساط المواطنين الذين يعانون شظف العيش نتيجة ارتفاع الأسعار، واستمرار البطالة في صفوف الشباب، وليس من المحتمل أن تتحسن الأوضاع الإقتصادية في القريب العاجل أمام ضرورة ضبط العجز في الموازنة العامة، وإنخفاض تدفقات السياح، وعدم تحقق العائد من المشروعات التى يتبناها الرئيس، وجلها مشروعات خدمية لا تظهر آثارها على خلق العمالة وتحسن مستوى معيشة المواطنين إلا بعد فترة طويلة من الزمن، فضلا على أن إستكمال خارطة الطريق بانتخاب مجلس النواب لم يحقق المرجو منه بإكساب النظام السياسي مزيدا من الشرعية بسبب الأداء الهزيل لهذا المجلس. الدرس الصحيح الذى يمكن إستخلاصه من إحتجاجات أبريل هو أنها دعوة لتجنب أسبابها من أسلوب فردى في صنع القرار، ومن إستبعاد المواطنين من العلم بما يجرى في أروقة السلطة العليا من مخططات تمس أدق مصالح الوطن، ومن تنكر لما يدعو له الدستور من إطلاق حريات التعبير والإعتقاد والتنظيم. التعلم من هذا الدرس هو الذى يبعد أوجه الشبه بين أبريل 2008 وأبريل 2016.

مشاركة :