مبادرة عربية للسلام تفتش عن بربارا وولترز | عبدالمنعم مصطفى

  • 5/20/2016
  • 00:00
  • 116
  • 0
  • 0
news-picture

ما إن انتهى الرئيس المصري الراحل أنور السادات من خطاب أعلن فيه استعداده للذهاب إلى آخر العالم من أجل السلام، بما في ذلك الكنيست الإسرائيلي ذاته، حتى رنَّ جرس الهاتف بمكتب مناحيم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، كان المتصل هو باربرا وولترز الإذاعية الأشهر بشبكة ABC الأمريكية آنذاك أو مذيعة المليون دولار كما كانوا يصفونها -حين كان المليون مليوناً بحق- سألت وولترز بيجين بحدة: هل سمعت الرئيس المصري؟.. لقد تحدث قبل قليل عن استعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي، فهل ستوجه له الدعوة؟!.. رد مناحيم بيجين: نعم يا سيدتي وأنا أدعوه الآن لزيارة إسرائيل. وانطلقت العملية، بخطاب السادات ثم مكالمة باربارا وولترز ثم بدعوة بيجين للسادات، ثم بهبوط طائرة السادات في مطار ديفيد بن جوريون وخطابه الشهير في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان).تلك العملية التي استخدم السادات في وصفها دوماً عبارة «momentum» أي قوة الدفع. فبدون قوة الدفع التي تهيأت بعد خطاب السادات أمام مجلس الشعب المصري، كان يمكن لمبادرته أن تستحيل إلى قش تذروه الرياح. باربارا وولترز، أو الإعلام الأمريكي، منحا للمبادرة قوة الفعل، وضخّا فيها من خلال ميكانيزم الفعل ورد الفعل قوة دفع هائلة استمرت معها حتى لحظة التوقيع على أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية في البيت الأبيض في مارس من عام ١٩٧٩برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. للمرة الثانية، ومن مصر أيضاً، أعلن الرئيس السيسي عن مبادرة سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعا الأطراف الفلسطينية إلى المصالحة والوحدة، استعداداً للمفاوضات، لكننا لم نرَ تحركاً مماثلاً من الإعلام الأمريكي لتحريك المبادرة المصرية الجديدة، ولا لإعطائها الزخم وقوة الدفع المطلوبة، عبر آليات الفعل ورد الفعل، بل إن قنوات إعلامية عربية كبرى لم تتحرك هي أيضاً في ذات الاتجاه.. لماذا؟!..لا أستطيع أن أرى مبادرة السيسي خارج إطار عملية إعادة هيكلة إقليم بأكمله، ولا أستطيع أن أراها بمنأى، عن تحضيرات إقليمية لمواجهة مخاطر جديدة، أهمها التهديدات الإيرانية للأمن الإقليمي، ورغبة العرب في تسوية نهائية للملف الفلسطيني، تتيح التفرغ لمواجهة تهديدات إيرانية، دخلت بالفعل حيّز التطبيق فوق أراضٍ عربية. إسرائيل تلقفت العرض المصري، ولم تنتظر اتصالاً من الإعلام الأمريكي كما فعل بيجين، فقد رحب نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، بالمبادرة، وتبعه زعيم المعارضة هيرتزوج، وسط تقارير تتحدث عن زيارة يقوم بها نتانياهو وهيرتزوج معاً للقاهرة لبحث سبل تفعيل المبادرة المصرية. بدون مصالحة فلسطينية- فلسطينية، لن يكون ثمة فرصة حقيقية للحديث عن مفاوضات يمكن أن تصبح مثمرة، فعلى مدى سنوات الانشقاق الفلسطيني قبل عشرة أعوام، كان الإسرائيليون يقولون لمن يدعوهم إلى السلام:مع من نتفاوض؟!.. لا يوجد شريك على الجانب الآخر؟!... الآن هناك عرض سلام مفتوح العناوين، يستند إلى مبادرة الملك عبد الله بن عبدالعزيز يرحمه الله والتي تبنَّتها قمة بيروت العربية قبل ثلاثة عشر عاماً، لكن العرض المصري يظل معلقاً بما يمكن أن يتحقق على المسرح الفلسطيني، بمصالحة أو لا مصالحة. استمرار الشقاق الفلسطيني، ينذر بتخلي العرب عن «قضيتهم المركزية»،فقضايا الأمن الإقليمي تضغط بتفاعلاتها وتداعياتها، بما يضع الأطراف بإزاء خيار بين أمنهم المباشر وله الأولوية المطلقة، وبين حل للقضية الفلسطينية، يسمح للعرب بالتفرغ لقضاياهم الأكثر إلحاحاً. في هذا السياق، فإن المصالحة الفلسطينية تصبح قضية أمن قومي عربي، تمس صميم التصور الأمني لدول الخليج العربية ومصر والأردن، ولهذا فقد أتصور تحركاً عربياً باتجاه «تطويع» حماس، ربما يتضمن حث أطراف إقليمية مثل تركيا وقطر، على ربط دعمهما لحماس باستعداد الأخيرة لإنجاز مصالحة حقيقية، فضلاً عن ضغوط وإجراءات من شأنها، إنهاء علاقة حماس بإيران. حديث المصالحة الفلسطينية، قد يصبح الهم العربي الأكبر خلال الأسابيع المقبلة، فيما تتلمس القاهرة، تصورات سلام فلسطيني إسرائيلي، يضع المنطقة على أعتاب سلام يفتح الباب لتنمية حقيقية.المصالحة الفلسطينية، هي المصدر الحقيقي وربما الوحيد لأي قوة دفع حقيقية باتجاه سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. بدون المصالحة لن تجد مبادرة السيسي أي (momentum) حقيقية مثل تلك التي وجدها السادات عند بربارا وولترز قبل نحو أربعين عاماً. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :