القاهرة - كشفت أزمة داخل حزب الوفد المصري عقم المشهد السياسي العام وبؤس الوضعية التي وصلت إليها بعض الأحزاب في مصر، حيث أقدم رئيس الحزب عبدالسند يمامة على فصل رئيس الحزب الأسبق السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجهها الأخير إلى يمامة وتصورات السلطة الحاكمة، ما تسبب في انشقاق جديد بالحزب. وجاءت الأزمة في توقيت سياسي دقيق تسعى فيه دوائر حكومية إلى إعادة ترتيب المشهد الحزبي، كجزء من تقوية الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات الخارجية، حيث تريد السلطة كيانات حزبية قوية، موالية أو معارضة لها، تتفق وتختلف على أرضية وطنية وفي إطار تنظيمي بعيدا عن احتجاجات مقرها الشارع. وبدأ الشقاق داخل الوفد عقب حديث تلفزيوني وجه خلاله السيد البدوي انتقادات لتراجع دور الحزب، ما انعكس على ضعف الحياة الحزبية، وأبدى استياءه من طريقة إدارة الوفد بشكل جعله حزبا “لا مؤيدا ولا معارضا وبلا هوية”، وبسبب تلك الوضعية فقدت المعارضة قيمتها وقوتها لأن وجود الوفد أصبح منعدما. وقرر رئيس الوفد فصل البدوي بذريعة أن تصريحاته تضر بصورة مصر خارجيا، بعد أن تحدث عن عدم وجود حياة سياسية أو حزبية ولا معارضة، بينما يتابع العالم ما يحدث في مصر عن كثب (في رأي يمامة)، وهي مبررات تعكس مستوى ما وصلت إليه المعارضة التي لا تتحمل النقد، رغم شكواها من التضييق على الحريات. طارق فهمي: الأحزاب تواجه مشكلة في إدارتها بطريقة الشخصنة طارق فهمي: الأحزاب تواجه مشكلة في إدارتها بطريقة الشخصنة ووصف السيد البدوي ممارسات رئيس الحزب الحالي بأنها “غير مفهومة”، وتعبر عن الحالة الخطيرة التي وصل إليها الكيان الوفدي الذي كان دائما رمزا لحرية الاختلاف واحترام الآراء، لكن الوضع تغير بما شكّل خطورة أكبر على المعارضة، واصفا قرار فصله بـ”غير القانوني”، لأن رئيس الحزب يجهل مبادئ العمل السياسي. وفي خطوة تكرس الخلافات داخل الوفد، قررت الهيئة العليا للحزب، إلغاء قرار رئيس الحزب بفصل السيد البدوي، وأعلنت اعتباره كأن لم يكن لمخالفته لائحة النظام الداخلي، ما ينذر بصراع بين أنصار يمامة ووفديّين يتمسكون بتقاليد الحزب. وأحدث قرار فصل البدوي موجة من السخرية بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن حزب الوفد ليبرالي وينادي بحرية الرأي والتعبير، ثم يقوم بفصل أحد قياداته بسبب رأيه، دون أن يتم استثمار ما ذكره للبناء عليه وإعادة النظر في الحياة الحزبية ومستقبلها، بدلا من التعامل بطريقة إقصائية مع الرأي المعارض. ويعد حزب الوفد من أقدم الأحزاب المصرية، تأسس عام 1919 على يد زعيمه سعد زغلول، لكن شعبيته تراجعت في السنوات الماضية، وظهر ذلك في التمثيل البرلماني، إذ أن لديه 26 نائبا في مجلس النواب من أصل 596 عضوا، ويصل أعضاء جمعيته العمومية إلى قرابة سبعة آلاف عضو يمثلون الهيئة العليا وقيادات الوحدات الحزبية. وتعتقد دوائر سياسية أن تكرار الشقاق داخل الوفد يعبر عن الحالة التي وصلت إليها الأحزاب في مصر، رغم أن التغيرات التي تحدث على الساحة السياسية من تحريك للمياه الراكدة، وتفرض على الكيانات المعارضة أن تعيد الاعتبار لنفسها. وبدأت التركيبة الحزبية في مصر تشهد حراكا مع الإعلان عن تأسيس حزب الجبهة الوطنية، بمشاركة شخصيات وكوادر