مشاعر العداء للغرب ترسخ التضليل الصيني - الروسي في أفريقيا

  • 9/10/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

باماكو - تتنافس قوى أجنبية متعددة، بما في ذلك الصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وغيرها، في جميع أنحاء القارة الأفريقية على تشكيل الرأي العام. وفي معظم الحالات تستخدم الدول أساليب مشروعة لتوصيل رسائلها. لكن هناك العديد من الأمثلة الحديثة لقوى أجنبية تنشر روايات مضللة أو كاذبة حول الشؤون الجارية. وعلى سبيل المثال في عام 2020 كشفت ميتا أن الجيش الفرنسي كان وراء حملة عبر الإنترنت للتأثير على الرأي العام في جمهورية أفريقيا الوسطى ضد روسيا. وفي عام 2022 اتُهمت الولايات المتحدة بقيادة حملة تضليل تستهدف المجتمعات الناطقة باللغة العربية. وهناك أدلة على أن العملاء الروس هم من ينشرون بنشاط معلومات كاذبة عبر منطقة الساحل. كما استخدمت الصين وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة لتقديم رواياتها الإستراتيجية الخاصة بها في القارة الأفريقية. وجاء في تقرير نشره موقع ذوكونفرسيشن أن السرديات الإستراتيجية، بعضها صحيح وبعضها زائف، هي في الأساس قصص يستخدمها الفاعلون السياسيون للترويج لمصالحهم وقيمهم، وتشكيل طريقة إدراك الناس للأحداث العالمية. وهنا يبرز السؤال: ما هي العوامل التي تسهم في نجاح السرديات الإستراتيجية؟ ونظرت دراسة نُشرت مؤخرًا في مدى انتشار السرديات الإستراتيجية الروسية والصينية، حيث استندت نتائجها إلى مسح شمل 4600 شخص في أربع دول أفريقية -أنغولا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وزامبيا- في نهاية عام 2022. وقد تم اختيار هذه الدول الأربع لأنها تتمتع بمشاهد سياسية مختلفة للغاية، ومستويات متفاوتة من المشاركة مع الصين وروسيا، وتجارب تاريخية مختلفة مع النفوذ الأجنبي. التضليل لا يعمل في فراغ؛ إنه يتشكل من خلال الروابط التاريخية والتبعيات الاقتصادية والمشهد السياسي المحلي ووجدت الدراسة أن أغلب الناس يعتقدون أن الروايات الروسية والصينية الشائعة عن التضليل الإستراتيجي صحيحة. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو المشاعر المعادية للولايات المتحدة؛ أي أنه كلما شعر شخص ما بأن الولايات المتحدة عدو، أو أنها تؤثر سلباً على بلده، زادت احتمالات قوله بأن الروايات الصينية والروسية صحيحة. وتصور وسائل الإعلام الروسية غالبًا موسكو كمدافع عن السيادة والقيم التقليدية، وتصور الغرب على أنه منافق أو إمبريالي. وعلى نحو مماثل تؤكد وسائل الإعلام على دور الصين كشريك في تنمية أفريقيا مع التقليل من أهمية الجوانب السلبية للنفوذ الصيني أو إنكارها. وفي جنوب أفريقيا، على الرغم من حظر قناة “روسيا اليوم” على مزود خدمة التلفزيون عبر الأقمار الصناعية في مارس 2022، لا تزال الروايات الروسية تجد دعمًا كبيرًا. ومن المرجح أن يكون هذا متأثرًا بعضوية البلاد في مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ورفض الحكومة الوقوف إلى جانب الغرب في إدانة غزو روسيا لأوكرانيا. وتستغل روسيا أيضًا “دبلوماسية الذاكرة” عبر تذكير الجماهير الأفريقية بدعمها السابق لحركات التحرر الأفريقية، مثل المؤتمر الوطني الأفريقي، بهدف دعم حربها على أوكرانيا. ويُرى أن جنوب أفريقيا تبتعد عن موقفها المحايد نحو دعم أقوى للصين وروسيا. أغلب الناس يعتقدون أن الروايات الروسية والصينية الشائعة عن التضليل الإستراتيجي صحيحة وتخطط وسائل الإعلام الروسية للاستفادة من هذا الشعور من خلال فتح مكتب في جوهانسبرغ. وفي المقابل أظهرت زامبيا وأنغولا مقاومة أكبر للروايات الأجنبية. ولم تترجم العلاقات التاريخية بين أنغولا وروسيا، والتي يعود تاريخها إلى الحرب الباردة، إلى دعم قوي للروايات الروسية، ربما بسبب الجهود المستمرة التي تبذلها البلاد لتنويع شراكاتها الدولية. وفي إثيوبيا يبدو أن الدافع الرئيسي للنتائج هو المشاعر المعادية للولايات المتحدة. ووجدت الدراسة أن 33 في المئة من الإثيوبيين يعتقدون أن الولايات المتحدة “عدو” (مقارنة بـ4 في المئة في أنغولا أو 8 في المئة في زامبيا)، ويعتقد 65 في المئة أن نفوذ الولايات المتحدة في بلادهم سلبي (مقارنة بـ17 في المئة في أنغولا أو 22 في المئة في زامبيا). وكان الخطاب المعادي للولايات المتحدة سائدًا بشكل خاص في وسائل الإعلام الإثيوبية والمشهد السياسي بشكل عام في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد انتقادات واشنطن للحرب في تيغراي. وبعد النظر في عوامل محتملة متعددة، خلصت الدراسة إلى أن المشاعر المعادية للولايات المتحدة كانت أكثر العوامل ثباتًا في التنبؤ بتصديق الروايات الإستراتيجية الروسية والصينية. وبعبارة أخرى كان أولئك الذين قيموا الولايات المتحدة تقييما سلبيا أكثر ميلًا إلى تصديق هذه الروايات واعتبار أنها صحيحة. ووجدت الدراسة أيضًا أن استهلاك وسائل الإعلام الصينية أو الروسية لم يكن له تأثير على الأشخاص الذين يدعمون هذه الروايات. وهذا يعني أن أولئك الذين يستهلكون بانتظام محتوى وسائل الإعلام الصينية والروسية لم يكونوا أكثر ميلًا إلى تصديق هذه الروايات من أولئك الذين لم يستهلكوا هذا المحتوى. واستثمرت الصين وروسيا بكثافة في توزيع محتواهما الإعلامي في القارة، لكن جمهورهما وتأثير رسائلهما الإعلامية لا يزالان منخفضيْن. ولا تعمل المعلومات المضللة في فراغ بل إنها تتشكل من خلال الروابط التاريخية والتبعيات الاقتصادية والمشهد السياسي المحلي. ولذلك يتعين على الإستراتيجيات المضادة أن تتضمن التركيز على بناء مواقف إيجابية وتعزيز الروابط الجيوسياسية للحد من قابلية التعرض لسرديات المعلومات المضللة.

مشاركة :