المأساة السورية إلى متى وإلى أين؟

  • 5/20/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الأزمة السورية لا تزال تراوح مكانها، فبعد فشل جنيف 1 ثم جنيف 2، ها قد شهدنا فشل جنيف 3، بعد سلسلة مفاوضات عقيمة وغير مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة، بحضور وسيط الأمم المتحدة، ستيفان ديمستورا، وسط لقاءات مكوكية بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، للتفاهم حول قضايا ثانوية الأهمية، كتأمين وصول المساعدات الإغاثية لبعض المدن المحاصرة، أو تمديد الهدنة في مدينة حلب ليوم أو يومين. الهدنات التي أعلن عنها خلال فترة المفاوضات في جنيف، لم تصمد سوى لفترات قصيرة، سرعان ما تنهار، لأن الأطراف المتقاتلة متعددة الهويات والأهداف، ومتنوعة الولاءات، وإذا افترضنا حسن النوايا، فالنظام لا يستطيع ضمان طاعة من يقاتل إلى جانبه من المليشيات، والمعارضة من جانبها غير موحدة، فبعضها غير ممثل في المفاوضات.. كما أن هناك جهات إقليمية تسعى لكسر هذه الهدنات، لأن ذلك في صالح النظام، الذي بدأت كفة الحرب تميل لصالحه، بعد التدخل العسكري الروسي الكثيف، الذي أسهم سلبياً في منع التوصل لحل سياسي، بعد أن أصبح النظام ووفده المفاوض أكثر تشدداً في مواقفه البعيدة عن الإيجابية في التعامل مع القرارات الدولية، التي كانت روسيا أحد صناعها. مستقبل سوريا لم يعد بأيدي السوريين، بعد أن أصبح يتداوله وزيرا الخارجية الأميركي والروسي، في تهميش سافر للدور الأوروبي ودول المنطقة، مع العلم بأن أوروبا هي المتضررة من المأساة السورية، فمشكلة ملايين اللاجئين لا تشعر بها الولايات المتحدة ولا روسيا. ومع أن الوزيرين يظهران إعلامياً وكأنهما يديران الملف السوري سوياً، إلا أنه لم يعد خافياً، أن البصمات الروسية هي الأكثر وضوحاً في كتابة محتويات هذا الملف.. وأن الموقف الأميركي بات يقترب من الأرضية التي تعتمدها موسكو في مواقفها. الولايات المتحدة فقدت دورها القيادي في تقرير مستقبل سوريا، منذ تراجعت عن تنفيذ وعيدها بالضربة الصاروخية إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيمياوية، وهو ما اعتبره الرئيس أوباما في حينه خطاً أحمر. كما أنها تلعب دوراً سلبياً، يفسر لصالح النظام، باستمرار ضغوطها على الدول الحليفة للمعارضة، لمنع تزويدها بالسلاح، في الوقت الذي تنهال الأسلحة على النظام السوري، وأن برامجها لتدريب المعارضة المعتدلة، لم تسفر سوى عن تدريب بضع عشرات. الدوائر السياسية والدبلوماسية الأوربية، لم تعد تخفي خيبتها، من تراجع قدراتها في التأثير في مجرى الأحداث في سوريا، بعد أن عززت الولايات المتحدة، بضعف مواقفها، من فرص روسيا وإيران، في رسم معالم المستقبل السوري، أوروبا لا تمتلك أنياباً، والولايات المتحدة لا تمتلك إرادة. إلا أن الانفراد الروسي والإيراني عسكرياً بالشأن السوري، يجعلهما عرضة للاستنزاف على الأمد البعيد، إذا لم يتم التوصل إلى حل يرضي المعارضة السورية، وينهي الاقتتال، وهو أمر غير متوقع في وقت قريب، خاصة بعد أن أصبحت الحرب في سوريا أكثر تعقيداً، فهي لم تعد بين نظام قائم ومعارضة مسلحة، بل حرباً طائفية من جهة، وحرباً ضد الإرهاب من جهة أخرى. في هذا السياق، تطرح أسئلة عديدة حول ما إذا كانت روسيا وإيران تمتلكان من الموارد ما يساعدهما على إدامة حرب استنزاف طويلة الأمد، تنتظرهم في سوريا. فانشغال روسيا بالشأن السوري، لم يعد عن بعد فقط بقصف الطائرات والصواريخ، بعد أن عززت حضورها لخدمة هذا الانشغال بعمليات ميدانية، فقد بدأت قواتها البرية، تشارك بشكل مباشر في المعارك، وبدأ بعض جنودها يسقطون قتلى في ساحة حرب لا يستوعبون سيناريوهاتها، وكأن تجربة أفغانستان غابت عن أذهان قادتها. الانشغال الروسي بالشأن العسكري السوري، يشمل محاور عديدة، فهناك قوات برية على الأرض، وقوات جوية موزعة في عدد من المطارات، وهناك كثافة في وجود القطعات البحرية في شرق البحر المتوسط، وهذا الانشغال في طريقه نحو التصاعد، وتزداد تبعاً لذلك أعباؤه المالية. والحقيقة أن الانحياز الروسي لصالح النظام السوري، له ثمن يتجاوز التبعات المالية المترتبة على الإبقاء على وجود القطعات العسكرية في حالة الجهوزية للقتال أرضاً وجواً وبحراً، إلى التبعات السياسية التي تؤطر علاقات روسيا مع دول المنطقة العربية، التي لا تنظر لهذا الانحياز بعين الرضا، بل تعتبره مضراً بأمنها القومي. من جانب آخر، تتسع عزلة حلفاء النظام السوري إقليمياً ودولياً، ولم يعد سراً، حجم الخسائر التي يتكبدها حزب الله والحرس الثوري الإيراني، ولا حجم الاستياء الشعبي الذي يتصاعد في لبنان وإيران. ولكن هل تستطيع روسيا فرض حلولها للقضية السورية؟، لا شك أنها ليست راغبة في إعادة تجربة أفغانستان، لذلك، تسعى إلى تكثيف تدخلها، وتكثيف تدخل قوات أخرى من إيران لحسم المعارك، خاصة في حلب، وإجبار المعارضة على التخلي عن سلاحها، والقبول بما يفرضه النظام. الفصل الجديد في المأساة السورية، هو مؤتمر فيينا لأصدقاء سوريا، الذي عقد في السابع عشر من الشهر الجاري، والذي سبقته ضغوطات على المعارضة، لإسقاط أهم مطالبها، وهو رحيل الرئيس الأسد. ولم يأتِ هذا المؤتمر بجديد على الصعيد السياسي، ولم يسفر عن تحديد موعد لاستئناف المفاوضات، وفي نهايته، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أن الأول من أغسطس، موعد مفترض لبدء المرحلة الانتقالية، دون الإشارة إلى أي تفاصيل.

مشاركة :