حديث السياسة الخليجية حديث ذو شجون، لأنه حديث كثير ومتشعب، ويتعاطاه المختص والهاوي وغير المختص وغير الهاوي، بل وأصبح حديث من لا حديث له. وهنا تكمن مشكلة السياسة عندنا. لقد عانينا من مكابدة أناس من الداخل والخارج لا يعرفون مبادئ السياسة الخليجية ومعطياتها التاريخية والشعبية، ولكنهم يتصدرون المشهد الإعلامي، خصوصاً في دكاكين الفضائيات. معتمدين على التناقضات السياسية التي تشهدها الساحة الخليجية. وهذه التناقضات لا تمثل الأسس التي قامت عليها السياسة الخارجية الخليجية، بل هي ردود فعل آنية تضعف دول الخليج، ولكنها لا تؤسس لتحليل سياسي بعيد المدى. ولا تصمد أمام تهديد قد يطال أي دولة من دوله. تقوم السياسة الخارجية الخليجية المعلنة على مبادئ وثوابت منذ زمن الآباء المؤسسين للكيانات السياسية في الخليج. وهي ثوابت لا تخرج عن المعطيات الجيوسياسية، والإرث الديني والتاريخي والشعبي تقوم السياسة الخارجية الخليجية المعلنة على مبادئ وثوابت منذ زمن الآباء المؤسسين للكيانات السياسية في الخليج. وهي ثوابت لا تخرج عن المعطيات الجيوسياسية، والإرث الديني والتاريخي والشعبي. وتٌعلي السياسة الخارجية من معطيات رئيسة يأتي على رأسها: حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول، ويدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، والاضطلاع بدور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية. ومنذ تأسيس الدول العربية في الخليج حتى اليوم تحظى العلاقات الخليجية بأهمية كبيرة لأسباب عدة أهمها: أواشج القربى القوية والمتداخلة ما يشكل قوة شعبية، والارتباط التاريخي والجوار الجغرافي، وتماثل الأنظمة السياسية والاقتصادية القائمة فيها. وإيماناً بهذه الأسباب قامت محاولات لتأطير وتأسيس مؤسسة سياسية تترجم الواقع النظري إلى واقع عملي. وانتهت تلك المحاولات إلى تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وجرت محاولات عديدة للوصول إلى اتفاقيات لتعزيز التعاون في الملفات السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها، ووقعت اتفاقيات عديدة بهذا الخصوص. وكان المأمول أن ينتهي مجلس التعاون إلى شكل سياسي أعمق هو الاتحاد، لكن هذا لم يحدث ولن يحدث في نظري في المستقبل المنظور لسبب بسيط وهو: أن أكثر الاتفاقيات التي أقرها مجلس التعاون لم تُنفذ لأسباب عامة وأسباب تخص كل دولة خليجية على حدة. تواجه دول الخليج، في ضوء الصراع الدائر في الدول المحيطة، أكبر تحدّ أمني. ولا يمكن المجادلة في حق دول مجلس التعاون مجتمعة أو فرادى في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها بالطرق التي تراها مناسبة، وتكفلها مبادئ القانون الدولي العام، وذلك بالتصدي لتحديات خارجية وداخلية. لكن مع هذا التحدي نجد اختلافاً بين دول الخليج قد لا يكون يسيراً في طرق التعاطي مع الأخطار الأمنية. صحيح أن المسلّمات الأولية لا اختلاف عليها مثل: رفض التدخل في الشؤون الداخلية، والعمل على الوقوف صفاً واحداً أمام أي اعتداء على أي من مجلس التعاون. لكن هذه المسلّمة قد لا تسلم إذا لم تصل دول الخليج إلى تنسيق سياسي رفيع المستوى تلتزم به الدول كلها، تنسيق السياسات الخارجية لدول المجلس قدر الإمكان وبخاصة تجاه القضايا الإقليمية والدولية المصيرية. وقد لا تسلم هذه المسلمة إذا لم يتم العمل الجاد لتصفية كافة الخلافات (خصوصاً الحدودية) بين دول المنطقة بالتفاهم القائم على مبادئ الأخوة وحسن الجوار. وقد لا تسلم هذه المسلّمة ما لم يتم التنسيق الاقتصادي بين دول المجلس من خلال الحث المستمر على توحيد السياسات الاقتصادية، وإقامة الصيغ التكاملية الملائمة مع إيلاء عناية خاصة للتنسيق حول السياسات النفطية لدول المجلس بما يخدم مصالحها باعتبار أن النفط سلعة استراتيجية لهذه الدول. ولو أخذنا التعاطي مع ملف الدائرتين العربية والإقليمية للاحظنا تبايناً بين موقف الدول الخليجية. وهذا التباين يضعف دول الخليج أمام التكتلات الإقليمية، وأمام الأخطار التي تنبع من دول الجوار. وقد كان المأمول أن تكون مواقف دول الخليج العربية متشابهة إلى حد كبير، طالما أن المعطيات واحدة لم تتغير ولن تتغير في ضوء ما وصفنا آنفاً. ومع كل هذا فأنا متفائل بأن دول الخليج العربية رغم ما يبدو من اختلافات سياسية فيما بينها، إلاّ أن وقوع تهديد لإحداها سيوحد البقية بسبب أن المعطيات التاريخية والشعبية التي تجمعها لا تسمح إلاّ أن تقف الدول الخليجية متوحدة على صعيد واحد.
مشاركة :