مناهضة العولمة لتطبيقات متطرفة في الغرب

  • 12/20/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد الصياد خصصت مجلة الايكونومست البريطانية موضوع غلافها للأسبوع الأول من شهر أكتوبر الماضي للرد، من خلال تقرير موسع، عن الموجة الشعبية الواسعة التي تجتاح أوروبا منذ نحو عامين المناهضة للسياسات النيوليبرالية العميقة التي تطبقها أنظمة الحكم في أوروبا والولايات المتحدة. وإذ تعرض، من موقع الناقد الاستعلائي، للاحتجاجات الشعبية الواسعة في ألمانيا ضد اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي تراوح مكانها، ولتهديد دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية بالانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي التي تضم بروناي، شيلي، نيوزيلندا سنغافورة، أستراليا، ماليزيا، بيرو، الولايات المتحدة وفيتنام، وإعادة التفاوض مع كل من كندا والمكسيك حول اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، فإن المجلة تسخر وتحنق من هذه الاحتجاجات المناهضة لحرية التجارة في طورها المعولم، وتعتبرها غير صائبة وفي غير محلها. المجلة تعرض لحسنات العولمة التي أفضت، كما تقول، لارتفاع الصادرات العالمية من 8% من إجمالي الناتج العالمي في عام 1950 إلى حوالي 20% بعد نصف قرن، وان النمو المستند إلى التصدير والاستثمارات الأجنبية أخرجا مئات الملايين من الفقر في الصين. على عكس الحمائية التي تضر بالمستهلكين ولا تساعد الشغيلة كثيراً، على حد تعبير المجلة. وتنسب المجلة إلى دراسة (لم تسمها) عن 40 دولة، بأنها أظهرت أنه إذا كان الأغنياء سيفقدون 28% من قدرتهم الشرائية نتيجة للسياسة الحمائية فإن خسارة الفقراء ستبلغ 63%، بحسب المجلة. هذا العرض الوردي للعولمة لا يختلف عن الوعود الرقمية الوردية التي أطلقها أنصار العولمة التي تجاوزت حدود حرية التجارة إلى الإلغاء شبه التام للضوابط السيادية الحامية لمكونات الأسواق الوطنية من فائض السياحة العابرة للتدفقات الحرة لرؤوس الأموال الساخنة المتحركة بخفة وبسرعة البرق عبر أسواق المال العالمية، وحركة السلع والبضائع والخدمات، عشية إسدال الستار على الجولة الثامنة من جولة مفاوضات أوروغواي لتحرير التجارة الدولية في إطار الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية نهاية عام 1994 وإعلان قيام منظمة التجارة العالمية التي حلت محل الجات اعتباراً من أول يناير 1995. يومها رسمت الماكينة الإعلامية الاقتصادية المتخصصة، بالأرقام التقديرية، صورة وردية للعوائد التجارية والاقتصادية والاجتماعية التي ستجنيها الدول النامية من حزمة التحرير الجديدة لأسواق سلعها وخدماتها. فإذا بها تُصدم من الحصاد الباهت الذي تمظهر في صورة فشل جولة الدوحة (الجولة التاسعة) من مفاوضات تحرير التجارة العالمية، في إطار منظمة التجارة العالمية هذه المرة. الأمر لم يعد يتعلق بمجادلة هذه الحصيلة الرقمية التي تعرضها المجلة، بقدر ما صار متصلاً بإنزالها على واقع الخريطة الاجتماعية التي أضحت عليها مجتمعات هذه الأرقام القياسية جراء التطبيقات المتطرفة للعولمة الاقتصادية، خصوصا في شقها المتعلق بالتجارة العالمية. وحتى من الناحية الشكلية، السابقة للدفع الموضوعي، فإن هذا العرض لحسنات العولمة، يبدو سطحياً ومثيراً للسخرية. فكيف للمجلة أن تتصور أن معدل نمو التجارة العالمية كان سيكون متواضعاً لولا العولمة، من دون حسبان معدلات النمو السكاني الانفجارية التي حتمت طلباً متعاظماً، والدخول والحضور العظيم للمواد الخام والمعادن في التجارة الدولية والارتفاعات الشاهقة لأسعارها كمدخلات ولقائم صناعية تماشيا مع الطلب المتصاعد على إجمالي الناتج وجزء من حصيلته المحولة للتصدير، وهو ما عظّم إجمالي قيمة الصادرات العالمية وترتيب التجارة العالمية البينية. واقع الحال أن الجبهة الاجتماعية استوعبت لزهاء خمسة عقود الهجمة التوسعية لدورة رأس المال ووتيرتها المتصاعدة عندما كانت ضمن إطار سعتها الاستيعابية لمستوى التدويل الذي كانت التجارة العالمية تدور في بوتقته. ولكنها لم تعد تتحمل الضغط الذي أخذها إليه مستواها التدويلي الأعمق متجسدا في طوره المسمى العولمة، خصوصاً في الشق الخاص بحرية انتقال قوة العمل ضمن مكونات التجارة الدولية، التي أدخلتها منظمة التجارة العالمية أولا واتفاقيات التجارة الحرة تالياً في سياق سياسة تأمين كامل حرية حركة وانتقال السلع والخدمات ورأس المال وقوة العمل عبر الحدود.

مشاركة :