كشفت مصادر إيرانية مطلعة أن الخلافات بين المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني حول إدارة الشؤون الداخلية والخارجية بلغت ذروتها في الآونة الأخيرة بعد منع مسؤولين في مكتب الرئاسة الإيرانية من حضور جلساتها. وذكرت مصادر إيرانية رفيعة أن تفاقم الخلافات بين خامنئي وروحاني والتلاسن غير المباشر بينهما عبر الخطابات جاء نتيجة إصرار خامنئي على التدخل المباشر في شؤون هيئة الرئاسة. ووفقا لموقع «سحام نيوز» المقرب من الإصلاحيين فإن تلك المصادر ذكرت أن خامنئي أصدر أوامره لمنع حضور مدير مكتب الرئيس الإيراني محمد نهاونديان ورئيس دائرة العلاقات العامة في الحكومة الإيرانية وشقيق روحاني حسين فريدون من حضور جلسات الحكومة الإيرانية. وفقا لما ذكره التقرير فإن خامنئي وضع روحاني أمام خيارين لا ثالث لهما بين أن يختار حضور محمد نهاونديان وحسين فريدون في اجتماعات الحكومة أو «العلاقات الجيدة»، ولم يتضح بعد موقف روحاني من تلك المطالب. وأفاد التقرير أن انتقادات خامنئي المباشرة للحكومة أشارت إلى ثمانية زيارات متتالية قام بها نهاويديان إلى بريطانيا خلال شهر. في هذا الصدد، أبدى روحاني انزعاجه من تسرب المعلومات حول خلافاته مع خامنئي إلى وسائل الإعلام، وجاء ذلك خلال اجتماع وزاري، الأربعاء الماضي، في محافظة كرمان. وانتقد روحاني تركيز وسائل الإعلام على الانقسام بين دوائر السلطة في إيران، معتبرا ذلك من «المخاطر الكبيرة» على النظام ومستقبله و«فرصة للأعداء»، وانتقد روحاني ضمنا وسائل إعلام التابعة للحرس الثوري والتيار الأصولي؛ بسبب ما تتعرض له حكومته من هجوم إعلامي وشكلت خطابات المسؤولين الإيرانيين وتباين المواقف والنبرة العدوانية في توجيه رسائل سياسية إلى الخصوم، فضلا عن المعلومات المتسربة من أروقة دوائر صنع القرار مادة رئيسية لتعميق الشكوك حول الصراع الدائر بين المسؤولين على تقاسم الصلاحيات. وفي سياق ذاته دعا روحاني إلى حل المشكلات العالقة بين دوائر السلطة في الاجتماعات المغلقة وعدم تسريبها إلى وسائل الإعلام كما طالب بتعزيز الأخلاق بين المسؤولين. انطلاقا من هذا، ذكر «سحام نيوز» أن إشادة خامنئي بمساعد روحاني الأول، إسحاق جهانغيري واعتباره «قائد مكافحة الفساد» في إيران وتأكيد خامنئي ضرورة تعاون جميع الوزراء مع جهانغيري وتجاهل ذكر روحاني كانت من بين أهم أسباب تدهور الأمور بينهما. وأبدى روحاني من تأثير تلك التقارير في عرقلة جهود حكومة في الخروج بالبلاد من العزلة في فترة ما بعد الاتفاق النووي وإقامة العلاقات الدولية والاقتصادية. وعلى الرغم من انتقاده الأحاديث حول الانقسام بينه وبين خامنئي اعترف روحاني ضمنا بوجود تلك الانقسامات وحاول إرسال دعوة للتهدئة مع المرشد الأعلى، مشددا على أن البلاد تواجه ظروفا حساسة، وفي إشارة إلى تجاوز خامنئي صلاحياته الدستورية قال روحاني: «إن حكومته تبذل قصارى جهدها للعمل وفق أوامر ولي الفقيه حسب ما ينص عليه الدستور»، وتعليقا ما تردده وسائل إعلام حول تباين في وجهات النظر بينه وبين خامنئي قال روحاني: «إن الحديث عن الانقسام في إيران مؤامرة يتبعها أعداء النظام»، مضيفا أن من يتحدث عن الانقسامات في الداخل «يسير على خطى الأعداء». لكن المصادر ذكرت أن مبادرة روحاني من أجل تحسين الأوضاع بينه وبين خامنئي خلال لقاءاتهم الأخيرة لم تسفر عن نتائج، وبحسب المصادر فإن خامنئي لم يتراجع عن موقفه من «التدخل المباشر» في شؤون الحكومة، مضيفة أن المرشد يتهرب من تحمل «مسؤولية» بإلقائها كاملة على عاتق روحاني. وفي هذا الإطار فإن خامنئي يصد مبادرات روحاني لتحسين الأجواء بتوجيه انتقادات إلى المتحدث باسم الحكومة محمد رضا نوبخت ومسؤولين في مكتب روحاني، استنادا إلى تقارير المخابرات والحرس