حب الوطن غريزة فطرية تتطلب تعزيزها وتنميتها في نفوس الأجيال الجديدة

  • 9/20/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الرياض - خاص بـ«الجزيرة»: المحافظة على الإنسان والحرص على سلامة الأوطان أمرٌ فطريٌّ وواجبٌ شرعيٌّ، دلَّت عليه النصوص الشرعية القطعية. وحبّ الأوطان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحب الدّين؛ فحبّ الوطن يتحقق بحبّ الدّين؛ إذ إنّ مبادئ وقيم الدين الإسلاميّ تحثّ على حبّ الوطن، حيث قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-عندما خرج من مكّة المكرّمة:(ما أطيبَكِ من بلدٍ وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخرجوني منكِ ما سَكَنتُ غيرَكِ)، ويترتّب على المواطن والمُقيم في الوطن عدّة واجبات أيّدها ودلّ عليها الإسلام. وبمناسبة اليوم الوطني الرابع والتسعين. «الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من شرائح المجتمع حول الوطن في يومه المجيد، والواجب تجاهه؛ فماذا قالوا؟ منظومة حياة تقول الأستاذة شوقية بنت محمد الأنصاري الخبيرة التربوية: حقيقة لا يمحوها أي زمان (حب الأسرة وحب الأوطان) وما أن تحضر مفردة الوطن لازمتها مفردة الانتماء، لتشكل للفرد كينونة حسية فطرية من وجوده، وحدوداً مكانية لمنظومة حياته، حيث تتشكل بداخل الإنسان حينها قيم تشاركية مع المجتمع، تنمو من خلال الآخرين والتعايش في تسكين حب الوطن، واحترام قوانينه، وتعزيز مقومات العدل فيه، بمحو حيرة الظلم والجهل والفساد من قاموس الولاء الوطني، حينها تنهض همة الإنسان بوعي في استكمال نهضته الذاتية والمجتمعية وبتحقيق نجاح يتلوه نجاح، وازدهار ممزوج بالفخر والاعتزاز بهويته، فتتمثل بالنسيج الوطني مؤشرات الإخلاص عند اداء واجباته الدينية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والصحية والتعليمية والثقافية، فينشأ بداخل كل فرد مواطنة بناءة لا هدامة، مواطنة محافظة لا مدمرة، مواطنة معمرة لا مخربة، مواطنة تنهض بالقدوة الصادقة، لا بالسلطة الواهمة الجاهلة. وتسترسل شوقية الأنصاري في حديثها: إن نمو هذه القيم لا ينغرس بذات الفرد تجاه وطنه إذا لم يُنشَأ بأسرة حريصة على جعل حب الوطن منهجاً يومياً يحقق المفهوم الإنساني للمواطنة، بالتفاني والمشاعر السخية والتضحية، والحس في ترديد حروف نشيده بعمق يتنفس المجد والعلياء. مشاعر حب وطنية رسمها أمير الشعراء أحمد شوقي في بيت شعر: وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي اليوم الأغر وتوضح الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان أستاذة الدراسات العليا بجامعة الملك فيصل بالأحساء: يعود علينا هذا اليوم المجيد ووطننا الأخضر في عز وسؤدد ونصر وتمكين بحمد الله وفضله، ثم بحكمة والدنا الكريم مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود-أطال الله في عمره-، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود -حفظه الله ورعاه وسدد خطاه-. يأتي هذا اليوم الأغر الجميل ووزاراتنا ومؤسساتنا وجامعاتنا ومدارسنا ومصانعنا تعانق طموحاتها نجوم السماء في رؤية المجد 2030. فيا أيها