في ظل ضعف التعافي الاقتصادي العالمي وتفاقم الاتجاه المحافظ وشح الفرص، لفتت سمات الاقتصاد الصيني المتمثلة في استقراره ونموه وإسهامه في دفع النمو الاقتصادي العالمي اهتماما كبيرا في العالم. ومع مواصلة تأثيرات التدابير التحفيزية التي تعتمدها الصين، أظهر الاقتصاد الصيني مرونته وإمكاناته على نحو متزايد، وشهدت توقعات المجتمع والثقة المتداولة في السوق إحياء مطردا، وأُطلق عنان حيوية التنمية وديناميكيتها على نحو متزايد، مما زاد تفاؤل المجتمع الدولي بشأن الاقتصاد الصيني. وخلصت وكالة "بلومبرغ" إلى أن الصين ستظل أكبر مساهم في النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة، استنادا إلى أحدث توقعات صندوق النقد الدولي. وتبنت الصين منذ نهاية سبتمبر الماضي سلسلة من التدابير والإجراءات للحفاظ على توقعات السوق وثقتها، وسادت نظرة إيجابية في المجتمع الدولي إلى تأثيرات هذه التدابير والسياسات في النمو الاقتصادي، إذ إنها لا تركز على تحفيز نمو الاستثمارات ودفع عجلة تحوُّل الصناعات في الوقت الراهن فحسب، بل تضع أساسا أقوى للتنمية العالية الجودة على المدى الطويلة. ويرى بيير أوليفييه غورينشا، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي،أن هذه التدابير تتجه إلى وجهة صحيحة. وفي الوقت نفسه، رفعت مؤسسات مالية دولية، وفي مقدمتها "يو بي إس" و"غولدمان ساكس" و"نومورا" توقعاتها إزاء النمو الاقتصادي الصيني في العام الجاري. ويتطلع المجتمع الدولي إلى انتهاز فرص من أوجه الاستهلاك الجديدة البارزة التي تنشأ بفضل التدابير التحفيزية الصينية المشجعة لتحقيق التنمية المشتركة. وعلى مدى العقد الماضي، زاد دور الاستهلاك في تحفيز النمو الاقتصادي الصيني بشكل مطرد، حيث ارتفعت نسبة إسهام الإنفاق على الاستهلاك النهائي في النمو الاقتصادي الصيني من 55.4% في عام 2012 إلى 82.5% في عام 2023. وفي الوقت نفسه، نما إجمالي مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية في المجتمع الصيني بشكل ملحوظ خلال سبتمبر الماضي، وشهدت سلسلة من المؤشرات ذات الصلة بقطاع الاستهلاك تحسنا متواصلا بعد حلول أكتوبر الماضي. وفي الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري، ارتفع إنتاج ومبيعات السيارات الكهربائية في الصين بنسبة 31.7% و32.5% على أساس سنوي كل على حدة. وبدءا من السيارات الكهربائية وتقنيات القيادة الذاتية والمعدات الذكية القابلة للارتداء وصولا إلى الدوائر المتكاملة واقتصاد الطيران على الارتفاعات المنخفضة وصناعة الواقع الافتراضي، أصبحت القطاعات المدفوعة بالابتكارات العلمية والتكنولوجية والموجهة نحو الاقتصاد الأخضر والمنخفض الكربون علامات مميزة بارزة للاقتصاد الصيني، حيث تواصل أشكال الأعمال الجديدة نموها السريع وتزداد نماذجها بشكل متواصل ويتنامي زخم إعادة هيكلة الأنماط الاستهلاكية والارتقاء بمستواها في الصين. ومع تحول جيل جيد إلى قوة استهلاكية رئيسية والترابط الوثيق بين التنمية والحياة العاليتي الجودة، سوف تتوسع مساحة الاستهلاك لأكثر من 1.4 مليار صيني في المستقبل. وقال ناثان شيتس، كبير الاقتصاديين العالميين في "سيتي جروب" إن التدابير التي أعلنتها الصين مؤخرا سوف تحيي الطلب المحلي بشكل ملموس، متوقعا أن