الثوري حول «التورط والتجاوزات» في الفساد. ونقل «سحام نيوز» عن المصادر قولها إن إجراءات خامنئي دفعت فريق مكتب روحاني حاول خلال الفترة الماضية التقرب من «مكتب المرشد» وتوثيق العلاقة مع مساعد روحاني الأول في محاولة لتخفيف الضغوط. ويحاول خامنئي تكرار تجربته مع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، عندما وظف مساعده الأول محمد رضا رحيمي للضغط على مسؤولين في مكتب الرئاسة. في المقابل، حاول مكتب خامنئي من خلال المراهنة على دور جهانغيري التقدم بمشروع التدخل في قرارات إدارة روحاني عبر تعيينه المسؤول الأول (بدلا من روحاني) عن رفع التقارير حول الشؤون التنفيذية في البلد إلى خامنئي. وكان برلمانيون إيرانيون قد وجهوا اتهامات إلى كل من فريدون ونهاونديان بإدارة «مافيا اقتصادية» في إيران وجاءت تلك الاتهامات بعد أيام من تصريحات روحاني حول الفساد الواسع في المؤسسات الحكومية رافقت اتهامه الحرس الثوري ضمنا بتعطيل التوجه الاقتصادي للحكومة، وقال البرلمانيون إنهم سيقدمون وثائق إلى المخابرات الإيرانية تثبت تورط أعضاء مكتب روحاني في «استغلال» الاتفاق النووي من أجل إبرام صفقات تجارية «غير مشروعة»، وفي السياق ذاته ذكر البرلماني علي رضا زاكاني، في مؤتمر صحافي منتصف فبراير (شباط)، أنه يملك معلومات عن «مافيا اقتصادية» في عدة وزارات من بينها وزارتي الخارجية والنفط، وأشار زاكاني إلى وجود «شبكة خطيرة من السماسرة» في الحكومة الإيرانية يديرها حسين فريدون ووزير النفط بيجن زنغنه وممثل إيران السابق في الأمم المتحدة سيروس ناصري، كما انتقدت أوساط سياسية إيرانية التيارين الرئيسيين في السلطة الإيرانية تجاهل محاربة الفساد الاقتصادي والسياسات الاقتصادية الفاشلة في إيران. وفي اللحظات الأخيرة المتبقية على عمر البرلمان الحالي، يوجه منتقدو روحاني آخر طلقاتهم في الهجوم على سياسة الحكومة الإيرانية، وفي أحدث تصريح له قال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، حسين نقوي حسيني: «إن الاتفاق النووي كان سببا في تحسن الأوضاع الاقتصادية لرئيس مكتبه وشقيقه حسن روحاني»، مضيفا أن النشاط الاقتصادي لفريق روحاني اتسع أكثر من السابق بعد التوصل للاتفاق النووي. وبحسب المصادر فإن بسبب حدة الخلافات بين خامنئي وروحاني لم يجمع أي اجتماع بينهما منذ الجلسة التي عقبت عيد النوروز. وذكرت المصادر أن ضغوط خامنئي لم تعد تنحصر بمنحه الضوء الأخضر للمهاجمين على إدارة روحاني فحسب، بل وصلت إلى هندسة الهجمات وإدارتها مباشرة من خامنئي. وحذرت تلك المصادر من خطر انهيار «الجمهورية» في النظام إذا ما استمرت ضغوط خامنئي التي يراها من ضمن صلاحيات ولي الفقيه. يشار إلى أن التحذير من خطر انهيار ثنائية النظام الإيراني «الجمهورية» و«الإسلامية» ورد على لسان علي أكبر هاشمي رفسنجاني في حملته الدعائية لانتخابات مجلس خبراء القيادة في فبراير (شباط) الماضي. رفسنجاني اعتبر حينئذ التدخل في الانتخابات وهندستها وإقصاء المرشحين من خوض الانتخابات وتهميش دور المواطنين في تقرير مصيرهم تهديدا للجمهورية في إيران. ولقيت المعلومات التي سربها موقع «سحام نيوز» صدى واسعا في المواقع الإيرانية، وما عزز صحة تلك المعلومات غياب كل من نهاونديان وفريدون من الجلسات الحكومية، فضلا عن التقارير التي وتوالت التقارير خلال الأسبوع الماضي، عن إقالة عدد كبير من المسؤولين والمحافظين ورؤساء المديريات في المدن الإيرانية. