افتتح رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون أمس قمة لمكافحة الفساد، بعدما أعلن تدابير لا سابق لها لوقف تدفق الأموال القذرة إلى قطاع العقارات في المملكة المتحدة التي يُقال إنها تتغاضى غالباً عن ملاذاتها الضريبية. ولدى افتتاحه القمة، شبّه ديفيد كامرون الفساد بـ «سرطان كان لفترة طويلة موضوعاً محرماً دولياً»، فيما أكد قبل ساعات أن «الشركات الأجنبية التي تملك أو تريد شراء عقارات في المملكة المتحدة يجب أن تكشف اسم المالك الحقيقي»، في إجراء يستهدف نحو مئة ألف مسكن في إنكلترا وويلز، بينها 44 ألفاً في لندن فقط، وفق الأرقام الرسمية، تملكها شركات معاملات خارجية «أوفشور»، ولا تعرف هوية مالكها الحقيقي. وكانت فضيحة «أوراق بنما» التي كشفت قبل شهر، استناداً إلى وثائق سُرّبت من مكتب «موساك فونسيكا» للمحاماة في بنما، أظهرت تمركز أكثر من نصف نحو 214 ألف شركة يمثلها المكتب في الجزر العذراء البريطانية. كما طاولت الفضيحة كامرون نفسه، ما اضطره إلى الاعتراف بأنه امتلك حصصاً في شركة والده أيان، الذي توفي عام 2010. وفي وقت وضع ناشطون يتصدون للفساد في ساحة ترافلغار، كراسي طويلة وأشجاراً ورملاً تشبه «الملاذ الضريبي الاستوائي»، وقّع ممثلو نحو 50 بلداً، بينهم الرئيسان الأفغاني أشرف غني والنيجيري محمد بخاري ووزير الخارجية الأميركي جون كيري والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ورئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، إعلاناً وعد بتحركات جديدة. لكن ممثلي الجزر العذراء البريطانية وبنما لم يحضروا المؤتمر. واعتبر كيري الفساد «عدواً تفوق خطورته خطورة المتطرفين الذين نحاربهم، لأنه يدمر الدول»، فيما قال رجل الأعمال السوداني- البريطاني مو إبراهيم في القمة: «لا تحتاج المؤسسات الشرعية إلى شركات مجهولة. عاقبوها». وصرح وزير المال الفرنسي ميشال سابان: «أعرف أن الحكومة البريطانية تريد إنهاء هذه الأنظمة الغامضة»، علماً أن تحقيقات الشرطة البريطانية في الفساد بين عامي 2004 و2014 شملت ممتلكات عقارية قيمتها 180 مليون جنيه إسترليني، وهي «الجزء الظاهر من جبل الجليد» وفق منظمة الشفافية الدولية. وأكدت الحكومة البريطانية أن «السجل الجديد للشركات الأجنبية سيعني أن الأفراد والدول الفاسدة لن تستطيع نقل أموال قذرة أو غسلها أو إخفاءها عبر سوق العقارات في لندن». وأضافت أن «فرنسا وهولندا ونيجيريا وأفغانستان ستتبع قيادة بريطانيا بالتعهد بوضع سجلاتها العامة الخاصة بها حول المستفيدين الفعليين من شركات الأوفشور». وصدر مرسوم في فرنسا أول من أمس يفرض إقامة هذا السجل الذي سيضم أسماء 16 ألف كيان موجود اليوم في فرنسا، ولا يعرف مالكوها أو المستفيدون منها». وإلى جانب العقارات، أعلنت لندن عن تبادل تلقائي للمعلومات حول السجلات مع بعض أراضي ما وراء البحار والمناطق التابعة للمملكة المتحدة، من دون أن تحددها. وكذلك إنشاء مركز دولي للتحقيق في مكافحة الفساد يتخذ من لندن مقراً. ورحب روبرت بالمر، العضو في منظمة «غلوبال ويتنس» غير الحكومية بالإجراءات، معتبراً أنها «خطوة إلى الأمام، لكن الجزء الأكبر من المعضلة لم يحل، إذ إن الملاذات الضريبية تثبت جدواها». ورأى خوسيه أوغاز، رئيس منظمة الشفافية الدولية، أن مكافحة عمليات أوفشور يجب أن تجري بالتنسيق بين الدول الغنية والفقيرة، إذ تحتاج رقصة التانغو إلى شخصين». على صعيد آخر، كشفت مجلة «أوستراليان فايننشال ريفيو» معلومات عن ورود اسم رئيس الوزراء مالكولم ترنبول في «أوراق بنما» بصفته مديراً سابقاً في التسعينات لشركة «ستار تكنولوجي سرفيس ليميتد» المسجلة في الجزر العذراء البريطانية عبر مكتب «موساك فونسيكا»، ما قد يتسبب في مشكلة له في خضم حملة الانتخابات الاشتراعية المقررة في الثاني من تموز (يوليو) المقبل. ونفى رئيس الوزراء القيام بأي تصرف غير ملائم، وقال: «ببساطة لم يحصل أي مخالفة، والشركة المعنية كانت فرعاً لشركة مسجلة في أستراليا». وتقول «أوستراليان فايننشال ريفيو» إن ترنبول ورئيس الوزراء السابق في نيو ساوث ويلز نيفيل وارن، انضما إلى مجلس إدارة الشركة في تشرين الأول (أكتوبر) 1993، من أجل تطوير منجم للذهب في سيبيريا يدعى شوكوي لوغ. واستقال ترنبول ووارن في 1995، ثم أفلست الشركة في 1998. ورداً على سؤال هل دفعت الشركة ضرائب في أستراليا، قال ترنبول: «لو حققت أرباحاً، وهذا ما لم يحصل للأسف، لكانت دفعت ضرائب في أستراليا». في الولايات المتحدة، وجهت «هيئة ضبط الخدمات المالية في ولاية نيويورك» طلبات معلومات إلى مصارف ورد اسمها في فضيحة «أوراق بنما»، هي مصارف «بي أن بي باريبا» و «غولدمان ساكس» و«بي أن بي باريبا» و «كنديان إمبيريال بنك» و «ستاندارد تشارترد». وكانت الهيئة وجهت في 21 نيسان (أبريل) طلبت معلومات إلى مصارف «سوسييتيه جنرال» و «كريدي سويس» و «دويتشه بنك» وعشرة مصارف أخرى أشير إليها في الوثائق المسربة. وأمرت الهيئة التي فرضت عام 2014 غرامة قياسية ناهزت 9 بلايين دولار على مصرف «بي أن بي باريبا» لانتهاكه تدابير حظر أميركية، كل المصارف المذكورة بأن تقدم لها أي وثيقة وأي اتصال مرتبط بمكتب «موساك فونسيكا». لكن هذه المصارف ليست متهمة حالياً بأي اختلاس للأموال.
مشاركة :