سياسية وفكرية وثقافية وبرلمانية، كمحاولة لجمع شتات أحزاب الموالاة تحت راية واحدة، وتنتظر الحكومة أن يحدث الأمر ذاته من جانب أحزاب المعارضة لتحقيق الحد الأدنى من التوازن. واعتاد حزب الوفد أن يغرق في صراعات داخلية لحين الوصول إلى مرحلة من الاستقرار، ما يضر بالتوازن الذي تنشده السلطة بتقوية أحزاب المعارضة أيضا، لكن عمق الأزمة يظهر بوضوح في أحزاب لم تستطع الخروج من خلافاتها. قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي في تصريحات لـ”العرب” إن الأزمة الحقيقية مرتبطة بممارسة الحريات داخل الأحزاب، والوفد مثال، والخطر أن يقود الخلاف الراهن إلى مزيد من التجاذبات قبل إجراء الانتخابات البرلمانية العام الجاري. الصراع بين النخب الوفدية يشير إلى وجود فريقين، أحدهما يريد عودة الحزب إلى سابق عهده، والآخر يرغب في استمراره ضعيفا من خلال التقرب للحكومة وتأمل السلطة أن تندمج بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة لخلق كيان كبير، وتحسين الصورة السياسية للدولة، خاصة أن السلطة لديها كيانات موالية، ولها زخم في الشارع ولتخشى من اختلاف أحزاب المعارضة معها. وأكد طارق فهمي لـ”العرب” أن أمراض الحياة الحزبية في مصر تحتاج إلى علاج جذري، لأن الأحزاب تواجه مشكلة في إدارتها بطريقة الشخصنة وعدم استيعاب الآخر ويحكمها الولاء الشخصي والأسر والعائلات، وكانت هناك رؤية أن تتوحد الأحزاب المشتركة في التوجهات في كيانات أقوى، لكن الخلافات تصعب المهمة. ورسخت أحزاب المعارضة صورة سلبية في أذهان الشارع والسلطة، لعدم قدرتها على إدارة شؤونها الداخلية، ما يطعن في المواقف التي تتبناها، في خضم اتهامات تطال قياداتها بالبحث عن مصالح شخصية دون امتلاك قدرة على ممارسة العمل السياسي والاستفادة من وجود مساحة جديدة للحركة. وقد تكون أزمة الوفد بداية لدخوله دوامة من الصراعات تحدث خسارة فادحة للتيار الليبرالي الذي يعبر عنه الحزب، بما يضر بصورة الحكومة قبل المعارضة لأن السلطة تتعامل مع وجود حزب الوفد في المشهد بصورة قوية كأولوية. وتعبر الأزمة الراهنة عن وجود صعوبة في تحقيق مراد الحكومة بأن تسير الأحزاب المختلفة معها في طريق تشكيل تحالفات لخوض انتخابات البرلمان المقبلة، وسط محدودية قدراتها السياسية وصراعاتها الداخلية، وعدم وجود قيادات تتمكن من تهدئة الأجواء، فضلا عن تعامل بعض رؤساء الأحزاب مع المنصب بمنطق الزعيم الأوحد. ولفت طارق فهمي إلى أن الكرة في ملعب الأحزاب المعارضة وعليها أن تكون مؤثرة، وهناك شواهد على أن الوضعية السياسية تتقبل ذلك الآن، لكن لا توجد بوادر حزبية لاستثمار الفرصة، خاصة بعد الحوار الوطني الذي أفسح الباب أمام الجميع لاستعادة النشاط، ولن يتحقق ذلك دون البدء بممارسة الحرية داخل كل حزب أولا. ويبدو تصاعد خلافات حزب الوفد على فترات قصيرة تغذيه قوى خارجه لا ترغب في استمراره كتلة صلبة، وتتمكن من تصحيح المسار بما يهدد شعبية أحزاب أخرى، لأن الوفد عندما يكون قويا فهو يمثل تهديدا سياسيا للبعض. ويشير الصراع بين النخب الوفدية إلى وجود فريقين، أحدهما يريد عودة الحزب إلى سابق عهده، والآخر يرغب في استمراره ضعيفا من خلال التقرب للحكومة، ومع ذلك فتصحيح مساره ليس مستبعدا، لوجود عقلاء يتمسكون بوقف تدهور شعبيته.
مشاركة :