الوطن أنت قبلة المسلمين وإكسير الحب والسعادة ورمز الشجاعة والشهامة والوفاء؛ فوطني كلمة ونداء وأكسجين صاف يخرج من رئة الأعماق وسويداء الخفوق.. ويعزف على أوتار من نور فهو ووثيقة وفاء وولاء وحب وانتماء، وطمأنينة وأمن وسلام، ونمو ورخاء ومستقبل مشرق، ويسمو ويرتقي إلى المجد والعلياء، مشيرة إلى أن كل فرد في هذا الوطن العزيز يسعى لوضع لبنة مجد في تاريخنا ليكتب بماء الذهب وقطرات الجبين حباً وولاء وفداء بنفسه وماله ضد أي معتد أو غاشم جبان. وأضافت د. هدى الدليجان: المرأة السعودية قبل الرجل السعودي تسابقه في نموه العلمي وتسطر بروحها وطموحها وعملها ملاحم العز والنور والتمكين؛ فها هم السعوديون صغاراً وكباراً هم الأسرة النجيبة، وفخر الوطن الغالي، وهم سفراء النور ومشاعل السلام، وسيوف الحرب، وجيش سلمان في كل زمان ومكان، ويشاركهم المقيم الأمين الذي يفد من كل حدب وصوب إلى بلادنا فيستقبله الناس بكل حب ليعمل ويجتهد مع حفظ كامل حقوقه واحترامه، ليسهم معنا يداً بيد ليرد كيد الكائدين، ويرتقي في وطني في معارج المجد والسناء. فمن يطاولنا بالعز والفرح والسرور وها هو اليوم الوطني 94 يلبس كساء من ديباج العز والاستقرار ويتكئ على رفرف خضر من أجيالنا القادمة بكل ثقة في ميادين المستقبل المشرق لهذا الوطن الغالي. أدام الله علينا نعمته وأيامه وحفظ ولاة أمرنا وقادتنا وزادنا أمناً وأماناً ورخاء واستقراراً، وكل عام والوطن وأهله بخير. حقوق وواجبات ويرى الأستاذ صالح بن ناصر العُمري الخبير التربوي: أن الإنسان السوي الواعي وبما حباه الله من عقل وتمييز يدرك أن وطنه الذي أعطاه ومنحه الكثير، عليه تجاهه حقوق وواجبات لا ينفك منها أبرزها: من الجانب الديني: فمن كمال الدين وتمام العقيدة السليمة الصافية هو الولاء التام لله ولرسوله ولأولي الأمر. ومن المنظور الأسري: فرب الأسرة عليه أن يغرس في كيان ووجدان أفراد أسرته حب وطنهم والانتماء والإخلاص التام له والبعد عن كل ما يضره أو يسيء إليه وأن يدافعوا عنه دفاعاً يزيد من رفعته وعزه وأن يشاركوا في رفع رايته عالياً في كل محفل. ومن المنظور العملي: فالموظف والعامل عليه العمل بكل نزاهة والبعد عن الفساد ودروبه، والإخلاص والتفاني في مهام عمله ليكون لبنة من لبنات البناء والنماء والرخاء لهذا الوطن العزيز. ومن المنظور السلوكي: فعلى المواطن التحلي بأخلاقيات مجتمعه ووطنه وأن يعكس في سلوكه وأفعاله القيم الحميدة والعادات الجميلة التي يتميز بها، وإذا كان خارج الوطن أن يعكس أخلاقيات مجتمعه من خلال احترامه وتقديره للمكان الذي يوجد فيه. وبالنسبة للمقيم على أرض هذا الوطن واجبات أهمها الالتزام بالأنظمة والقوانين التي أقرها أولو الأمر في الوطن، ومراعاة قيم ومبادئ وعادات وتقاليد المجتمع السعودي والمشاركة البناءة والفعالة لهذا الوطن المعطاء الذي يعمل فيه، وكل هذه النواحي على المواطن والمقيم الأخذ بها وتطبيقها في بلد عزيز طاهر تحكمه أسرة عريقة وولاة أمر حباهم الله بمحبة شعبهم متصفين بالحكمة وبعد النظر والإخلاص، وفقهم الله وسدّدهم وأطال أعمارهم. وسائل للمحافظة ويشير الأستاذ عبدالقادر بن سليمان