الصين ترد على مناهضة العولمة

  • 7/6/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد الصياد في ضوء ضراوة الحملة التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد العولمة والإجراءات الأحادية التي يتخذها مع فريقه الحاكم لإقامة جدار عال من الحمائية في استدعاء حي للأوتاركيا (Autarky)، وهي نزعة قديمة تعود لأيام الإغريق الذين اخترعوا فكرتها ومسماها، وذلك للدلالة على تفضيلهم سياسة الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن الاتجار والتعامل مع الخارج - لم يجد منظمو منتدى دافوس الاقتصادي السنوي لقادة المستويين السياسي والاقتصادي في العالم، في نسخة هذا العام (من 17-20 يناير 2017)، بُداً من الاستعانة بالزعيم الشيوعي رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينج، ليحاضر أمامهم وأمام العالم عن حسنات العولمة وذلك رداً على موجة العداء لها التي أطلقها ترامب وفريقه الجديد الحاكم. فيا لها من مفارقة؟ فقد أصبح الشيوعي هو الذي يدافع عن حرية التجارة ومزايا العولمة في حين يحاربها رأسمالي وملياردير مثل دونالد ترامب!بدأ الرئيس الصيني خطابه أمام كبار قادة قطاعات الأعمال في العالم، باستدعاء بالغ الدلالة للتاريخ، مستعيناً بتعليقات الكاتب البريطاني الشهير شارلز ديكنز على الثورة الصناعية القائلة «إنها أفضل الأوقات، إنها أسوأ الأوقات»، لتوصيف الحالة العالمية التجاذبية الراهنة بين العولمة والحمائية، ففي حين تتعاظم الثروات العالمية ويتقدم العلم والتكنولوجيا بشكل مهول ومعهما الحضارة العالمية، نجد على الجانب الآخر تفجر الصراعات الإقليمية وتصاعد تحديات الإرهاب والهجرة والفقر والبطالة واتساع فجوة المداخيل، ما أدخل العالم في اللا يقين، ودفع الكثيرين حول العالم للقول إن خطأً ما جسيماً قد ارتكبته البشرية. وقد اعتبر الرئيس الصيني أن ما يحصل اليوم في العالم ليس بسبب العولمة الاقتصادية، وإن مشكلة ملايين اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل خلقتها الحرب، وتجاوزها يكمن في إحلال السلام والمصالحة الوطنية. أيضا فإن الأزمة المالية العالمية مثال آخر على أن العولمة ليس لها يد في خلقها بقدر ما أنشأها الجري المفرط لرأس المال وراء الربح وإخفاق أجهزة الإشراف والتنظيم الحكومية في ضبط حركة رأس المال في طوره الجامح. ومن الوجهة التاريخية، فإن العولمة الاقتصادية لم يصنعها الأفراد أو تصنعها الدول وإنما صنعها نمو الإنتاجية المجتمعية، وهي ثمرة طبيعية للتقدم العلمي والتكنولوجي، وأنها بدورها حقنت النمو الاقتصادي العالمي وسهلت انتقال السلع ورؤوس الأموال وأسهمت في التقدم العلمي والتكنولوجي والتلاقح والتلاقي الحضاري بين الشعوب. ولكن العولمة، والكلام للرئيس الصيني، سيف ذو حدين، فحين يكون الاقتصاد العالمي تحت الضغط، يصبح من الصعب تكبير كعكته إن لم يكن تصغيرها، ما يؤدي إلى اختلال التوازن بين النمو وتوزيع حصيلة النمو، بين رأس المال والعمل، بين الكفاءة والمساواة. وهو ما تعرضت له الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء. في وقت من الأوقات، والكلام للرئيس الصيني، كان الشك يساور الصين حول العولمة وحول جدوى الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية. لكن الصين أدركت أن التدويل والعولمة هما اتجاهان تاريخيان لا يمكن وقفهما، فكان أن اتخذت قرارها الشجاع بإلقاء نفسها في بحر السوق العالمية المتلاطم، فأخذت نصيبها من بعض حالات الاختناق ولكنها تعلمت السباحة في أوقات «المد والجزر»، وتكيفت مع انتقالتها المعولمة، بحلوها ومرها. العولمة، بحسب الرئيس الصيني، مثل البطيخ حلو المذاق، المتدلي من أغصان حادة المذاق، ومثل الرطب حلو المذاق، الذي ينمو على الأغصان الشائكة، كما يذهب المثل الصيني.

مشاركة :