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الإيراني تعرض إلى ضغوط واسعة خلال الشهرين الماضيين من خامنئي وقادة الحرس الثوري؛ بسبب ما اعتبروه فشل الحكومة في تنفيذ الاتفاق النووي وكانت مقترحات روحاني على نسخ المفاوضات النووية على صعيد السياسة الداخلية الإيرانية أثارت غضب المرشد والدوائر التابعة له، وفي هذا السياق اعتبر ممثل خامنئي في الحرس الثوري علي سعيدي، أول من أمس، أن خامنئي تصرف بطريقة «ذكية» في تصديه لخطاب المفاوضات الداخلية «الثانية والثالثة والرابعة»، معتبرا إياها «فخا للثورة». من جهته نفى مكتب روحاني صحة تلك التقارير على لسان الناطق الإعلامي باسمه برويز إسماعيلي، ووصف التقارير التي تحدث عن أوامر خامنئي حول التغيير في الحكومة الإيرانية بـ«المفبركة» و«الكاذبة»، واعتبرها «استمرار سيناريو» الحديث عن الانقسام في السلطة والتضاد بين المسؤولين. وازدادت في الفترة الأخيرة تقارير غير مؤكدة حول تغيير واسع في الخارجية الإيرانية يتمثل في تغيير جميع مساعدي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. في سياق مواز، دعا أمس رئيس كتلة الأمل وأحد المرشحين لرئاسة البرلمان الإيراني الجديد، محمد رضا عارف، إلى الدفاع عن حكومة روحاني ضد ما اعتبرها دعوات لمنع روحاني من الترشح لفترة رئاسية ثانية. يأتي هذا بعدما كشف الأسبوع الماضي عدد من المراقبين لروحاني من ضمنهم مساعدة في شؤون القوميات والأقليات تعرضه إلى ضغوط من كبار المسؤولين في النظام لإبعاده من فكرة الترشح لفترة رئاسية ثانية. وفي حين وجه الإصلاحي عارف أمس مواساته إلى أسر قتلى الحرس الثوري في عملية خان طومان قال: «إن البعض يعتقد أن النظام لا يسمح لحضور الإصلاحيين في السلطة في حين أنهم جزء أساسي من النظام، ولا يمكن إقصاء هذا التيار بأدوات القوة». من جانبه، نفى رئيس الدائرة السياسية في الداخلية الإيرانية محمد أمين زادة أن يكون موضوع الإقالات الواسعة التي طالت عددا من المحافظين والمديرون في عدد كبير من المدن على صلة بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في مرحلتين خلال شهري فبراير (شباط) وأبريل (نيسان). واعتبر أمين زادة إقالة عدد كبير من المسؤولين «أمرا طبيعيا»؛ بسبب ما وصفه «ضعفهم في القيام بمسؤولياتهم»، ولم يستبعد المسؤول في الداخلية الإطاحة بعدد آخر من المسؤولين في الفترة المقبلة. كان أبرز الإقالات بين المسؤولين الإيرانيين إقالة رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون محمد سرافراز من أشرس خصوم إدارة روحاني. ورافق تعيين سرافراز قبل عامين مع وصول حسن روحاني إلى منصب الرئاسة، وخلال هذه الفترة لم تتوقف الحرب الخفية بين هيئة الإذاعة التي يمسك بخيط خامنئي وإدارة حسن روحاني. ووجهت إدارة روحاني على مدى العامين الماضيين اتهامات متنوعة إلى إدارة الرئيس. من جهة ثانية تداولت وكالات الأنباء الإيرانية في الأيام القليلة الماضية طلب محافظ الأحواز، عبد الحسين مقتدايي من الرئيس الإيراني الموافقة على قبول استقالته وتقاعده، لكن تعيينه مستشارا لوزير الداخلية رحمان فضلي أثار جدلا واسعا حول صحة الرواية التي تناقلته المواقع الإيرانية. وكان مقتدايي قد هدد بتقديم استقالته في بداية فبراير (شباط) الماضي احتجاجا على قرار مجلس صيانة الدستور إقصاء المرشحين الإصلاحيين في الأحواز. وبينت قائمة الفائزين في الانتخابات البرلمانية في الأحواز فوز أغلبية مقربة من الحرس الثوري والتيار الأصولي ومما فسره مراقبون إقالة مقتدايي من منصبه. في سياق مواز، انتقد رئيس مؤسسة التعزيرات (الشرعية) علي رضا جمشيدي ما وصفه «مافيا السلطة والمال»؛ بسبب عدم تعاونها في مكافحة الفساد، وكشف جمشيدي أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإيرانية لمكافحة تهريب السلع والعملة «لم تكن جادة ولم تكن عملية». وتابع جمشيدي أنه لا توجد نوايا حقيقية لمواجهة «التهريب»، وأضاف قائلا: «المهربون الكبار والتهريب المنظم لديهم هامش آمن، ولا نملك سوى البكاء في النظر إلى تلك الملفات».
مشاركة :