الدعاية الروسية.. لماذا تنجح في الغرب؟

  • 12/10/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حتى وقت قريب، لم تكن ظاهرة الدعاية الروسية الحكومية تشد انتباه سوى جماعة صغيرة من الخبراء في الشأن الروسي ومدمني متابعة الأخبار وجامعي الأموال للدعاية المضادة. وكان ينظر إليها في الأساس على أنها أداة للمحافظة على ما يحظى به الرئيس فلاديمير بوتين من دعم وسط الروس. ولكن الوضع لم يعد كذلك. فبفضل تقاذف الاتهامات في فترة ما بعد الانتخابات الأميركية، وموسم الانتخابات المقبل في أوروبا، أصبحت الطريقة التي تقدم بها روسيا رسائلها إلى الجمهور الغربي، موضوعاً سياسياً ساخناً. ولننظر إلى تقرير صحيفة «واشنطن بوست» الذي تجري الإشارة إليه على نطاق واسع، ويتحدث عن جماعة مبهمة من «المواطنين الأميركيين المهتمين» تطلق على نفسها «بروب أور نوت» PropOrNot وتستهدف «رصد الدعاية الروسية والمساعدة في التصدي لها وعرقلتها في نهاية المطاف». والتقرير يشير إلى أن الجماعة تزعم أن «القصص التي زُرعت أو تم الترويج لها ضمن حملة التشويه الإعلامي، وقعت مشاهدتها أكثر من 213 مرة». ولم تشرح الجماعة كيف توصلت إلى هذا الرقم، ولكنها أشارت إلى مواقع على الإنترنت مثل مدونة «نيكد كابيتاليزم» وموقع «زيرو هيدج» و«دروديج ريبورت» باعتبارها قنوات للدعاية الروسية. وقد استخدمت الجماعة تعريفاً واسعاً لا يعني شيئاً دقيقاً لما تسميه الدعاية الروسية. وتضمن على سبيل المثال الحديث عن «خصوم روسيا»، وهم قائمة طويلة تضم «الولايات المتحدة وأوباما وهيلاري كلينتون والاتحاد الأوروبي وأنجيلا ميركل والناتو وأوكرانيا واليهود وحلفاء الولايات المتحدة وإعلام التيار الرئيس والديمقراطيين ويمين الوسط ويسار الوسط والمعتدلين من جميع المشارب»! وزعمت الجماعة أن مساعي الدعاية الروسية، توسلت بالغمز التآمري ضد الغرب والهجوم على الدولار الأميركي، والطعن في حقيقة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومعاداة السامية، وبعض المزاعم المثيرة للشك، والمبالغ فيها بصفة عامة والمنقولة عن منافذ الدعاية الروسية باعتبارها «أدلة»! ونظرة الجماعة لما تعتبره داخلاً في الدعاية الروسية متطرفة بشكل واضح، ولكن المفارقة أن توصيف التيار العام للدعاية الروسية، قريب من هذا بشكل مثير للدهشة أيضاً. فقد أقر البرلمان الأوروبي في الآونة الأخيرة، قراراً يتعلق بالحاجة لمواجهة دعاية روسيا التي تستهدف «تشويه الحقائق وإثارة الشك والفرقة بين الدول الأعضاء، ورسم مخطط استراتيجي للتفريق بين الاتحاد الأوروبي وشركائه في أميركا الشمالية، وإصابة عملية صنع القرار بالشلل، ونزع مصداقية مؤسسات الاتحاد الأوروبي... وتقويض وتجريف التصور الأوروبي القائم على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون»! الجدير بالذكر، أن قناة «آر. تي» التلفزيونية المملوكة للدولة الروسية، دشنت قناتها الناطقة بالإنجليزية في عام 2005. وأنشأت أيضاً وكالة «سبوتنيك» الروسية متعددة اللغات، موقعاً لها على الإنترنت في نوفمبر 2014. وقد نجحت الاثنتان في اختراق عالم الإعلام البديل الذي يتزايد نفوذاً لتنقل الدعاية الروسية باعتبارها واحدة من مكونات هذا الإعلام البديل. وتحظى «سبوتنيك» و«أر. تي» بتمويل كبير. وبلغ تمويل قناة «آر. تي» في عام 2016، بحسب القناة نفسها، 247 مليون دولار. و«آر. تي» تعتبر أيضاً عملاقاً وسط وسائل الإعلام البديل، وبوسعها أن تدفع أموالاً سخية للمشاركين وتستطيع التقاط صور احترافية في أي مكان في العالم، وتدفع بسخاء للتغطية الصحفية التي تبدو احترافية. ومنتج الدولة الروسية يجري عرضه بشكل جذاب وهو مجاني. والمحتوى يستهدف جمهوراً يعيش في فضاء الإعلام البديل بعد أن رفضته وسائل الإعلام في التيار الرئيس في الغرب. ومستهلكو الإعلام البديل لا يبالون ما إذا كانت الدعاية الروسية ممزوجة بالمحتوى الذي يستهلكونه، لأنهم لا يصدقون دعاية الاتحاد الأوروبي ولا دعاية الحكومة الأميركية أيضاً. والطريقة الفاعلة الوحيدة للتصدي للدعاية الروسية هي فعل الشيء نفسه الذي تفعله «آر. تي» و«سبوتنيك»، وهو بث رسائل إلى الجمهور نفسه. ولكن النظم الغربية قد لا تتمتع بهذه الرفاهية. فالقيام بذلك صراحة سيبدو مثيراً للنقد، وإنْ قيم به سراً، فاحتمال كشفه كبير أيضاً وقد يقوض الثقة في العمليات الديمقراطية. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

مشاركة :