حَاولتُ أَنْ أَتأمَّل الحَسَد ومَصدره، ولِمَاذا نَحسد بَعضنا؟، تَأمّلتُ ورَجعتُ إلَى الكُتب، فوَجدتُ أنَّها زَاخِرَة بكُلِّ الإجَابَات، وتُعطي كُلّ المَعلُومَات..! في البِدَاية، دَعونا نَتَّفق عَلى أَنَّ النَّاس لَا يَحسدون إلَّا النَّاجحين، ولَم أَرَ فِي حيَاتي فَاشلًا مَحسودًا، ولذَلك جَاء في الأثَر: (كُلّ ذِي نِعمةٍ مَحسود)، ولَم أَسمَع أَحدًا يَقول: (كُلّ ذِي فَشلٍ مَحسود)..! هَذا كَلام عَام، أمَّا الكَلام الخَاص، فقَد ذَكره «أرسطو» قَبل آلَاف السِّنين، حِين قَال: (نَحنُ نَحسد مَن يُشبهوننا)، وهَذا كَلام فِي الصَّميم، لأنَّك لَو تَأمَّلتَ سَائق التَّاكسي؛ لَن تَجده يَحسد طَبيبًا في مُستشفَاه، أَو مُدرِّسًا في مَدرسته، بَل كُلّ حَسده يَتَّجه إلَى مَن يُشبهه، وهو سَائق التَّاكسي الآخَر..! والمُشَابهة التي تَحدَّث عَنهَا «أرسطو»، تَدخُل في عِدَّة مَجالات، كَما ذَكَر الذين شَرحوا كَلام «أرسطو» ممَّن قَالوا: (إنَّ الإنسَان يَحسد مَن يُشابهونه في المِهنَة أَوّلًا، كَما يَحسد الذين يُماثلونه في الولَادة، ويُماثلونه في العُمر، كَما أَنَّ النَّاس يَحسدون المُشَابه لَهم في البَلَد والسُّكنَى، وأَخيرًا هُم يَحسدون مَن يَكون مُوازيًا لَهم في القرَابَة)، وقَد اختَصَرَ العَرب الحِكَاية فقَالوا: (عَدوّ المَرء مَن يَعمل عَمله)..! وإذَا صَرفنَا النَّظر عَن «أرسطو»، واتّجهنا إلَى التُّرَاث العَربي، سنَجد مَقولات كَثيرة، تُؤكِّد أَنَّ الحَسَد أَقوَى مَا يَكون بَين الأصحَاب والأقرَان، وقَد قَال الفُقهَاء: (إنَّ المُعاصرة حِجَاب)، وهَذا يَعني أنَّ العَالِم إذَا عَاصر عَالِمًا آخَر؛ لَا يُمكن أَنْ يَعرف قِيمته، فحِجَاب الحَسَد يَجعل عَلى عَينيه غشَاوة فلا يَرَاه، كَمَا أنَّ الفُقَهَاء قَالوا: (المُعَاصرة أَصل المُنَافرة)، وهَذا يَعني أنَّ صَاحب المِهنَة؛ إذَا عَاصَرَ صَاحب مِهنَة مُماثلة، أصبَحَا في وَضع مُتنَافر، وحَسَد دَائم..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نُؤكِّد أنَّ مَسَافة الحَسَد مُتقَاربة، فأنتَ لَا يُمكن أَنْ تَكون إنسَانًا عَاديًّا؛ وتَحسد وَزيرًا، بَل أَنتَ لَا تَحسد إلَّا مَن يُشبهك، كَما يَقول شَيخنا «أرسطو»..! إنَّني أَقول هَذا الكَلام رَغبةً فِي تَأمُّل الأَمر وتَقليبه، لَعلَّنا نُخفِّف مِن الحَسَد، الذي يَقتَاتُ عَليهِ البَعض..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :