عند أي أمة على هذا الكوكب، يبقى النقد من أجل الإصلاح دائمًا مطلبًا جوهريًا، لكونه يضمن أن مسيرة الإصلاح والتطوير التعليمي تتحرك بزخم كافٍ وفي اتجاهها الصحيح المستهدف، بل ويضمن عدم إعادة ارتكاب الأخطاء نفسها. لكن النقد نفسه قد يحيد أحيانًا عن المنهج النقدي السليم، يحدث ذلك عندما يفتقد صاحبه النية الصادقة والمخلصة من أجل تحقيق الإصلاح، وعندما تسيطر على تفكير الناقد الشخصنة (لحاجة في نفس يعقوب)، على حساب الموضوعية والمصداقية في الطرح، لذا فإنه يمكن تصنيف نقد التعليم (أو غيره) إلى نوعين: أولاً) نقد بناء (دافعه البحث والإصلاح)، ثانياً) نقد هدام (دافعه غيرة وتفريغ ضغائن مكبوتة لدى الناقد). النقد البناء يمارسه غالبًا أهل الفكر المخلصين والرؤى النقدية الناضجة، ممن عصرتهم الحياة والتجارب، وممن لديهم حس وطني إنساني رفيع يتجاوز الأحقاد الشخصية، هؤلاء النقاد الصادقون لديهم احترافيه عالية في اختيار مفرداتهم، فهم مثلاً يتجنبون العبارات الحدية القطعية الجارحة، فمثلاً بدلاً من استخدامهم مفردة (فشل) يستخدمون عبارة (عدم توفيق)، وبدلاً من عبارة (انحدر التعليم) يستخدمون عبارة (ربما تراجع التعليم)، وبدلاً من أن يفترض جازماً وجود ظاهرة تعليمية سلبية ليعلق عليها، تجده يطرح سؤالاً حول وجودها أصلاً، قبل أن يتناولها بالتحليل الموضوعي، الناقد الموضوعي عندما يجد عملاً مميزًا يثني عليه، أما الناقد المشخصن فهو يغض الطرف عن كل إبداع، وينقب عن الهفوات مهما كانت صغيرة ثم يضخِّمها، باختصار الناقد الموضوعي يبحث عن نقاط بيضاء ويعممها، أما الناقد الهدام فلديه عمى ألوان. فلا يرى إلا نقاطاً سوداء ثم يضخمها.
مشاركة :