يعد إ.م. فورستر واحداً من أهم كتاب الرواية ونقادها الإنجليز في القرن العشرين، وبخاصة في النصف الأول، حيث جسدت رواياته رؤية الإنسان الإنجليزي لمجتمعه وسياسات حكومته، في أثناء سيطرتها على العديد من المستعمرات. في هذا الكتاب الصادرة ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة، يقدم محمد شاهين رؤية متفحصة للموقف السياسي، الذي عبر عنه فورستر في معظم رواياته المتعلقة بالمستعمرات الإنجليزية في الشرق، وهو الموقف الذي انتقد - ولو بغير وضوح - السياسة الإمبريالية الإنجليزية، إنه كتاب يقف على الحد الفاصل بين النقد الأدبي والتأريخ السياسي، وهو ما يوحي بأهميته للقارئ العربي. حين ظهرت رواية فورستر رحلة إلى الهند عام 1924 اعتبر معظم قرائها أنها تجسد موقفاً سياسياً بالدرجة الأولى، وأنها ووجهت لهذا السبب بمواقف تتراوح بين تردد مؤيدي الإمبراطورية البريطانية، وبين دعم الذين تساءلوا عن شرعية الدور البريطاني في الهند، لكن القراء أخذوا يقدرون نواحي أخرى من الرواية، مثل صورها الفنية ورموزها وإيقاعها، بعد نشر المزيد من النقد الأدبي عنها، وقد تعززت هذه التوجهات بالتأييد، الذي أبداه فورستر لمثل هذه الآراء، بحيث أصبح العنصر السياسي معرضاً لخطر التجاهل. يأتي الدكتور شاهين الذي جمعته بفورستر مناسبات عديدة أثناء دراسته بجامعة كمبردج، بمسائل أخرى، فهو ينبهنا إلى الطريقة التي يجري بها تجاهل العنصر الإسلامي في رحلة إلى الهند رغم أن عنوان الجزء الأول منها هو المسجد وأن الرواية كلها أوحى بها صديق فورستر المسلم سيد روس مسعود وأنها أهديت إليه، كذلك فإنه يعطي قدراً كبيراً من الاهتمام إلى السنوات التي قضاها في مصر، فيما بين فترتي العمل على الرحلة، وهي سنوات كانت لها أهمية كبيرة في تشكيل أفكاره واتجاهاته، ومع أن المؤلف يتعاطف مع بعض ما قاله إدوارد سعيد في الثقافة والإمبريالية فإنه يخالفه في ضمه فورستر إلى مجموعة أصحاب الاتجاهات الإمبريالية، ويرى أن سعيداً كان سيغير رأيه لو أتيحت له فرصة الاطلاع على كتابات فورستر المصرية. يتعرض فورستر للنقد أحياناً لأنه لم يعبر عن انتقاده للحكم البريطاني انتقاداً مباشراً، لكن كان من الصعب وقت كتابة الرواية أن يتكهن أحد بالمسار الذي ستتخذه الأحداث، وتجعل من تخلي بريطانيا عن حكم الهند أمراً لا مفر منه، ولو فعل ذلك لوصف بأنه مخرب خطر أحمق، ولذا فإنه أبدى بعد نظره بالتعبير عن انتقادات ذات طبيعة إنسانية، على أنه لا يزال ثمة ما يجب عمله لبيان الرأي في مصادر العنصر الإسلامي، وطبيعة ذلك العنصر في رواية فورستر، وعلى حد قول جون بير في مقدمة الترجمة العربية، فإن انفصال باكستان عن الهند أدى إلى حصر الاهتمام بالعناصر الهندية فيها، لكن إذا ما كان لحل سلمي دائم في شبه القارة أن يوجد في نهاية المطاف، فإن على ذلك الحل أن يتضمن فهماً أعمق لكل العناصر فيها، وذلك على النحو الذي أبداه فورستر، متفوقاً بذلك على بعض معاصريه.
مشاركة :