يشهد العالم تصاعداً في موجة مناهضة للعولمة، تتزايد مؤشراتها يوماً بعد يوم خاصة في الخطاب السياسي للحملات الانتخابية الأمريكية، ودعاة الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في بريطانيا الأمر، الذي يهدد بتبعات مؤذية للجميع في حال اكتسب دعاة الحمائية المزيد من الأنصار، وانتهى بنا المطاف إلى حرب تجارية. ولعل من طريف ما نشر، تلك الصورة التي رسمتها صحيفة بوسطن جلوبال في التقرير الذي تصورته للأسبوع الأول من تولي دونالد ترامب منصب الرئيس الأمريكي، الذي جاء فيه: تراجعت الأسهم من جديد في تداولات يوم الجمعة لتكمل الشهر الأسوأ أداء في عشية تصاعد مؤشرات الحرب التجارية بين الصين والمكسيك. وكان الهدف من نشر هذا التصور تعبير مجلس الإدارة عن معارضته الشديدة لترشيح ترامب من قبل الحزب الجمهوري. إلا أن المستثمرين ليسوا بحاجة للانتظار حتى تظهر نتائج الانتخابات الأمريكية كي يقلقوا حيال مناهضة العولمة التي يفجرها ترامب. ففي الولايات المتحدة تبدي هيلاري كلينتون أيضاً معارضة صريحة لاتفاقيات الشراكة عبر الأطلسي، وفي أوروبا هناك بوادر عدم تسامح لا تخفى حيال الاندماج والتكامل الأوروبي وضد اللاجئين. وحتى في سيريلانكا يحذر رئيس الوزراء من الرهان على النمو الذي يعتمد على التمويل الخارجي بقوله: سوف تسد كل نوافذ الوصول إلى أسواق التمويل العالمية قريباً. وهنا يبرز السؤال التالي: هل يملك المستثمرون ما يضمن لهم حماية محافظهم من تهديدات السياسات الحمائية؟ بالنسبة لمستثمرين عدة سيكون أقصى ما يمكن الركون إليه هو الاستثمار في صندوق مدرجة في بورصة تحظى بدرجة تغطية ضخمة، مما يعني أنهم سيبقون عرضة للاستثمار في شركات متعددة الجنسيات، كلها مهددة بالخسائر في حال انتهت حقبة العولمة. وينبغي على المستثمرين التفكير في واحد من احتمالين. الأول والأشد خطراً هو الذي ينطوي على نشوب حروب تجارية تغذيها حركات مناهضة العولمة الحالية، وبالتالي محاربة كل اتفاقيات التنسيق والتعاون الدولي الحالية. أم الثاني هو التركيز على نمط من العولمة الداخلية، حيث يحبس الساسة أنفاسهم في دائرة تجنب البحث في آليات تحرير التجارة والركون إلى سياسات الحماية. وفي السيناريو الأول ستضرر مجموعة معينة من الشركات بدرجات كبرى، لكن المستثمرين سوف يتجاوبون بسرعة مع متطلبات التعرفة الجديدة، والإجراءات الانتقامية للأطراف المتحاربة. إلا أن التجارة ليست لعبة تنتهي بتعادل إيجابي، وهذا يعني أن عدد الخاسرين سيتفوق على عدد الرابحين. فحرب تجارية بين الصين والمكسيك لا بد أن تلحق الضرر بشركات التقنية والشركات الزراعية الأمريكية. وكل شركة تملك سلاسل توريد عالمية سوف تعاني جرّاء ارتفاع التكاليف التي بدورها تلحق الضرر بمبيعات الشركات. وهذا يؤكد مصداقية رؤية بوسطن غلوب لأن أسواق الأسهم سوف تتجاوب مع حالة الركود التي تسود في ظل هذه الظروف. وسوف يركز المستثمرون على حيازة الأسهم التي تقيهم مخاطر ذلك الركود. وبما أن شركات صناعة سلع المستهلك تركز مصانعها خارج الحدود فإن أقل المتضررين من الركود سيكون قطاعات الرعاية الصحية والخدمات والمرافق.
مشاركة :