الاستهلاك سوف يصبح قوة دافعة رئيسية لتحفيز النمو الاقتصادي الصيني على المديين المتوسط والطويل. وسوف تنظم بلديات شانغهاي وبكين وغيرها من المدن الصينية سويا أنشطة "شهر تشجيع استهلاك المنتجات المتقنة" باعتبارها مراكز دولية للاستهلاك في الصين في نوفمبر الجاري، وفي الوقت نفسه ينطلق معرض الصين الدولي للاستيراد في شانغهاي، وظلت وتظل السوق الصينية المنفتحة الضخمة فرصة سانحة للمؤسسات والشركات من أنحاء العالم على الدوام. ويرغب العالم في اغتنام مزيد من الفرص الاستثمارية الناتجة من حيوية الشركات التي أذكتها التدابير التحفيزية الصينية. وأشارت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" إلى أن المستثمرين الأجانب الرئيسيين يرصدون احتمالات ارتفاع الإنفاق على الاستهلاك وسهولة الحصول على التمويل وفرص الإصلاح على نحو أعمق في الصين بعد اعتمادها سلسلة من التدابير التحفيزية، ونقلت الصحيفة عن رئيس غرفة التجارة الأمريكية في جنوب الصين هاري سيدين قوله إن المؤسسات الأعضاء في الغرفة بدأت ملاحظة إحياء ثقة المستهلكين وارتفاع الإنفاق على الاستهلاك في السوق الصينية، ويُمثل ذلك أحد أوضح التغيرات التي رصدناها في السوق. وأظهر استطلاع أجراه المجلس الصيني لتعزيز التجارة الخارجية مؤخرا وشمل أكثر من 400 مؤسسة استثمارية رئيسية أن أكثر من 60% من المؤسسات المشاركة في الاستطلاع ترى أن سياسات اعتمدتها الحكومة المركزية الصينية والسلطات المحلية بشأن الاستثمارات الأجنبية لها تأثيرات إيجابية جيدة على الدعم، وساد شعور لديها بعزم الصين على توسيع انفتاحها العالي المستوى. وأعرب تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل أثناء زيارته الثانية للصين في العام الجاري أن شركته على أهبة الاستعداد لانتهاز الفرص الواعدة في جهود الصين الرامية لتعزيز الانفتاح على الخارج، ومواصلة تعزيز استثماراتها في الصين، ودعم التنمية العالية الجودة لسلاسل الصناعة والتوريد. ويرغب العالم في انتهاز فرص التعاون الناجمة عن نمو الصناعات الناشئة النشط الذي تجلبه التدابير التحفيزية الصينية. وقالت عدة مؤسسات وشركات أجنبية عاملة في صناعة الأدوية قبل فترة إنها سوف تنشئ مؤسسات بحث وابتكار في الصين، حيث أعرب ستيفان هارتونغ، رئيس مجلس إدارة شركة "بوش" الألمانية الذي لديه فهم عميق للسوق الصينية، عن أن شركته تشاهد- ببهجة وسرور- خطوات الصين الحثيثة في التحوُّل إلى سوق الابتكار القائم على المعرفة، مؤكدا أن بوش الألمانية قد حققت إنجازات مهمة في عدة مجالات ناشئة، استنادا إلى المواهب الصينية المحلية وقدرتها على الابتكار. وقال عالم الإدارة الألماني الشهير هيرمان سيمون كذلك إن الصين قد أصبحت أهم سوق بالنسبة إلى المؤسسات الألمانية الرئيسية، ومؤكدا على ثقته التامة في آفاق الاقتصاد الصيني المستقبلية. وفي ظل ضعف التعافي الاقتصادي العالمي ومشكلة الحفاظ على النمو الاقتصادي التي أصبحت حاليا قضية محورية لعدة دول، تعمل الصين بشكل استباقي على تخطيط وتبني سياسات تستهدف الإصلاح ودعم النمو الاقتصادي، ولا يرتقي ذلك بثقة المستهلكين المحليين والاستثمارات فحسب، بل يفتح آفاقا رحيبة للتعاون الدولي أيضا، مما يضخ ديناميكية إيجابية في النمو الاقتصادي العالمي.
مشاركة :