الغرب وتحدي الدعاية الإعلامية الروسية

  • 5/10/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبل خمس عشرة سنة، كان من غير الوارد القول إن التضليل الإعلامي الأجنبي يمكن أن يمثل مشكلة بالنسبة للبلدان الأوروبية، وذلك لأن الإعلام الحر كان يبدو منتصراً على غرار الأسواق الحرة، والتلفزيون والجرائد الغربية كانت تتمتع بتمويل مريح وجمهور واسع. ولكن النموذج الاقتصادي الذي كان يدعم الإعلام عبر القارة العجوز، بل عبر الغرب كله، لم يعد ناجحاً أو فعالًا، حيث بات جزء كبير من الصحافة الغربية اليوم يمتلك موارد أقل، كما أن انتشار المعلومات جعل من السهل على الناس الحكم على دقة الأشياء التي يرونها ويقرأونها. وبالتوازي مع ذلك، شرعت أنظمة سلطوية وفق التصنيف الغربي، مثل روسيا والصين، في الاستثمار بشكل كبير في إنتاج بدائل. ولأن الإعلام الوطني كثيراً ما يعاني من الضعف، فقد أصبح من السهل كثيراً على قنوات مثل «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» (وهي وكالة «أنباء» روسية) أن تصنع لنفسها مصداقية في بعض الأسواق الأوروبية الصغيرة. غير أنه حتى في البلدان الكبيرة بدأ الاستعمال الروسي لوسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب سلسلة واسعة من أدوات الإنترنت -مواقع «إخبارية»، وبوابات معلومات.. إلخ- يحدِثان تأثيراً ملحوظاً. وفي هذا الصدد، كلفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وكالة التجسس الألمانية التحقيق في الاستعمال الروسي للدعاية «البروباجندا» في ألمانيا، وذلك بعد أن تحوّل خبر مزيف حول تعرض فتاة للاغتصاب من قبل لاجئ على ما يفترض إلى فضيحة كبرى نتيجة جهد روسي منسق على الإنترنت. بيد أن الرسائل الراهنة لا تشبه «بروباجندا» الحرب الباردة. فروسيا لا تسعى للترويج لنفسها، وإنما تؤثر إضعاف مؤسسات الغرب، حيث تقوم «روسيا اليوم»، مثلًا، بضخ قصص مخيفة حول المهاجرين، وتصوِّر الغرب على أنه عنصري ومعادٍ للأجانب. كما تقوم مواقع إلكترونية مدعومة من قبل روسيا أيضاً بالترويج لنظريات المؤامرة -ومن ذلك مثلا أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر «عملية مدبرة من قبل أطراف داخلية»! وأن «زيكا» فيروس اخترعته الـ«سي آي إيه»- وتسخر من الصحافة الاستقصائية الغربية التي ادعت الكشف عن علاقات بين السياسة والتجارة والجريمة المنظمة في روسيا. وهذه الرسائل، التي تلتقطها وتستعملها أحزاب أقصى اليسار وأقصى اليمين عبر أوروبا، تتناغم مع أهداف سياسة الكرملين الخارجية. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي هدفاً خاصاً لها، ولا غرو في هذا الأمر: ذلك أن الاتحاد لعب ويلعب دوراً أساسياً في وضع حد لاعتماد القارة على الغاز الروسي، وفي تفكيك نموذج الصادرات الغازية الروسي المتهم بالاستغلال في أوروبا الشرقية. ومن جهته، يصوَّر «الناتو»، بعد أن أخذ يواجه التهديد الحقيقي الذي تمثله روسيا بالنسبة لبعض أعضائه، وإنْ بشكل متأخر، على أنه معتدٍ. والواقع أن ثمة محاولات كثيرة تبذل لمواجهة هذه المشكلة، حيث أنجزت «المؤسسة الوقفية الأوروبية للديمقراطية» دراسة شاملة لوسائل الإعلام الناطقة باللغة الروسية ومدى انتشارها وتأثيرها. كما يقوم «جهاز العمل الخارجي الأوروبي»، وهو ذراع الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، بجمع نشرات إخبارية أسبوعية ورصد أنشطة مواقع ووكالات الدعاية المضادة الروسية. وعلاوة على ذلك، أنشأت بلدان «الناتو» مركزاً صغيراً، مقره في لاتفيا، أنيطت به مهمة الرد على الدعاية الإعلامية الروسية أيضاً. ولكن حتى الآن فشلت الولايات المتحدة في الاستثمار بشكل جدي لفهم هذه المشكلة أو التصدي لها، إذ لا يوجد معادل معاصر لوكالة الإعلام الأميركية، وهي منظمة كانت تهدف إلى مواجهة الدعاية «البروبجاندا» الإعلامية السوفييتية خلال الحرب الباردة. وعلى رغم أنه كان ثمة بعض التمويل الإضافي للإذاعات الأجنبية المدعومة من قبل الولايات المتحدة مثل راديو «أوروبا الحرة- راديو الحرية، إلا أن هذه الأخيرة لا يمكنها أن تمثل رداً كاملًا. ... المزيد

مشاركة :