في الوقت الذي تعقد دوائر محكمة التمييز التجارية والمدنية والإدارية لنظر طلبات وقف النفاذ للأحكام الصادرة من دوائر محكمة الاستئناف، إلّا أن طلبات وقف النفاذ المرتبطة بالطعون الجزائية التي تتضمن طلب الوقف لأحكام الحبس أو الغرامات لا تأخذ نصيبها في النظر أمام الدوائر الجزائية في محكمة التمييز. ورغم تعرّض المحكومين لأحكام تصل إلى الحبس المؤبد أو المؤقت، أو حتى الغرامات، فإن دوائر التمييز الجزائية لا تنظر في هذه الطلبات بسبب انتظارها لمذكرات نيابة التمييز في الطعون. وبما أن المواعيد على الطعن على الأحكام الجزائية تنتهي بمُضيّ 60 يوما، فإن الملف لا يتم نقله إلى نيابة التمييز لإعداد رأي بشأنه إلّا بعد مرور تلك المدة، كما أن الأخيرة تحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لإعداد الرأي، وحتى يصل إلى محكمة التمييز، ستقوم الأخيرة بتحديد جلسة لنظر الطعن خلال أسبوعين أو ثلاثا أخرى، أي أنّ عرض المتهم سيكون أمام الدوائر الجزائية في محكمة التمييز بعد نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر من صدور حكم الاستئناف، وقد تقرّر محكمة التمييز براءة المتهم فيها، وعندها يكون المحكوم قد فقد ثلاثة أشهر ونصف الشهر من عمره من دون مسوغ في تنفيذ حكم تم إلغاؤه، بسبب أن دوائر التمييز الجزائية لا ترغب في عقد الجلسات لنظر طلبات وقف النفاذ للأحكام، وبسبب اشتراطها مذكرة نيابة التمييز التي لا تُعدّ إلا بعد انتهاء مدة 60 يوما المقررة لانتهاء مدة الطعن! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك مسوّغ قانوني يمنع دوائر التمييز الجزائية من نظر طلبات وقف النفاذ إلا بعد نفاذ مدة الطعن، أي بعد انقضاء 60 يوما؟ أو إلى أن تقدم نيابة التمييز رأيها في الطعن، رغم أنه طلب وقف نفاذ، وليس فصلا بالموضوع؟ ورغم أن الطعون المدنية والتجارية والإدارية تنظر طلبات وقف النفاذ، ولو بعد أسبوع من صدور الأحكام من دوائر محكمة الاستئناف، فإنه لا يشترط ورود رأي نيابة التمييز للنظر في طلبات وقف النفاذ ولا حتى انتهاء مدة الطعن فيها! كما أن دوائر جنح التمييز التي تطبّق قواعد وإجراءات قانون إجراءات الطعن على التمييز في القضايا الجزائية هي الأخرى تنظر في طلبات وقف النفاذ مباشرة، وبعد عرض الطعون على غرفة المشورة، ولا تنتظر الانتهاء من مدة 60 يوما المقررة للطعن. كما أن مدة 60 يوما التي قررها المشرّع لرفع ميعاد الطعن جاءت تسهيلا للمتقاضين في المسائل الجزائية وعدم تفويت المحاكمات عليهم، ولم تأتِ لتقرر عبئا على المتقاضين في تأجيل النظر بطلبات وقف التنفيذ المرتبطة بطعونهم إلى حين تقديم نيابة التمييز رأيها، وهو أمر لم يأت به القانون. والنظر في طلبات وقف النفاذ على الأحكام الصادرة من دوائر الاستئناف الجزائية أمر مستحق أسوة بطعون الجنح والطعون المدنية والتجارية والإدارية، لاسيما أن الأمر متعلق بحقوق الأفراد وحرياتهم، والتي يحرص كبار وشيوخ القضاء من مستشاري محكمة التمييز على تطبيقه في أحكامهم الجزائية، ولن يترددوا في الفصل بهذه الطلبات المهمة، والتي تتصل فقط بأمر تنفيذ الأحكام الصادرة من الدوائر الجزائية من عدمه، بعدما تستمع الهيئات القضائية إلى مبررات الطعن ورجحان تمييز الأحكام الصادرة من دوائر الاستئناف.
مشاركة :