مكي المستشار الإعلامي إلى أن الإسلام دعا إلى المحافظة على الإنسان والأوطان فجعل حفظ النفس من مقاصده الكلية التي جاءت الشرائع لتحقيقها، وارتقى بهذه المقاصد من مرتبة الحقوق إلى مقام الواجبات فلم تكتف الشريعة الغراء بتقرير حق الإنسان في الحياة وسلامة نفسه بل أوجبت عليه اتخاذ الوسائل التي تحافظ على حياته وصحة بدنه وتمنع عنه الأذى والضرر. حب وانتماء وتؤكد الأستاذة العنود بنت ناصر الشمري.. محامية ومستشار قانوني: إن المحافظة على الإنسان وسلامة الأوطان هي من الأسس التي يجب أن نحرص عليها جميعاً، فهي تعكس قيمنا الإسلامية والإنسانية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الوعي الديني والوطني بين أفراد المجتمع، وتفعيل دور التعليم في نشر قيم الحب والانتماء للوطن، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات التي تعزز التعاون والتكاتف بين الأفراد. مشددة على أنه يجب علينا أن نتذكر دائماً أن حب الوطن لا ينفصل عن حب الدين، فكما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يجب أن نكون ملتزمين بواجباتنا تجاه وطننا، وأن نعمل معاً من أجل بناء مجتمع آمن ومستقر. شرعية ونظامية ويبين الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالله آل محسن الأخصائي القانوني أن النصوص الشرعية قد دلت في غير موضعٍ على جوهرية حب الأوطان القاضي بإعمارها وبذل ما في الوسع للحفاظ على أمنها واستقرارها وازدهارها؛ بدفع مظان الشرور والمهالك والتوجه في تنميتها إلى أنفع المسالك. ونجد ذلك دائمًا منوطًا -بعد توفيق الله عز وجل- بالاجتماع على ولي الأمر والطاعة له في المعروف وعدم الاختلاف عليه، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء، وقوله صلى الله عليه وسلم: (اسْمَعُوا وأَطِيعُوا) رواه البخاري. ونجد ذلك مسطورًا مُتَّبعًا خالفًا عن سالفٍ، عند الصحابة والتابعين وعلماء هذه الأمة الأخيار بلا خلاف، مبثوثةً في أقوالهم المنقولة ونصوصهم المكتوبة. فالطاعة إذن؛ هي مقتضى الإيمان السليم، والاعتقاد القويم، ومعنى اتباع الصراط المستقيم، مشيراً إلى ما بذله ولاة أمور هذه البلاد -أيدهم الله بنصره وتمكينه- كل الوسع في تشييد العمران واستثمار الإنسان؛ بسن الأنظمة وإصدار القرارات والأوامر التي تصب في مصلحة البلاد والعباد سياسيًا واقتصاديًا وتنظيميًا، وتطبيقها عبر الجهات المعنية بإنفاذه؛ تحقيقًا للمقاصد الشرعية من سنها. فيترتب بناءً على ذلك واجبات ٌشرعية ونظامية على كل مواطن أو مقيم تجاه هذه البلاد؛ هي ما تُحقق حبَّه وتُثبِتُه، وذلك بالتزام مقتضى نصوص الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية في شؤونه ومعاملاته، بألَّا يعمد إلى مخالفتها جنايةً أو عدوانًا أو استهتارًا؛ فذلك خلعٌ ونقضٌ لأمر الشارع، وألا يعين الأعداء ويستجلب أنواعَ النقم والبلاء، فإن مقترفها لا يفتأ يجدُ مغبَّتها وجزاءها في الدنيا مع الجزاء المرصود في الآخرة، وذلك الشقاء كلُّ الشقاء. وشدد آل محسن على أن صلاح المواطن والمقيم بالتزام مقتضاها؛ اتباعٌ لله ورسوله، وصلاحٌ لمجتمعه، ونماءٌ لوطنه وبلاده.

مشاركة :