تواجه الصين منذ قرون تحدي إطعام عدد هائل من السكان. وفي الوقت الذي تحققت فيه إنجازات كبيرة في القضاء على الفقر المدقع، تركز النقاشات الشعبية الآن على قياس محيط الخصر. من المفارقات المثيرة للاهتمام، أن بعض المقالات في وسائل الإعلام الغربية تشير إلى أن ارتفاع معدل السمنة في الصين لا يرجع إلى النمو الاقتصادي، بل يرجع إلى التحديات الاقتصادية الأخيرة التي يفترض أنها تدفع الناس نحو وجبات أرخص وأقل صحية. إلا أن هذا المنطق الغريب لا يتماشى مع الحقائق. فقد كانت السمنة مشكلة غير ملحوظة قبل بدء الإصلاح والانفتاح في أواخر سبعينيات القرن العشرين، حيث كان التركيز ينصب على تأمين الغذاء بدلا من قياس محيط الخصر. ومع نمو الاقتصاد الصيني، زادت شهية المواطنين، مما أدى إلى ظهور السمنة كأثر جانبي لتحسين مستويات المعيشة. ولكن خلال هذه الأيام، يتم تأطير هذا "العبء الحلو" للثراء كتحذير من مشاكل اقتصادية مع نية واضحة لرسم صورة قاتمة للصين دون الاعتماد على حقائق ودراسات دقيقة، بل استنادا إلى الاستدلال والخيال غير المتطابقين مع الواقع. وتشير البيانات إلى أنه منذ عام 1960 إلى عام 2010، تضاعف معدل السمنة في الولايات المتحدة ثلاث مرات تقريبا، ويعاني اثنان من بين كل خمسة بالغين في الولايات المتحدة من السمنة المفرطة. ومع ذلك، لا يعتبر هذا دليلا على انهيار اقتصادي. وعلى نحو مماثل، فإن استخدام السمنة للتنبؤ بآفاق اقتصادية في الصين يثير الشك. وقد وضعت الصين الحد من السمنة على رأس أولويات سياستها، حيث أن الصين الصحية جزء أساسي من رؤية البلاد للتحديث. ولا تقتصر اهتمامات صانعي السياسات على السمنة فقط، بل تشمل أيضا مرض السكري والعديد من الأمراض المزمنة الأخرى، حيث تضع البلاد الشعب في مركز محرك التحديث الخاص بها، وتسعى الحكومة إلى تحقيق رفاهية أكبر وصحة أفضل للشعب كجزء من سياساتها للإصلاح والانفتاح. ويتم بذل جهود على الصعيد الوطني لمكافحة السمنة، حيث تنشأ عيادات إنقاص الوزن في المستشفيات في جميع أنحاء البلاد. وتعكس هذه المبادرات، إلى جانب تحسين خدمات الرعاية الصحية، النهج الاستباقي الذي تتبناه الصين في الوقاية من الأمراض المزمنة. ولتشجيع اللياقة البدنية، خصصت الصين في عام 2008 يوم 8 أغسطس ليكون اليوم الوطني للياقة البدنية، وساهم تنامي الوعي العام بالصحة إلى ازدهار صناعة اللياقة البدنية. وبحلول نهاية عام 2023، كان لدى الصين ما يقرب من 117 ألف مؤسسة لياقة بدنية تقدم خدماتها لما يقرب من 70 مليون عضو. كما أن رياضة ركوب الدراجات عادت بقوة إلى الصين، أكبر الدول المستهلكة للسيارات في العالم، حيث تجرى 30 في المائة من الرحلات في المناطق الحضرية بالدراجات. كما أن الأتمتة تقلل من العمل البدني وتوفر الوقت للأنشطة الترفيهية. وينتشر بين الشباب استخدام أدوات رقمية مثل تطبيقات تتبع الصحة، والأجهزة القابلة للارتداء، والمنصات النقالة لرصد وتحسين الرفاهة. ومع توسع الطبقة المتوسطة في البلاد، ستصبح اللياقة البدنية وأساليب الحياة الصحية اتجاها متناميا. ومن الشائع الآن أن نرى كبار السن يمارسون رياضة التاي تشي في الحدائق العامة، مما يدل على عدم انخراطهم في نمط حياة كسول. وبدلا من أن تشكل السمنة عبئا على الاقتصاد أو نظام الرعاية الصحية، فمن المرجح أن تفتح تحديات السمنة مجالات جديدة للنمو. ومن المتوقع أن تحقق صناعة الصحة والعافية في الصين 9 تريليونات يوان (حوالي 1.28 تريليون دولار أمريكي) هذا العام، مما يدل على الرغبة المتزايدة في حياة أكثر صحة. ومن ناحية أخرى، ينمو قطاع اللياقة البدنية بدعم من ممارسة الرياضة على شبكة الإنترنت. وتوقع محللون من شركة AskCI للاستشارات أن تصل السوق إلى 1.12 تريليون يوان هذا العام، ما يظهر أن السعي وراء اللياقة البدنية يعد أيضا محركا اقتصاديا قويا. وبالتطلع إلى المستقبل، فمن المؤكد أن الصين لن تعود إلى أيام التقشف من أجل تغطية نفقاتها. ولن ينغمس الشعب الصيني في أنماط حياة غير صحية دون السيطرة على وزنهم. فالرخاء الحقيقي يكمن في قدرة أي أمة على ضمان حياة صحية، ويبدو أن الصين تسير على الطريق الصحيح لتحقيق هذا الهدف.■
مشاركة :