نظمت مكتبة تنمية في فرعها بالمعادي، القاهرة، احتفالاً لإطلاق ومناقشة كتاب “علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية” للصحفي علي مكي، الذي جمع فيه حوارات متميزة مع أبرز رموز الفكر والأدب العربي. حضر الفعالية نخبة من الشخصيات الثقافية، منهم الشاعر الكبير أدونيس بمداخلة هاتفية، والروائي إبراهيم عبدالمجيد، والناشر صالح الديواني، والناقد سمير جابر، وأدار اللقاء الصحفي هاشم الجحدلي. وألقى مكي الضوء على تجاربه الصحفية التي بدأت مبكراً في صحيفة “عكاظ”، حيث ركز على إجراء حوارات تعكس صراع تيارات الفكر المختلفة بين الكلاسيكية والحداثة في الثمانينات، ما جعل من الكتاب وثيقة ثقافية غنية لفترة حافلة بالتحديات. ويحتوي الكتاب على مقابلات مع شخصيات من مختلف التيارات الثقافية والفكرية، ويبرز في مقدمتها الشاعر محمود درويش، حيث يثير مكي أسئلة غير مألوفة آنذاك، ما يعكس جرأة فكرية تميز بها. أما أدونيس، فيُقدم حواره تحدياً فكرياً يطرح رؤى حول الأدب والشعر والسياسة، إذ تحدث عن مفهومه للشذرة بوصفها “تكثيفاً استبصارياً” والفرق بين “قرّاء” الشاعر و”جمهور” السياسي أو رجل الدين، متناولاً بأسلوب لاذع نقد الثقافة العربية وحاضرها. ويشمل الكتاب حوارات مع شوقي بزيع، الذي أبدى تفاؤلاً كبيراً بالمثقف العربي ورؤية مفعمة بالأمل عن بيروت وقدرتها على العودة لمكانتها الثقافية. بينما ظهر الروائي إبراهيم عبدالمجيد بحواره بميل هادئ نحو الحياة، مسلطاً الضوء على أهمية الاستمتاع بالأوقات المتبقية من العمر، وهي فكرة تنسجم مع روحه الأدبية. أما حوار السيد ولد أباه، فيطرح تحليلاً فلسفياً لمشهد الإسلام السياسي وتجربة جماعة الإخوان المسلمين، مع نقدٍ مبني على تأمل عميق للتجربة. وينقل الكتاب حواراً مع عبدالله الغذامي الذي يتسم بالود والمودة، إذ أشاد الغذامي بأهمية اختيار الأصدقاء بعناية مثلما يختار المرء خصومه، مؤكداً على حكمة العمر. يُبرز الكتاب أيضاً جوانب من شخصية مشعل السديري، الذي يعبر عن رؤيته للكتابة والفن بروح ساخرة ومليئة بالحنين، حيث تحمل كلماته دقة في السخرية وحساً باللامبالاة رغم طبيعته الدقيقة والمنظمة. أما الشاعر المصري عبدالرحمن الأبنودي، فيقدم تجربة فريدة بالشعر العامي، ما يميز أسلوبه الشعري المبسط والشعبي، وهو ما يقدمه الكتاب كقيمة إبداعية جديدة. كما يناقش الكتاب الحداثة في مقابل الأدب الإسلامي من خلال حوار مع الدكتور حسن الهويمل، الذي يتناول صراعاً فكرياً عميقاً يعكس وجهتي نظر متعارضتين، ويواصل علي مكي في طرحه التحديات المحيطة بهذا الصراع. وتناول مكي كذلك تجارب شعرية أخرى مثل سليمان العيسى الذي بدا متواضعاً، محباً للشعر، ومدافعاً عنه أمام محاولات تهميشه. وفي حوار مع المفكر تركي الحمد، يُطرح نقاش يركز على تحديات التربية في العالم العربي، متناولاً حاجة النظام التربوي للانتقال من التركيز على الكمية إلى الكيفية، ومن طغيان الأفكار القديمة إلى الديمقراطية المعرفية الحديثة. كذلك يستعرض الكتاب حواراً مع الدكتور سعد الدين إبراهيم، الذي تحدث عن متغيرات الحياة وتأثيرها على نفسية الإنسان وقدرته على التحمل، مشيراً إلى أن الحياة تظل حبلى بالأحداث. ويختم الكتاب بحوار مع د. ابتهال الخطيب، التي تُعرف بجرأتها الفكرية وانفتاحها على النقاشات المثيرة للجدل، حيث تتناول الحوار بحماس يعكس عمق قناعاتها، مما يجعل الكتاب ختاماً صاخباً لمجموعة من الحوارات التي تُعبر عن تنوع فكري وثقافي غني. يُعد كتاب “علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية” مرجعاً نوعياً للقارئ العربي لفهم تناقضات المشهد الثقافي العربي وتحولاته عبر حوارات مع شخصيات أسست لحضور ثقافي وفكري متنوع. ويقدم الكتاب صورة شاملة لمرحلة الثمانينات وما بعدها، ويسلط الضوء على الحوارات الفكرية التي تُغني النقاش الثقافي وتمنح القارئ نظرة معمقة على الفكر العربي.
مشاركة :