شكوت لأحد أصدقائي من حالة أخذت مكان الصدارة في كثير من استراحاتنا ومجالسنا، رغم أن الذين يأتونها ويتواردون عليها وإليها يومياً، رجال يعدون أنفسهم من الأخيار.. ومن المثقفين الأحبار.. ومن خريجي الدول العظمى في جامعتها الكبرى التي يشار إليها بالبنان.. هذه الاستراحات والمجالس تعج بأصوات نشاز وبمجادلات ولغو وهذر بل زَبَدٌ لا يُسمن ولا يُغني من جوع، كل فرد يهرف بما لا يعرفه ويعد نفسه (أبو العريف)، هرج ومرج، وتقطيب جبين إشارة إلى عدم الرضا، وتلميح بأن فهم سليمان عليه السلام في جمجمته... ينفق منه كيف يشاء، وأردف صاحبي يقول: إن حالة اللا مبالاة تبيض وتفرخ في عقول شبابنا، ومن لم يكن له أدنى خبرة من أبناء هذا العصر. اللا مبالاة سوسة أخطر من سوسة النخيل في نخرها لعقول أبناء هذا العصر.. لقد وقفت أمام كلمة (اللا مبالاة) في حديثه ولانفعاله الشديد تركت سؤاله عن معنى هذه الكلمة.. بل عندما رجعت إلى مكتبتي راجعت هذه الكلمة ومعناها فقال عنها معجم الدكتور الحفني في مصطلحاته الفلسفية ما يلي: «حالة نفسية حادة لا تنفعل باللذة والألم أي غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لشغل الحس بما ورد عليه أو هي استواء الطرفين دون مرجح وتسمى حرية الإمكان». وأما الدكتور أميل يعقوب فقد قال في قاموس المصطلحات اللغوية ما يلي: «اللا مبالاة حالة الشخص الذي يقف موقف الحياد تجاه الآراء المتعارضة أو تجاه شؤون الدين والأخلاق وغيرها والذي لا يحس بما يصيب غيره من خير أو شر». وأما اللا مبالاة في العرف الاجتماعي فإنها تعني عدم الاكتراث وعدم الاهتمام ببعض الأشياء والمواقف والأقوال وبكل شيء في حياتنا لا نلقي له بالاً ولا يحسب له حساباً عمداً أو تساهلاً. هذا الشخص لا يضع لك حساباً وتقديراً لا يريد إهانتك ولا إنقاص حقك إنما هذا طبعه وهذه سجيته. عندما تتحدث مع مجموعة من الأصدقاء عن موضوع يهم الجميع وبصفتك ملما بجوانب الموضوع ويمكن الاستفادة من أفكارك ومن مقترحاتك تجد من بين الأشخاص شخصاً لا يعيرك اهتماما وقد ينشغل بأي شيء يصرفه عن الاستماع إليك كتصفح جريدة او مجلة أو هاتفه المحمول، بينما المجموعة يصغون لحديثك ويشاركونك بالمداخلات والحوارات الهادفة. أو عندما تكون في رحلة أو سفرة مع مجموعة من الأصدقاء، ويكون من بينهم شخص يحتاج إلى رعاية ومساعدة؛ بسبب مرضه أو إعاقته، تجد أن معظم المجموعة يمنحونه الرعاية ويرغبون في خدمته وآخرون ينظرون كأن الأمر لا يهمهم ويتهربون عن خدمته ومساعدته، أولئك لا يكترثون بالموقف. عندما تحس بالظلم وتراه بعينك وتتألم للموقف تجد غيرك ينظر لذلك على أنه شيء عادي يحدث بين الناس ولا يكلف نفسه نصرة مظلوم. هناك بعض الآباء يرون أبناءهم يعبثون بممتلكات الغير والدولة ولا يكترثون بالأمر بحجة أن ذلك العبث من طبع الأطفال. ممارسة بعض الأعمال والتقاليد التي تضر بالصحة والبيئة وعدم الاكتراث بالنتائج الخطيرة لتلك الممارسات: كالتدخين، والتفحيط، والتساهل مع أخطاء الآخرين السلبية. التضحية بالأهل والأصدقاء في سبيل الماديات وعدم النظر إلى النتائج السلبية والتي من شأنها تمزيق أواصر المحبة بين الأهل والأخوة والأصدقاء. كذلك عدم الاهتمام بالوقت واحترام المواعيد واختيار الأوقات المناسبة للعمل والراحة والزيارة وغيرها من الالتزامات التي من شأنها إزعاج الآخرين وإيذاؤهم. أحد الأبناء يبر والديه بكل معاني البر والإحسان والآخر يكتفي بذلك الأخ غير مكترث بالنتائج السلبية على نفسية والديه. إن مراعاة شعور الآخرين مبدأ أساسي للتعايش السليم بين أفراد المجتمع واحترام العادات والتقاليد التي يمارسها أفراد المجتمع سلوك حضاري يزيد الألفة والمحبة، فهناك أشخاص يمرون بحوادث مرورية بها قتلى وجرحى وأطفال ونساء وكبار في السن يحتاجون إلى المساعدة يمرون عليهم مرور الكرام غير مكترثين بـهذا الموقف الإنساني. وكثيرة تلك الأمثلة في اللا مبالاة: كالإسراف في الماء والكهرباء، وعدم تربية الأبناء وعدم الإحساس بالانتماء الوطني، وعدم الدفاع عن الوطن والدين. هدانا الله جميعاً.
مشاركة :