فجرت استقالة رئيس حزب تيار الكرامة (معارض) أحمد الطنطاوي من منصبه أزمة جديدة لم تكن في حسبان أحزاب المعارضة التي قررت المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا. وتحاول عدة أحزاب مصرية تحقيق مكاسب سياسية تعيد لها حضورها بعد أن انزوت عن الأضواء خلال السنوات الماضية، ووضعت الاستقالة التي أعلنها الطنطاوي مساء السبت البعض من القيادات التي دعمت المشاركة في الحوار الوطني في ورطة، حيث برهنت على أنها لم تحظ بتوافق داخلي كامل. حنان أبوسكين: الشباب يتطلعون إلى تحقيق مكاسب سريعة دون حضور حقيقي ولم يوضح رئيس حزب الكرامة الذي كان عضوا في البرلمان السابق أسباب استقالته التي دعا فيها المؤتمر العام للحزب إلى الانعقاد في الشهر المقبل لاختيار رئيس جديد. لكن الخلافات التي نشبت أثناء الاجتماعات التي عقدها الحزب قبل الإعلان عن الموقف النهائي من المشاركة في الحوار الوطني تشكل عنصرا موضوعيًا لابتعاده عن المشهد حاليا بعد أن تبنى موقفًا متشدداً من رفض الحكومة النظر في الضمانات أو الشروط التي وضعتها أحزاب المعارضة قبل الانخراط في الحوار. وتسعى أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية -التي تضم ثمانية أحزاب وشخصيات سياسية معارضة- لاحتواء أزمة استقالة أحمد الطنطاوي، ما دفع حزب الكرامة إلى رفض الاستقالة بعد إعلانها وسط محاولات تقوم بها قيادات حزبية معارضة لإثنائه عن هذه الاستقالة. وكشفت الاستقالة عمق الخلاف في الرؤى بين جيل الشباب داخل أحزاب المعارضة -الذي يتبنى عدد كبير منه موقفا سلبيا من الحوار إذا لم يتم الإفراج أولا عن المحبوسين على خلفية قضايا الحريات والرأي- وبين من يمكن تسميتهم بشيوخ الأحزاب أو “العواجيز” الذين يملكون خبرات في التعامل مع الحكومة ولهم قناعة باستحالة إملاء شروط مسبقة قبل الحوار مع استمرار الضغط على النظام لتحقيق أكبر قدر من المكاسب. ويميل الشباب في عدد كبير من أحزاب المعارضة إلى تبني مواقف أكثر راديكالية مقارنة بمواقف الأكبر سنًا، وتحدوهم رغبة في إمكانية الحصول على هامش من الحركة أوسع ولا يتماشى مع براغماتية أبناء الجيل الأكبر سنًا بفعل الخبرات والتجارب التي خاضوها مع أنظمة مصرية مختلفة، والتي أوجدت قناعة بأن رفع سقف المطالب لا يسفر عن مردود إيجابي، ما يبقي المعارضة الخاسر الوحيد دوما. وقاد الطنطاوي -الذي شكل أحد أبرز أقطاب المعارضة مع مجموعة أخرى من جيل الشباب شكلوا تحالف “25 – 30″- معارضة ضد جملة من القرارات التي اتخذها النظام المصري ومررها البرلمان السابق، وزادت شعبيته إثر تنامي الأداء الصدامي مع السلطة، وفي النهاية لم يحقق مكاسب للمعارضة وتقلص وجودها في البرلمان الحالي. شخصيات معارضة تتبنى مقاربات تقوم على التعاطي الإيجابي مع توجهات الحكومة بينهم: حمدين صباحي وجودة عبدالخالق وعمرو حمزاوي حزب الكرامة رفض استقالة الطنطاوي بعد إعلانها وسط محاولات تقوم بها قيادات حزبية معارضة لإثنائه عن هذه الاستقالة ويشير موقف الطنطاوي إلى الصورة التي يمكن أن يكون عليها موقف غالبية الشباب المحبوسين في السجون، حال الإفراج عنهم، وهي لا تتماشى مع طبيعة المرحلة التي تختلف عما كانت عليه بعد ثورة يناير 2011، ما يرجّح إمكانية أن تراجع الحكومة موقفها من التنازلات التي تقدمها وتحاول من خلالها أن تبدو قريبة من رؤى المعارضة. وحسب أحد الكوادر