كان من المفترض أن تكرس رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، دخول بلادها في أيار (مايو) بلاط القوى الدولية حين تتسلم شعلة الألعاب الأولمبية في أثينا، لكنها اضطرت إلى إلغاء الرحلة، وقاطع محافظ ريو دي جانيرو، المدينة التي تستضيف الألعاب الأولمبية، الاحتفال اليوناني. والبرازيل اليوم على خلاف المتوقع والمرتجى بلدٌ تعصف به أزمة سياسية واقتصادية ومؤسساتية، هي الأشد والاعمق منذ العودة إلى الديموقراطية. ومنذ مطلع 2015، وجدت ديلما روسيف نفسها في مواجهة معارضة لم تقبل بفوزها في صناديق الاقتراع. وفاقم التوتر الركود الاقتصادي وارتدادات «لافا جاتو»، التحقيق في الفساد في شركة بتروبراس النفطية، وهي كانت إلى وقت قريب رمز قوة العملاق الأميركي – اللاتيني. والوشاية (بكبار المسؤولين ومديري الشركات) مقابل تخفيف الأحكام، أصابت الطبقة السياسية في الصميم. وفي وقت كانت قوتها تضعف بعد الحركات الاجتماعية نتيجة التزامها سياسة تقشف مالي تخالف وعودها الانتخابية، انفض الحلفاء الظرفيون اليمينيون عن ديلما روسيف. وتقليص الإنفاق العام سدد الضربة القاضية إلى الأسطورة الأثيرة على قلب الرئيس السابق، لولا دا سيلفا. ومفاد الأسطورة هذه أن في وسع الأثرياء والفقراء، على حد سواء، تعظيم عائداتهم في برازيل أفضل حالاً. وأرباب العمل الغاضبون من رفع الحد الأدنى للرواتب انفضوا كذلك عن ديلما روسيف، وأيدوا عملية إقصائها من الحكم. وعلى رغم أن جعبة المعارضة خاوية من مشروع سياسي بديل، كان في وسعها رص الصفوف في البرلمان بقيادة رئيس البرلمان. وتحولت الأزمة السياسية على وقع شلل الحكومة إلى أزمة مؤسساتية تترافق مع تعاظم التوتر بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. والسلطة القضائية لم تنج من الطعن في المؤسسات، على رغم أن نفوذها تزايد مع قضية «لافا جاتو» ضد بتروبراس - والقضية هذه دليل لا يرد على استقلال القضاة الفيديراليين والشرطة الفيديرالية. وحمل التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، المحكمة العليا على التدخل في كل شاردة وواردة. وهي اليوم تنظر في كل النزاعات، لكنها لا تملك حلولاً قضائية لمشكلات سياسية. وحين يتأخر القضاة في إصدار الأحكام، في قضايا مثل ملاحقة رئيسي البرلمان ومجلس الشيوخ، وكلاهما ورد اسمه أكثر من مرة في تحقيق بتروبراس، يرفعون لواء الحياد. لكن هذا الحياد أو الصمت ساهم في ترجيح كفة المطالبين بتنحية ديلما روسيف، يقول موريشيو سانتورو، أستاذ علوم سياسية في جامعة ريو دي جانيرو. ويرى سانتورو أن الأزمة لن تذلل حين بلوغ ميشال تامر الرئاسة. فهو يحوز تأييد الكونغرس، لكنه يفتقر إلى مشروعية ديلما روسيف التي حازت 54 مليون صوت في انتخابات 2014. ويعتقد أكثر من ثلث البرازيليين أن إقالة رئيسة الدولة انقلاب. وقلة ممن يؤيدون إطاحتها، يرون أن ميشال تامر قادر على حل الأزمة. فنسبة تأييد الناخبين الرئيس الانتقالي لا تكاد تبلغ 1 في المئة في استطلاعات الرأي. والتزمت الحكومة تقليص النفقات والضرائب في سبيل استمالة أصحاب العمل. ونسبة تأييد البرازيليين هذه الالتزامات منخفضة. وفي إمكان «حزب العمال» بالتحالف مع الحركات الاجتماعية والنقابات، شل البلاد لعرقلة الخطط الحكومية الجديدة. وقد تعوق المعارضة الداخلية في صفوف مؤيدي الحكومة المشاريع الحكومية. فكبار حزب «الحركة الديموقراطية البرازيلية»، وهو الحزب الذي ينتمي إليه ميشال تامر، سيطالبون الرئيس الانتقالي برفع القيود عن الإنفاق لمد مرشحيهم بالأموال وزيادة فرصهم بالفوز. لكن هذا الحزب أخفق في إدارة عدد من الولايات البرازيلية، ومنها ريو دي جانيرو التي تشارف على الإفلاس. ويرجح أن يخيب أمل مؤيدي الحكومة. والركود الاقتصادي في العام المنصرم بلغ 3.8 في المئة، ويتوقع أن يبقى على حاله في العام الحالي. والنمو السالب عامين على التوالي غير مسبوق منذ 1930. وفاقمت أثار تباطؤ الاقتصاد العالمي انهيار الاستهلاك الأسري، إثر انفجار البطالة وارتفاع معدلاتها. والتعافي الاقتصادي هو رهن الاستثمارات الخاصة في غياب الأموال العامة. لكن حكومة من غير مشروعية عاجزة عن صوغ خطة أو مشروع سياسي يحمل المستثمرين على الإقبال. * مراسلة، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 13/5/2016، إعداد منال نحاس
مشاركة :