تخيل أنك تجلس أمام البحر مستمتعاً برسم صورة ما أو منظر جميل ويعبر من جانبك أحدهم وهو لا يعرفك ولا تعرفه.. ولا حتى يفهم ما ترسمه.. أو تقوم به.. فيشتمك بأقذع الألفاظ ويتهمك بأسوأ التهم.. ويكمل طريقه.. وأنت لا تزال في مكانك.. لم تتحرك لتلحق به أو تحاول معرفته.. لا لأنه اختفى.. ولكن لأنك لن تعرفه وملامحه لا تختلف عن آخرين سيعبرون بعد ذلك وقد يتعرضون لك أيضاً.. نفس الملامح ونفس الوجوه.. الفارغة.. التي لا تعرف سوى التعدي والشتم.. وقذف الأشجار العالية.. ونهب مساحة الحرية التي تُتاح بين آن وآخر وترويضها وأدلجتها والاستبداد بها وحصار المجتمع لمصلحتها.. باعتبارها هي الطبقة الوحيدة التي تفهم وتتفهم ما يجري.. وهي السلطة المخولة بالرقابة على الآخرين ومتابعة حضورهم..! في تويتر أغلب من يتدثرون بأسماء وهمية هم أشخاص محبطون أو لا يستطيعون المواجهة.. أو الحضور علانية.. يكتفون بأسماء وهمية تحملهم كما يعتقدون لأفق مفتوح وهو في الواقع أفق أضيق مما يتخيلون.. هو تجسيد لواقعهم المستنزف وحدود فهمهم عن الحرية والتعبير.. والتي تقتصر كما يبدو على ما يعتقدون أنه إيجابي بالنسبة إليهم وهو التخفي ومن ثم إطلاق ألسنتهم.. وقلة أدبهم.. وتردي تربيتهم على الآخرين.. الذين إما أنهم لا يعرفونهم على الإطلاق.. أو يعرفون قيمتهم وبالتالي الأمر الوحيد الذي يمنحهم فرصة مهاجمتهم هو التخفي خلف أسماء مستعارة..! أتفهم فكرة أن من يكتب في تويتر قد وضع نفسه أمام الآخرين للتعليق عليه أو معارضته أو رفض ما يطرحه.. ولكن بالأدب.. وليس بالتطاول.. والشتم.. لم تعجبك عبارة كتبتها هذا شأنك.. ولم تكتب من أجلك.. ومن حقك أن تتجاهلها حتى وإن كنت تتابعني.. أو تعلق بالرفض التام.. وتناقش الأمر.. لكن أن تشتم وتتعدى.. وأنت شخص وهمي ولا تعرفني ولا أعرفك.. ولا تفهم ما هو بين السطور فهذا يتعدى ليس مصادرة الحريات إن كنت تفهم معناها ولكن انتكاستها.. والذهاب ومحاولة الاستبداد بالمكان والصورة دون وجه حق مع حرمان الآخر من المشاهدة أو الكتابة..!! ما لا أفهمه حتى الآن هو تعدي شخص على آخر دون سبب أو سابق معرفة.. وبقوة وبميل إلى العنف.. غير مبرر.. تقرأ تغريدة أو رأياً لشخص ليس به ما يستحق الهجوم.. وتجد سيلاً من الشتائم والتعدي بأقذع الألفاظ التي يحاسب عليها القانون.. والاتهامات الباطلة.. التي لا توجد إلا في ذهن هذا المعتدي.. المريض والذي وجد في تويتر متنفساً لعقده ودواخله المريضة.. إحدى الصديقات تقول أخي في العشرين من عمره.. يسكن في بيت فخم ولديه أفخم السيارات.. ومتسدح طول الوقت برفاهية على أجهزة التواصل الاجتماعي.. باسم ليس اسمه.. ولم أعرف إلا متأخرا.. مرة يكتب عن التعساء ويشتكي ويؤلف القصص ويختار الوقت والضحايا وعندما سألته قال: تويتر وناسة كله يكذب على كله.. عالم افتراضي وهمي وليس حقيقياً.. يضج بالكذب والوهم والتصنع وهذا أساس المشكلة.. في نظرك لكن في نظري هذا هو الأجمل والأفضل.. أشتمه ولا يعرف من أنا.. أدّعي ولا يعرف مصداقيتي.. وما بين الادعاء وبين الكذب والافتراض.. تكمن المشكلة الأصلية.. وهي الوجوه الزائفة.. التي تصنع الفرق السيئ.. وتتخفى بعيداً عن مراجعتها أو مناقشتها.. بلغة بذيئة تتغذى على العنصرية.. وإشعال الأزمات.. وفيضان النزاعات.. وتكريس هذه الصورة وكأنها مرآة المجتمع الذي عليه أن يستنفد كل طاقاته ليهدرها في إسقاط ضحايا وصناعة مجتمع محتدم.. لا تقبل فيه الحياة إلا بهذه الصورة التي تجعل الأمور أكثر تعقيداً مما يمكن أن تستوعبه..! هل يكفي أن تكسر مثل هؤلاء بتبليكهم؟ وغلق منافذ ظهورهم؟ أم تختفي من المشهد من تكاثر مشاهد الفوضى غير المبررة التي ترفع التوتر وتعتدي على مفهوم الحريات التي يفهمها من لا يفهم بأنها انفجار لسطوة البذاءة والجهل واللا وعي الذي لا يكترث بالمصير الذي سيؤول إليه لأنه يعجز عن التفكير في أهمية نسيج المجتمعات وتركيبة آي مجتمع وقدرتها على التحمل وإمكانية تجاوزها للدوائر الرمادية عندما ينحصر دور من يعتقدون أنهم يهيمنون على المشهد دون قدرة على التأثير..! أخيراً قد تستنطق الصورة في تويتر وتفكر في الانسحاب من منطلق العقل ولكن هل لنا أن نسمح بالجنون أن يحجب الضوء..؟ وهذا الوعي الذي يتساقط من أطراف أصابعهم تحركه نرجسية مريضة ومتحايلة على الظهور ومتسترة بالغياب هل من الممكن أن نحوله إلى غيوم تُسقط مطراً عابراً ينتزع الواقفين في أماكنهم ويخفيهم لتبقى تلويحاتهم؟ أعتقد أن البقاء يعتمد على قوة التحمل والرغبة في الاستمرار.. والأهم الاحتفاظ بإحساس التجاهل لكل القوى التي تحارب الضوء.. وتعيش في العتمة.. كحياة اختيارية..!! najwahashem@live.com
مشاركة :