الشرعية والإرادة - د. عبدالله بن إبراهيم العسكر

  • 7/31/2013
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

في ظني أن سبب الاختلاطات السياسية هو الخلفية الثقافية المتصادمة مع العمل الديمقراطي، وهي أيضا سبب سوء استنبات الديمقراطية الحقيقية. وفيما يخص مثال مصر فإن الحل هو أن يعمد أهل الرأي إلى كتابة دستور مدني حديث يقنن العمل السياسي الديمقراطي، ويبيّن على وجه الدقة معنى الشرعية ومتى تقوم ومتى تسقط اتضح أن البنية الثقافية فيما يخص العمل السياسي في العالم العربي هشة بدرجة لم يكن يتوقعها أصحاب الشأن. بلدان الربيع العربي تعاني من مشكلات عويصة لا تعرف كيف دخلتها ولا تعرف كيف الخروج منها. واتضح أن استنساخ العمل السياسي وآلياته من الدول الديمقراطية لا ينجح في بيئة غير مواتية أو على الأقل يحتاج إلى بنية أساسية غير متوفرة بالقدر الكافي ليصبح العرب ديمقراطيين مثل بقية الشعوب، التي بدأت مثلهم لكنها قطعت شوطا سريعاً في استنبات بذور الديمقراطية. العرب لا زالوا غير منفكين عن تراث ثقافي يتصادم مع أسس الديمقراطية، وهم في أحسن الأحوال يكتفون بآلية من آليات الديمقراطية ويتشبثون بها مثل ما يحدث في مصر عندما يجعل فصيل سياسي آلية صندوق الانتخابات الشرعية الوحيدة، ناسين أن هناك شرعيات وآليات أخرى لا تقل أهمية عن شرعية الصندوق، وأقصد بها شرعية الإرادة الشعبية التي هي مصدر من مصادر الشرعية والديمقراطية. والعرب لا زالوا غير منفكين عن الخلط بين السياسي والديني، وهو خلط خطير لأنه يقوض العمل السياسي ويسيء إلى الدين نفسه. خصوصاً أن هذا الخلط يُستدعى في بيئة ثقافية متواضعة لا تعرف حدود الدين وحدود السياسة، بيئة يغلب عليها الأمية المفزعة. ففي تقرير إقليمي يشير إلى أن عدد الأميين العرب يبلغ 66 مليوناً. وهذا رقم موجع إذ تصل نسبة الأمية إلى 27% من مجمل عدد العرب. في مثل هذه البيئة لا يمكن للأحزاب السياسية أن تعمل وفق أبجديات الديمقراطية الحديثة. والمراقب المحايد لا يحتاج إلى كبير ذكاء وفطنة ليرى سوء تطبيق الديمقراطية وخطله، فالأحزاب المتصارعة على سدة الحكم تستدعي مخزونا ثقافيا من الماضي لتبرير وجهة نظرها، وهو استدعاء يوشي بتصادم مع العمل السياسي الحديث. وما أراه في مصر وليبيا وتونس لا يمت للديمقراطية بصلة بالرغم من دعاوى القوم والغلواء. يمكن تسميته بأي اسم ما عدا الديمقراطية. ولا أعرف لمَ لا نخترع اسماً يتسق مع ثقافتنا العربية السياسية، وندع الاسم اليوناني حتى يعرف، على الأقل، العالم الآخر ما نقصد، ولا يتخبطون في التعامل معنا بدءاً من سوء الفهم وانتهاء بالتدخل بسوء نية أو حسن نية. ما يجري في ساحة رابعة العدوية والنهضة في مصر يمكن وصفه بأي صفة ما عدا الديمقراطية. ما حدث أن إرادة شعبية واسعة أسقطت شرعية الصندوق، يقابلها فصيل آخر وهو الإخوان يتمسك بالشرعية الدستورية وبالصندوق الانتخابي. ولو انتبه ذلك الفصيل لعرف أن الإرادة الشعبية الواسعة والكبيرة هي من تعطي وتسحب الشرعية الدستورية وهي من تلغي نتائج الصندوق. هذه أبجديات سنة أولى ديمقراطية. ما سبب كل هذا؟ في ظني أن سبب الاختلاطات السياسية هو الخلفية الثقافية المتصادمة مع العمل الديمقراطي، وهي أيضا سبب سوء استنبات الديمقراطية الحقيقية. وفيما يخص مثال مصر فإن الحل هو أن يعمد أهل الرأي إلى كتابة دستور مدني حديث يقنن العمل السياسي الديمقراطي، ويبيّن على وجه الدقة معنى الشرعية ومتى تقوم ومتى تسقط. في البلدان العربية نحتاج إلى آليات واضحة للعمل السياسي لا تقبل التأويل أو الالتفاف على نصوصه، وتحفظ لكل فئات الشعب حقوقه، وتحافظ على وحدة التراب الوطني. في مثال مصر الآن يبزغ أمل الاتساق مع الديمقراطية الحقة وأقصد به البدء بكتابة دستور لا البدء بالانتخابات التشريعية كما حدث بعد ثورة 25 يناير. وهو ما يقول به الفكر الديمقراطي إذ البداية وضع الأسس القانونية ليعرف الناس كيف ينشئون الأحزاب، ويعرف الناس كيف يتنافسون، ويعرف الناس آليات العمل السياسي. لكن إذا لم تستطع دول الربيع العربي أن تقبل بشروط الديمقراطية الحديثة فعليها أن تقنع مؤقتاً بحكم المستبد العادل وهذا في زعمي مسمى لا يعرفه الغرب، وهو من ثقافة العرب المتجذرة، وهو أهون الشرين، أو تقبل بسيطرة العسكر وهو ما حدث في مصر عندما رضي به ملايين المصريين لإخراجهم من حكم الإخوان، الذين يرومون إلى تأسيس دولتهم على أنقاض دولة مدنية عرفتها مصر منذ مئات السنين. وهو عمل يتصادم مع الديمقراطية، وهو عمل يلغي الإرادة الشعبية..

مشاركة :