الشبابية المعارضة والبارزة (رفض ذكر اسمه) يصعب قبول الحديث عن تمرد الشباب،”فمن تحمل تبعات العمل الثوري وعدد كبير ممن يقبعون في السجون حاليا هم من فئة الشباب الذين بحاجة إلى فرصة للتعبير عن أنفسهم، ومن الإنصاف إشراكهم في صياغة المستقبل، ويجب أن تُترك لهم الحرية للقيام بذلك”. وأقرّ في تصريح لـ”العرب”بأن “لكل حزب سياسي رؤية يتوافق حولها الجميع -بمن فيهم الشباب- ويلتزمون بها، لكن الحماسة تغطي على توجهات البعض منهم، على عكس جيل الشيوخ الذي استنفد قدرته على التعامل مع ملفات عديدة، ومن المفترض منح فرصة لجيل آخر إذا حاول أن يتعامل مع هذه الملفات بآلياته وأدواته”. وأشار المصدر ذاته إلى أن كافة أحزاب المعارضة لها توصيف للمشهد الحالي وتعرف أين تكمن المشكلة وكيفية حلها، وقد يوجد خلاف حول ترتيب الأولويات، لكن لدى الشباب قناعة بأن الإفراج عن زملائهم المحبوسين يمثل ضمانة لجدية الانغماس في الحوار الذي ما زال في طور التحضير. ويتبنى عدد كبير من الشخصيات المعارضة مقاربات تقوم على التعاطي الإيجابي مع توجهات الحكومة الآخذة في الانفتاح على المعارضة، ويمكن القياس على تشجيع ثلاثة منهم ينتمون إلى مراحل عمرية مختلفة على الحوار مع الحكومة، هم: حمدين صباحي مؤسس حزب تيار الكرامة، وجودة عبدالخالق وزير التموين الأسبق، وأستاذ العلوم السياسية عمرو حمزاوي. ويعتبر هؤلاء أن اتخاذ قرارات أو وضع شروط صارمة قبل الدخول في الحوار نوع من المتاجرة السياسية الزائفة، لأن القبول بالمشاركة وفقًا للآلية التي وضعتها اللجنة المسؤولة عن الحوار ويلتزم بها الجميع لا يصب في صالح قيادات بعينها بنت شعبيتها على المواقف الصدامية والخطب الرنانة. وقالت أستاذة العلوم السياسية المساعدة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة حنان أبوسكين إن “المراهقة السياسية التي يعيشها البعض من جيل الشباب تجعلهم رهينة مواقف غير محسوبة، وعادة ما تكون لدى هؤلاء طموحات وآمال حالمة نتيجة افتقارهم للخبرات التي تجعلهم أكثر حصافة في التعامل مع وضعية سياسية معينة، ما يقود إلى ما يمكن تسميته بالتمرد على القيادات الأكبر سنًا”. وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “صراع الأجيال داخل المعارضة ظهر واضحًا أثناء ثورة يناير، وآنذاك كانت رؤية الشيوخ تقوم على أن الاستمرار في المظاهرات والاعتصامات يقود إلى الغرق وستوظفه الجماعات الإسلامية للقفز على السلطة، بينما قامت رؤية الشباب على ضرورة المضي قدماً في العمل الثوري، وأثبتت الرؤية الأولى صحتها، لأن التغيير الراديكالي لم يكن على أرضية صلبة”. وأشارت إلى أن “شباب الأحزاب يتطلعون إلى تحقيق مكاسب سريعة دون حضور سياسي حقيقي، ويخشون خسارة القاعدة الشعبية التي كسبوها، عكس الشيوخ الذين استقروا في مناصبهم وحققوا نتائج مرضية أو غير مرضية وفقا للأجواء العامة السائدة”. وأحيانا توصف المعارضة المصرية بأنها “مستأنسة” وتعاني من غياب فاعليتها، بما لا يتماشى مع توجهات الكوادر الشبابية المعارضة التي ترى وجوب الأخذ بالثأر من النخبة الحالية بعد أن دفعت ثمن مواقفها الثورية. واختار عدد من كبار الشخصيات الحزبية الانزواء خلال الفترة الماضية إلى حين مرور بعض العواصف التي لم تكن في صالح الحياة السياسية، وعندما تتاح الفرصة للمشاركة من المهم استثمارها أملا في حدوث إصلاحات حقيقية.
مشاركة :